إني أتهم... أصحاب حوار البنادق


مروان عبد العال


الروح التي تتململ في داخلنا، ربما سر بقاء الحقيقة الفلسطينيه، تتأجج في مرجل ألانسان الفلسطيني رغم نائبات الزمن. كأنها الأحلام التي تتحول الى جمر تحت كل رماد.
عن هذه الروح كتبنا ألأشعار والنصوص والأناشيد ، تهدهد ألأم على مهد طفلها كترنيمة النوم تسعده بالتبشير بأنها ستذبح له طائر الحمام كي ينام ، يقلدها القادة الكبار في تلاوة الترتيل المعتاد على كل منبر ومحفل وناصية، فقد رسمنا خارطتها بدمنا في مساحات طالت كل مخيم ، جدلنا حبالها في أرضنا ، وغرسنا معناها في رمال المتاريس على أبواب المدن.
إني أتهم ....
ليس عن سبب كيف ولماذا تدمر المدن تحترق القرى و تتطاير صفائح الزينكو في بيوتاتنا؟ أو كيف نبقى صامدون هنا؟ مهما كان (هنا) يعنى بالنسبة لنا وهناك وما وراء الهناك، يكرهنا العدو فنزداد تشبثا بالزعتر والحبق والنعناع. نشكره على كرهنا كي يشعل فينا تحدي الحب. يقتلنا كي تشرب الروح ترياق أستمرارها وأستمرارنا. بعد كل معركة شرف، يعتلي القادة المنابر بمناكفة الاحتلال وتعابير الروح تتباهى بتفوقها حتى بالموت وعلى الموت والقول أن الشهداء لايموتون وأنهم سر الحياة فينا.
كم مرة ينتقم العدو بأغتيال القادة ، ويخرج الجيل الثاني بروح التحدي ليؤكد للقاتل ويغيظه بترداد : بأننا سنزداد قوة. يجتاح ويدمر ويحرق ، نسخر منه بأن روحنا غير قابله للإحتراق ولن تدمر عزيمتنا، نشكر فظاعة جريمته و بشاعة الذبح الذي يجزر أعناق أطفالنا، ونحن نعتقد أن التحدي سيولد التحدي، والمقاومه ستفرخ مثل نبتة الكمأة الصحراوية، بينما تنتشرعدواها في روح أجيال جديده.
إني أتهم
سرقة الروح الفلسطينيه التي بقيت حصينه في قلوبنا ، غرست عميقا في النفس و فشل العدو بأختطافها بكل قوته العسكرية، لم يستطع ان يدنو من نارها فبقت تحمل سرنا مثل أسماء الشهداء والقرى والمدن ، مثل أطعمتنا وقمصان تراثنا وعمر زيتوننا. زدنا حبا بها وألتحاما بأقانيمها، صارت هويتنا بكل ما فيها من تطرف مرغوب ومبالغة مفهومه. ولكنها اليوم تحترق بحرابنا وتخطف بيد قابيل وهابيل ، مهما كان تفسير السبب ومن المسئول والقدر الذي يتحمله كل طرف، الا أن داحس والغبراء قد وقعت .والتاريخ مهما كان أعمى لابد له أن يرى. وسكيتب بأحرف من دمع أن العقلاء قتلوا الروح الفلسطينيه في البحث أن كان لداحس ولي أمر إسمه الجنرال دايتون. وسيسألنا باستهزاء ماكر هل الغبراء صارت بلا فارس يلجمها ؟
أني أتهم ...
قتلة الروح الفلسطينية، هذه المرة ليس إيتان ولا مرخاي ولا حتى دايتون ، هؤلاء أطلقوا عليها عملية كي الوعي الفلسطيني ، وعادوا خائبين، بلتفلت بل تلك ألاصابع الفلسطينيه التي تضغط على الزناد الفلسطيني و تسحق بنشوة ما تبقى من الأوشام الفلسطينيه الجميله على الجبين الفلسطيني المتمرد بقوة المبنى الذي يحتوي على الوعي المقاوم و معنى الروح الفلسطينية.
أني أتهم...
أصحاب المهزلة، وهم يحولون طاولات الحوار الى حلبة مصارعة رومانية ، الوهم الأكبر بأن المنتصر فيها هو من يدق عنق ألاخر ، حتى يصفق له الجمهور ويمنحه نيرون الوسام الرفيع ويلقيه لمصارع جديد. ولموت جديد. ويحتفل كل سنة على مسرح العبث المتنقل بين زنازين الوطن المسماة مدنأ في غزة وخان يونس والخليل ورام الله واليوم قلقيلية. حين لا تسمع الا حوار البنادق التي انتظرت رصاصاتها دهرا زغاريد النسوة لتنطق كفرا في تقطيع تقاسيم الروح على بوابة المدينه الموصدة .
إني أتهم...
ليس الذين بخسوا من ثمن الدم وقيمة الأنسان في بورصة السباق على كسب ود صاحب السوق، بل المتفرجين على أمتداد المشهد، للوجوه بكافة أشكالها ، الشامته والمتباهية والواجمة والخائفة والهازئة. في كل مرة يقف مصارع الثيران رافعا شارة النصر ، ويبدأ بكرنفال التهريج السياسي وهو يغرس سهامه في عنق الثور، ولكنه لا يدري ربما بانه غرسها في عنق الثورة ، وأن سر القوة في الأنسان تتلاشى تلقائيا ، وتموت جدوة الروح فيه، كي يتحول الى رقم ، بممارسة غبية تترجم بوعي او بدونه فكرة تفترض بأن البشر ليسوا سوى أفواه لا هم لها سوى مجرد الحصول على بطاقة تموين دولية .
أني أتهم...
رواد وقادة بأوصاف متضادة من شرعيات ميته وخادعه وكاذبه ومناصب فات ميعادها وإنتهت صلاحيتها ومدتها منذ زمن بعيد و حسب التوقيت السياسي وليس القانوني. يصير لعنصري الصراع وجهي الهزيمه ، ما الفرق بين الهزيمة واقفة والاخرى مقلوبة؟
أحتلت الارض وصودرت الحقوق وضربت المقاومه ولكن سر البقاء يكمن في ما تبقى من قوة الروح وما تحمله من ارادة وذكرى وتحدي وأحلام وقضية .
أني أتهم ...
الاخوة الأعداء، نعم ألاعداء. لأنهم جعلوا من العدو وحده هو الجهة الصالحة للمصالحة بين الاخوة. لأن مفهوم العدو في أذهانكم قد تبدل ، منذ أن إنزلقت ألالسن في لعبة الألقاب والتفخيم أضحى السلاح في مزارعكم حصرا لكم ومن تسلح دون السلطه فهو عدو صاحبها.
كل ديك على مزبلته صياح. يصيح بما وفرته السلطه لخدمة الذات وليصبح الفصيل غاية وليس وسيله وصار تقليد مشية الطاووس في التباهي بمن هو الأكبر وليس من هو الأفضل ، إعتقادا بأنه دليل شرعية وعظمه تفوق عظمة الشعب الفلسطيني وفوق روحه أيضاً وليس علامة شيخوخة وتهالك وموت. فقوة التنظيم بما يضيفه للروح الفلسطينية من طاقة جديدة ونظام سليم وتغيير حقيقي ما يرفدها من قيم ومعنى ووعي وقوة وليس لمن يخمدها ويكويها بنار الفتنه وحوار الرصاص.

تعليقات

  1. سلم قلمك وفكرك النير ان كان قد بقي لنا امثالك فما زلنا بألف خير ولكننا لن نظل بخير ان ظل المركب يسير به من يريد الموت لفلسطين.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر