ونصف دقيقة...!


ونصف دقيقة...!


مر زمن ونصف دقيقة على وقع أصبع يدق رأس الأنف ووتر القلب معاً ، تمر الاشياء مسرعة كغيوم مسافرة مشبعة بأحلام الطفولة و بأن الآوان لم يفت قبل أن ترتوي العيون الرمادية من ملوحة البحر. دائماً تقف في الصف الاول حيث يجلس نصف الزمن الماضي ، والتلامذة يضرسون بحصرمهم الأخير، كل شيء معرض للإنصهار، ونصف لخيبة هي بلون الرواسب الرملية عند حافة الشاطئ ، كل صباح ابتلعه البحر سيبقى يرتعش مع أصابع الموج.. منتصف الزمن هنا كبقايا الريح تمسح بحذر جبين الحصى، تتسلل اللزوجة تحت رداء خفيف من ماء الجسد. معلقٌ في زاوية مثالية ، بين نصف إبتسامة ترتشف قهوة خجولة ونصف آخر يتلاشى فوق شفاه الدهشة ! النادل الفضولي ، يسأل عن سر الإختلال الفظيع في عين الماء ، يمسح التفاحة بكفيه وعينه لا تفارق الكرسي الشاغر، يتقن فن التصورات الخيالية، يفترض ان يكون الجليس مجرد  وميض قد فلت مرة من ضوء القمر.

يسأل عن شعاع هارب من فضاء الضياع وان كان سيعاود السقوط ثانية ، أم أنه هنا فقط وفي قلب النزيل الوحيد! نصف دقيقة من الزمن منسية في الميناء الآخير، تبحث عن بصمات عيون في الفراغ المقابل ، قد يفتح وجهها ألامومي باب الحديقة ، ويجيب بخطوط تشبه الملامح المخبأة وراء قلاع الخوف "العذرية ". نصف دقيقة عند منتصف حياة تسرق فيها الفراشة شيءٌ من المرح ، كلما بالغت في التصفيق بجناحيها أطير أنا ، تحلق بي على مدى مفتوح للحرية وتتسع كأفق أزرق. تدمن الأجسام المتحركة على امتداد الضوء المفاجئ في خيطان اللون الأخضر الوبري على حدود الجفاف، تتكوم مثل تحفة فنية تبعث السخونة لحاسة اللمس في أناملي ، تعجن ملابسي في بشرتها الطينية وآهاتها ما زالت تغلي بين جدراني وتداعب الأنفاس المتناثرة فوق لساني. كلماتك تستلقي على نهاري كشمس الظهيرة دعيها تنام على ذراعك اليسرى، مرت ألساعات ولم تغادر حلقي ، مثل جمرات الشوق ، تفوز بالمحاولة الى ان تتثائب الُقبلات الغافية فوق أريكة باردة. حياة كالصخب تدور كأسطورة قدرية يقطعها قطار الشوق.

بنصف دقيقة تمضي أقدامه للأمام ولا تتوقف عجلاته عند منتصف المحطة ،تعد مرور السنوات على نافذة تحمل مع المساء شيء من ذكرها و سحرها وعطرها. حياة بيننا ، تشبه شجيرات العليق، نذرت بعض من شوكها للطريق المتعرج ، هناك يصل سفح الجبل قبل ان يلاقي الشاطئ رملي ، نزولا نحو الصفحة بيضاء، والكلمات قريبة،كلها تتدافع عند فوهة الليل. جدار المعبد يسند كتفيه متداعيا فوق الرصيف ، وأنا اقرع جرس الباب ، فمتى يظهر المساء وهو يقرفص مذهولا في عتمة الحجرة البعيدة ... ؟ سؤال يسابق الحيرة... أسرارها على مقصلة مزدوجة لتغريبة الذهاب والاياب، تناجي ملكوت السفر في صلاة على محراب التاريخ، لكي ينهض ذات يوم واقفاً على قدميه.

بعد نصف دقيقة ، لم يفت الآوان لدعوة مشتهاة عند جنون المتاهة، سنمضي بنزهة الى المجهول معاً...

مروان عبد العال

تعليقات

  1. أجمل طريق تسلكه المجهول مع الحبيب،وأجمل حب تنجح فيه هو ذاك الحب الذي كنت تخشى الرسوب فيه، مع أنك لا ترسب أبداً

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء