قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

اعداد : سعاد شواهنة
نبأ/ شبكة الانباء الفلسطينية
 جاءت الجفرا الأسطورية التراثية الشعبية والإرث الفلسطيني لتكون صوت الموت المسكون بالانتظار، وصدى الترقب والتساؤل والبحث. جفرا.. لغاية في نفسها رواية صادرة في طبعتها الأولى للعام 2010 عن دار الفارابي في بيروت للكاتب مروان عبد العال وهو كاتب وروائي وفنان تشكيلي ومناضل سياسي فلسطيني. هي رواية البحث في البقاء:
صورت الرواية بين دفتيها صورتين لموت باحث عن جذوة حياة.الأولى صورة موت الجفرا وخروج صوتها صدى يشدو الحياة، ويقلب الكثير من الأسئلة ويحملها لفنان تشكيلي لا زالت تنقصه صورة لوطن خيوطه مشتتة وألوانه مضطربة، ووجيب قلبه متباين وسفنه لم تفلح فتجد لنفسها ميناء ما. الجفرا صورة تمثل اللجوء من وادي المجنونة إلى بلد قريب إذ كان الحديث عن هجرة قصيرة ثم هجرة طالت إلى لبنان.
أما الصورة الثانية للموت فجاءت في نهاية الرواية إذ عرضت لصورة الفنان وزميلته المعلمة ينبشان قبر صاحب الجفرا، رجل الضباب، الحالم، الشاعر، العاشق والفكرة.
لقد كان لانتهاء خيوط الرواية في حدود قبر هذه الشخصية رسالة ثاقبة صارخة. فقد شكلت هذه الشخصية حالة حب واتزان للحياة والدفء والمطر والهدوء، حالة شغف للحياة وصورة الجفرا إذ يغني لها وباسمها، وحالة الصمود والبقاء إذ رفض الخروج من وادي المجنونة في الخامس عشر من أيار ” النكبة الفلسطينية” وقلب أيامه بين وادي النسناس وأم الفحم والجليل والقدس، وظل دوما متنشقا رائحة البارود حيث يستدعيه. هو ابن الثورة بدء، عاش تقلباتها وتمسك بها مهما تقلب القادة واختلفت الرؤى والأحوال. وظل الوطن هاجسه إذ ناداه وادي النار إبان النكسة الفلسطينية، وهو الذي لم يسقط السلاح في 1970 ورفض الرحيل من الأردن إلى لبنان، هو الفكرة، والسر ، والزناد،وعطر جفرا انتهى لصناعته ليكون عطر الوطن الضائع.
اللوحة لا تكتمل:
هو الفنان التشكيلي الذي لا زال يبحث عن صورة لوطن لا تلتئم أجزاؤه، وهو صوت الجفرا الذي اصطفاه محدثا في رمسه:” ضياع في كل مكان، كل شيء هون ضياع، المخيم ضياع، حبال الغسيل ضياع، بواب البيوت، حتى الشبابيك ضايعة…………. من يوم ما ضاعت البلاد ضعنا…….. من يوم ما ضاعت فلسطين صدق اللي قال: قوم ضل ما ظل” هذه كانت رسالتها إليه هي ابنة الجيل الأول من اللجوء وهو الشاب ابن الجيل الثالث من اللجوء، الفنان الذي يحكي باللون أكثر، وتبقى اللوحة صورته وصوته.
البحث في صورة الوطن:
جاء البحث حالة من التناغم بين اللون والكلمة إذ وجد الفنان في صديقته الكاتبة في إحدى المجلات وحفيدة الجفرا شريكا في البحث، والقلق والترقب، وروحا تشاركه ثقل صوت الجفرا، وثقل الضياع، ويعرض الكاتب من خلال هذا الاختيار لهذه الشخصيات رسالة يوجهها بكثافة إلى المثقف والفنان والكاتب والزجال الفلسطيني، وكل حامل لصورة الوطن:” أن الضياع لا زال مستمرا، فاستمروا بحمل مشاعلكم.”
صورة النضال والسلطة :
عرضت صورة ابنة الجفرا حالة من انقلاب واختلاف الأحوال بين النضال والسلطة. فهي الابنة التي رحلت مستجيبة لقلبها مع جيفارا الثائر الفلسطيني إلى تونس لينتهي بها الوقت في غزة. وفي غزة وإذ يمر الوقت فوق جسدها طويلا ترقب ذلك الاختلاف بين العاشق الذي خرجت معه، وبين الرجل الذي صارت تجد اليوم” تتحدث عن كيف تخلق بسمة بلاستيكية تضعها فوق شفتيها المطلتين بلون دموي، لتستقبل بها رجل البيت العتيد وهو العابس دوما ليضفي على شخصيته هيبة دكتاتور”
وإذ تغازل النضال لا تجد سوى حكايات الانتفاضة في 1987 عن صديقتها التي أخفت طريدا ليلة زفافها في الحمام ، لكنها وإذ تتحدث عن حالها الراهن وقد صارت أما لأربعة أطفال، صار ممنوعا عليها أن تبتسم من قلبها، وأن تمازح شابا وحتى أن تتجول في الشوارع، هي لا تستطيع السير دون غطاء رأس، ولا بد أن يرافقها طفل إذ اضطرت للخروج كي يمنع التحرش بها.هكذا تروي كيف تبدل الوطن بين النضال والسلطة.
صور كثيرة للفقد والضياع والاختلاف:
في حالة من الفقد جاء زواج الجفرا بمهر في فردوس البلاد المفقود من رجل لا تحبه، رجل تهبه الجسد وتحبس عنه الروح. وفي حالة من الموت القاسي تفقد ابنها في البحر خلال عمله في العسكرية البحرية، ويأتيها الموت المتنكر في صورة حياة ابنتها التي تعيش في غزة. أما فقدها الأكبر فكان الخاتم الذي قدمه لها رجل الضباب فأخرته ليوم زفاف لم يأت. ذلك الخاتم الذي رأت فيه صورة لوطن تستعيده، وهو الخاتم الذي انتزعه من يد مجندة بعد معركة طويلة.
وإذ ترى في الخاتم صورة لوطن لم تمتلكه ولا زالت تبحث عنه، كان للمجندة ذاكرة أخرى لخاتم ورثته عن أمها التي ورثته عن زوجها وهو أحد ضحايا الهوليكوست، هكذا تعرض الرواية صور الفقد ويظل الضياع مسيطرا في كل شيء.
………………………………………………..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر