من رواية ((حاسة هاربة))
قد يعود الحي.. لكن كيف ستعود الصورة! حاسة فانية.. أم حاسة في العناية الفائقة، أم حاسة غير قابلة للتصرف.. قلت ومضيت. من قفير إلى قفير كنا نتنقل.. حزيناً بلا ذكريات، أدوس عليها تحت رجلي. غلاف يتشح بالرماد، جدران خارجة من احتراقها. لبس الحي ثوباً من الدخان. وغرف جميعها تعرت مثل راقصة خلاعة، أو تغنج بنصف ملابس مثل مغنية. ملأئتها رائحة الرغبة. نوافذها انفتحت، وأبوابها مخلعة مثلت قاعات لهو خالية من روادها. بقايا أفرشة توحدت بلا ناسها، فانتفخت، منسحبة من غرف نومها. وتتلوى كأمعاء خارج البطون، وتشكو من انتقاد أجساد دافئة، منزل محترق ومهجور، وعلى بلاط الغرف، بقايا ريش حمام التصقت على زجاج مكسور. بقايا أواني منزلية تنتشر على زوايا الغرف وخارجها وفي الزواريب والشوارع. غبار في زمن الاضطراب، أريد أن أودّع المكان. أن أتكلم معه، لم أكن أنا الهارب منه بل هو الهارب مني.. تختطفه الروح الغريبة، بفحشها وشبقها وشهوتها وموتها. من يطعم الأسئلة الحائرة داخلي؟؟ رقصة الدهشة القاتلة تجفف حلقي، والهروب من أجل البقاء، حرقت مآقي العيون، أنا أفر وهي تضمحل. أجر أقدامي مع ثلة كل ما بقي في المكان من إنس. متسللا...