شكراً لك أيها "اللاشيء"

نص قراءة في ديوان " لا شيء فيكُ سواي

مروان عبد العال
تسلل الى يدي ديوان " لا شيء فيك سواي" للشاعر باسل عبد العال، وأعترف أني كلما تجرأت على الاقتراب منه، أعود أدراجي خائباً... السبب يخص الابوة الروحية ، في حالتي تجعل من بوح الشاعر يلتحم بحالة المتلقي ، فلا تعرف ان كنت انت الذي تكتب ام الذي يقرأ... وخاصة حين قال في أول بيت في اول قصيدة :  
الشعر بيتي حين أدخل فيه/ أصرخ في فناء البيت حراً
ولأن النص يمتلك قوة الغاوية ، فهو لم ينبثق في فراغ ولا يؤول الى فراغ ، يتحدث عن أماكن حميمية ليست بأرض خلاء، يولد مع شغف البحث فاللاشيء الذي هو انت وسواك  وفي ذاتي كذلك ، ليستدرجني بذكاء إلى باقة ديوانه المكون من  ال22 قصيدة.  لأكتشف أن اللاشيء كان شيئاً، زادني فخراً بما قرأت وندماً لأني أجلت، فما احتواه اللاشيء هو دُرة الشعر حضوراً ووضوحاً ورسوخاً في الذاكرة الجمعية في غربة قسمته الى قسمين ، تحسست اجزاء نفسي لأدرك أني قسم من النصفين ، لا اعرف ايهما أنا ولكنهما حتما متشابهان الى حد التلاحم... مثلما كتب في قصيدته" وحيد الخطى":
ونصفي الشبيه يغيب نصفي/ متى نلتقي يا صديقي الحنون.
والشبيه في اللاشيء هو قصيدته المعنونة ب" شبيه أنكيدو" هنا تولد مسحة صوفية غامرة  وأهمية استثنائية وإن كان باسل  لا يألف مكانا "كانت فيه الساعة تعمل كالساعة " ليبوح بالقلق حين يكملها في قصيدة " ساعتي حين انكسرت" يعرفها بأنها:
الساعة التي صارت تشرد/ بين الوقت وبين النوم / وحلمي كان يصافح كف الحلم 
تنساب القصائد في سجال ذاتي، كي يعلن في قصيدته " صداع" عن ذاك  التمرد المكبوت في السؤال :
صداع شديد ومثلي ينام أسير السؤال/ ..... الى ان ينهي القصيدة بصرخة مفادها: قل للمكان سأحميك أنت الذي لا الذي لا يباع/ صداع على قمة الرأس / رأسي التي نهشتها الضباع، / صُداعي صُراع.
ثم يتحول هذا اللاشيء بخفة الى " نرسيس"  الفتي الذي يشبه فراشة  يتنقل و " بعد الثلاثين السريعة مثل رمش العين" من زهرة إلى أُخرى فلا يكاد يستقر ببقعة حتى يغادرها إلى غيرها وذلك قبل أن تخبو شعلة الحب واللمعان والدهشة التي يحملها لها في قلبه ينبش لها حجر الوقت ليعثر فيها على ما تبقى منه من ذاكرة تستقر في كل مكان أقامَ فيه .
ابدع الشاعر  حين ركب " حصان طروادة" من عاصمة إلى عاصمة ومن مدينة إلى غيرها، سجل برمزية عالية تجربة السفر والترحال والغربة بين الامكنة،  فأزاح الستار عن خبايا نفسه ووجه "هيلين"  مرهف جسدت ملكته الشعرية ورقة ذوقه المفعم بالحنين  للوطن الذي يسكنه ، ويد ابي لهب وما حل بالبلاد من شآم حتى سبأ...
يستحق "اللاشيء" ان يكون فينا، اسطورة الشاعر : باسل عبد العال ، الذي استطاع ان يجعله ينهض مثل اسطورة طائر الفينيق،  بل أن يستنطقه شعرياً ، وليخرج من سجن الرماد. شكراً لك ايها اللاشيء الذي اشعلت روحنا ببراعة الشاعر وحملتنا إليه شوقاً وحباً لنلتقي على متن الشعر ان استحال البيت والمخيم وسافرنا معه وبه إلى أمكنة أخرى عابرة للحلم ، فهو ينشد في القصيدة :-
نحن هناك أحياء كما قال النبي/ وسار في درب السماء الى الأمام.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قلم أخضر

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء