الواقع الفلسطيني معاناة وألم!

الواقع الفلسطيني معاناة وألم!

دراسة تحليلة لرواية مروان عبد العال(زهرة الطين)

٢٩ آذار (مارس) ٢٠٠٨بقلم ميسون جمال مصطفى


(زهرة الطين) رواية فلسطينية بمفهومها وآرائها وتوجهاتها، تعرض الواقع الفلسطيني بكل تحولاته وتجلياته. يبدأها المؤلف، جاعلا نفسه مجرد راو للأحداث لا شخصية من شخوصها…لكن سرعان ما تتداخل الشخصيات فينقلب من راو خارجي إلى راو داخلي يتمثل بشخصي(طين- سيف).

تدور أحداث قصة مروان عبد العال الصادرة عن دار الفارابي في بيروت 2006، أو كما يظهر من خلال الراوية في أكثر من بلد عربي(المغرب- لبنان- فلسطين).

تتقاطع الرواية ما بين الماضي والحاضر، وبين حدث وآخر، ففي النص قصص مختلفة الشخصيات، تعد كل منها بطلة في موقعها، تبدأ (بطين- سيف) الذي ظهر في بداية الرواية وهو غائب عن شخصية الراوي، ثم ما تلبث بعض الشخصيات أن تنتقل إلى راو مؤقت(مطر- سعدون- عطية).

يرتبط المكان في الرواية ارتباطا وثيقا بذاكرة(طين- سيف) حيث يتحول مكان اللجوء، إلى وطن مؤقت(نهر البارد)، ذلك المخيم الذي ولد وترعرع ونشأ فيه، ما هو إلا مرحلة من يوميات الوجع والهم الفلسطيني في مخيمات لبنان.

" الجيل الفلسطيني الجديد رغم مآخذه على وطن إقامته المؤقت، إلا أنه يدافع عنه، ويعتبره بدلا عن ضائع، وأجمل الأوطان على الأقل التي رأها.

يتغزل بحسن البلد وجمال طبيعته، رغم أن أهله قد يعتبرونه أبشع ما فيه، إلا أنه في غياب الوطن الأول، يبقى الملاذ في الذود عن سمعة الوطن الثاني" [1]

يحمل عنوان الرواية" زهرة الطين" معاني كثيرة، فهو الطين الذي ولد منه الإنسان، وهو طين الأرض المجبولة بدماء الشهداء، وهو الطين الذي تنبت فيه النباتات، كزهرة الطين "زهرة البابونج" التي تنمو فوق أسطح البيوت القديمة المبنية من طين في وطنه فلسطين، وقد ذكرها الكاتب وحمّلها اسم روايته لتمسكه بطينه وجذوره، فهذا النوع من الزهر يشبه الذهب في تألقه ورونقه.

يعالج الكاتب في روايته حياة اللجوء في لبنان ويومياتها، وارتباطها بالنواحي الاجتماعية، والسياسية، والثقافية في المخيمات عبر قصة حب دفعته إلى الذهاب وراء محبوبته(المجدلية-مادولينا) في إيطاليا بطريقة غير شرعية عبر البحر، فكاد أن يفقد حياته لأجلها.

" هل اعتبرت الحياة معها فقط ودونها الموت، وقررت اللحاق بها؟. ضم أصابعه:" وقال" صبرك يا( قمر)! لقد بذلت كل جهدها كي أرحل إليها، دعوات وجهتها إلي السفارة كي تقبلني ولكنها بإيعاز من الأمن ربما، منعت زيارتي لها" [2]

يشكل(مطر وهو استاذ أدبي عربي من مدينة جنين، وقمر فتاة فلسطينية تعيش مع أهلها في المغرب) عامل المساعدة في القصة لـ" طين- سيف"، فولاهما لما استطاع أن يعود إلى ماضيه، ويتذكر اسمه الذي تناساه، وهرب منه لأنه يذكره بمأساة ومعاناة شعبه في المخيم الذي يشبه الوطن في تفاصيله الصغيرة، وحكاياته الكثيرة، ففي كل ركن فيه له ذكرى، الجيران والأهل والشوارع الضيقة، فماذا سيفعل لو انتهى المخيم!

ماذا لو انتهك المخيم في غيابي، هل سينتهك قلبي هناك؟ هل سأذرف دموعا على تلاشي جمهورية الصدف والطين والحجارة، من سراب متسلل إلى عتمة الروح كي يخمدها؟! أخاف الدمعة يا أيتها" المجدلية" [3]

يتساءل الكاتب هل الهرب من المخيم سيكون خلاصا له ولكل من يحلم بالهجرة، أم أنه بداية مأساة لحياة جديدة، ربما تكتب عليه الموت في أية لحظة. فالبطل في القصة عرّض حياته للخطر كي يلحق بحبيبته المجدلية الايطالية، دون أن يفكر بخطورة الأمر، بالرغم من فشل محاولات كثيرة للهرب من حياة اللجوء بهذه الطريقة المرة.

" هل السفر طلقة أم زهرة؟ حرب أم حب؟

بين الطلقة والزهرة مسافة. قد يبدأ الطين ويزهر، يصير نبضا فقلبا فلهبا، إنها رقصة الدم وعرس الأوردة بين أعشاش الفقر في مخيم نهر البارد وصدى الحساسين في غابات النخيل في الرمادي." [4]

تفوح رائحة التراث بالرواية بشكل مباشر من خلال حديث عبد العال عن الحاجّة أم نظمي وأم شعلان، فكلتاهما من تراث بلاده، وكلتاهما تحملان رائحة التراب الندي الملون بأرض الوطن.

"وجه الحاجة أم نظمي يوحي بتراث، تفوح منه رائحة التنوروألوان كتراب الحواكير، كأنه قطعة طين عتيق، يخلد البيت الذي طينته يوما بأيديها ومن وحل الأرض الطيبة.

جذرية هي أم نظمي، هي خنساء شاتيلا، إنها حب الحياة الذي يتكاثر ويتناسل فينا، ويتواصل، كأنه الرحم الخصب الذي يغيظ، دعاة" الديموغرافيا والتفوق والتفرقة العنصرية" [5]

يصور الكاتب معاناة الشعب الفلسطيني ونضاله لتحرير أرضه من دنس العدو قبل النكبة." ولما كان والدي في ثورة القسام، نزفت الأجساد يومها روافد من دم، فأنبتت سعفة خضراء من نخل عربي أصيل يشق الأرض….." [6]

تسيطر على الرواية الكتابة الرمزية والشعرية مع دقة الوصف والتصوير للحياة اليومية للاجئ الفلسطيني في الشتات ورمزية المخيم عنده، وقد عرج على حياة اللاجئ في الداخل في ظل الانتفاضة والموت اليومي.

وضع الكاتب لنصه حبكة غامضة تشد القارئ للتعرف على شخصية" طين" التي تكشّف لاحقا عنها من خلال السياق أنها لسيف اللاجئ الفلسطيني في مخيم نهر البارد، وسيف رمز للشاب الفلسطيني داخل مخيمات لبنان، يحلم بالسفر للتخلص من حياة اللجوء التي تلازمه، ولكن هذا السفر يكاد أن يقضي عليه.

ينهي عبد العال قصته بلجوءآخر، وفي بلاد أخرى، فبعد أن عاد "طين- سيف)" لذاكرته، قرر العودة إلى مخيمه. وأثناء العودة، وضع في منطقة حدودية بين دولتين عربيتين مع مجموعة من الشباب العربي.

"هيهات للعالم إن كان للعالم آذان كي يسمع( على بال مين يللي بترقصي بالعتمة)! لن تسمعنا هنا إلا العقارب ورياح الموت، إنه شتات جديد. لقد عدنا ولكن إلى شتات آخر" [7]

لقد قدّم الكاتب مجموعة من الإضاءات في روايته حملت معاناة الشعب الفلسطيني في الشتات، وكأنه يلخص فترة زمنية من عمره باعتباره جزءًا من هذه المعاناة، إبتداء من تسميته للرواية" زهرة طين"، وهي التي تشكل إنتماء لتراب الوطن، مروراً برمزية المخيم وحياة اللجوء، انتهاء بالحكم على الشعب الفلسطيني بتوالي الأزمات، فهو ينتقل من لجوء إلى لجوء، وكأني بالكاتب يخترق الزمان ويضع تصوراً لحياة الشعب الفلسطيني حاضراً ومستقبلاً، وما أحداث نهر البارد الأخيرة إلا شاهد عيان لهذه التصورات، وما خفي كان أعظم!!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر