حبـش قـرأ عليـنا أبجديـة الثـورة


الحفل الكريم...
سلام لك يا حكيم، سنة مرّت على غيا بك واليوم نشهد كم نحتاج إليك. وأنت الضوء السرّي فينا، أشعلته في الومضة الأولى للتأسيس مقاومًا. تعلن الفيض الأول من الحلم في عيوننا، وبإسمك نوزّع ما بقي من فيض ذاكرتك وفكرك وحلمك، حتى صرت أيقونة شعب وحكاية وطن، إسمها جورج حبش.
سلام عليك يا حكيم، وأنت المعلّم تقرأ علينا أبجدية الثورة، تفكك طقوس العشق الفلسطيني، وتنسج في عقولنا مسار التجربة، كي نكون النجباء في فهم دروس الماضي ونفقه درس الحاضر، ونستقرىء آفاق المستقبل. لذلك حضورك الآن بيننا ليس مجرد ذكرى سنوية بل لأنّك مصل الحريّة الذي شربته الرّوح الفلسطينية، صرت فينا ذاك الزّمن المطلق الأقوى من كلّ النسيان.
سلام منك يا حكيم، واسمح لي أن أنطق بروحك، وأوجّه سلامك إلى غزة التي حفظتها في حدقات العيون وأطبقت عينيك على وجعها وجوعها وجرحها وحصارها، وهي اليوم تحمل الوطن إلى شرفات الشمس. ويستعصي وهج دمها على المحرقة الجديدة، تخرج مرفوعة الرأس من جرحها وتنتصر إرادتها وتستمر مقاومتها، وبعبارتك المألوفة الجازمة(إنّ الثورة مستمرة) لأنّها من روحك شربت، وانتصرت بالمقاومة والاختبار، لذلك حقّ لها أن تستدعي حكمتك لحماية نصرها، وتناديك بأغلى الأسماء عندك، للشهداء صنّاع التاريخ والثورة والحلم...
إلى رفيقك في الانتقال من رسالة الطب إلى رسالة الثورة وديع حداد، وإلى الذي قرع بدمه وقلمه جدران الخزان، غسان كنفاني و جمرة الثورة في غزة تؤسس التجربة الأولى للمقاومة الشعبية جيفارا غزة، ولرجل المهمّات الصعبة، الأمين العام أبو علي مصطفى، تقدّم دمه فأزهر على رمال غزة كتائب الشهيد أبو علي مصطفى والتي شهد لها الجميع بنكران الذات والجدية والتقنية في الميدان، والذي خرج من صُلبكَ ونهجك كي يرتفع وسامًا للحرية، يوشِحَ صدرَ فلسطين وهي تتباهى بالرجل الذي أنجبت، القائد أحمد سعدات.
لأعمدة الثورة الشهداء الذين حفظوا بحضورهم قيمها ومبادئها وأصالتها وألقها وكانوا صمّام أمانها ووحدتها، الشهيد ياسر عرفات، والشيخ أحمد ياسين وفتحي الشقاقي وأبو العباس وطلعت يعقوب وزهير محسن وعمر القاسم وجهاد جبريل وسعيد صيام، لمسيرة العزة والكرامة لتراثنا الخالد لشهداء فلسطين وشهداء غزة وشهداء المقاومة والنضال الوطني والتحرري لآلاف الشهداء، المجد والوفاء في يوم الحكيم وفي عرس الدم والنصر، والحرية لأسرى الحرية في سجون الإحتلال الصّهيوني .
أيها الإخوة،
أمّا غزة وبعد،
من درس تاريخها البطولي المقاوم ومن دمها المراق ومن إرادتها المنتصرة نقول الحقائق التالية :
الحقيقة الأولى: الذي انتصر في غزة هي إرادة الشعب والمقاومة، فهو نصر صريح مثل دمها وصمودها أقوى وأفصح من أن يعلن أو ينكر، ولا يحتاج النصر لناطق باسمه، فهو نتاج دم ودموع ومقاومة نسجتها الوحدة الصلبة والجدار المنيع والإلتفاف الشعبي حول المقاومة، بل صنعته الأمواج البشرية في شوارع المدن والقرى والأحياء على امتداد فلسطين التاريخية والوطن العربي والإسلامي والعالمي، وصولاً إلى ثورة الزاباتيين وكوبا وفنزويلا وبوليفيا وأردوغان تركيا، ولبنان العربي الذي توحّد على نصرة غزة وفلسطين، له نصيب كبير، فهو الدرس والنموذج في تجربة المقاومة والنصر وهي المنبر والساحة والألوان المتشابكة الإسلامية والوطنية والقومية واليسارية.
والحقيقة الثانية: إنّ النصر في منع العدو من تحقيق أهدافه العسكرية، في هذا المجال فهو محقق لكن العدوان لم ينتهِ بعد، والحصار وشروط الإعمار وطريقة وقف النار من طرف واحد لإبقاء زمام المبادرة لتكرار الحرب هي أشكال من العدوان، إنّ المسعى الإسرائيلي ومرفقاته العربية وتحالفاته الإمبريالية، فشل في ذبح المقاومة عسكريًا، فهو يسعى الآن وبشكل محموم لذبحها سياسيا، للعودة إلى الداخل الصهيوني لتقديم قطاف الحرب وأهدافها السياسية عشية الإنتخابات. الشروط الإسرائيلية قرأناها ورفضتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في حوار القاهرة الأخير، وهي التالية، تهدئة لمدة سنة ونصف مع الإحتلال الذي نرفضه من حيث المبدأ لان التهدئة إن كانت تكتيك فهو يمارس وفق المصلحة الوطنية ولا يعلن، وفتح المعبر بضمانة منع السلاح وفق اتفاقية 2005، ونحن نشتم منها قبول اتفاقات مبرمة بين إسرائيل والولايات المتحدة تراقب السواحل البحرية من مضيق هرمز إلى المتوسط،، والأخطر، الموافقة على منطقة عازلة في شمال القطاع.
والحقيقة الثالثة: إنتصار على وهم التسوية لأنّ التسوية تحوّلت إلى الشكل الآخر للقبول بالإحتلال بهذا المعنى، فإن المقاومة بالنسبة للشعب الفلسطيني ليست خيارًا، وليست ترفًًا، بل المقاومة قدر الشعب الفلسطيني، التاريخ الكفاحي الطويل عبر قرن من الزمان ضد الغزو الصهيوني الاستعماري لبلادنا، فرضته طبيعة العدو العنصري المسلح بأحدث أنواع الأسلحة من أخمص قدميه حتى أنفه وجوهر علاقته مع الشعب الفلسطيني، هو الاستئصال، ونفي وجودة بالكامل، لذلك صارت المقاومة هي فن الممكن والتسوية وأصحابها هم فن المستحيل، تجربة الستة عشرة سنة من المفاوضات ماذا كانت نتيجتها؟ ألم تلقى الآن معركة غزة بأحلام أنابوليس وخارطة الطريق ووهم التسوية إلى سلة المهملات، وإن ممارسة العدو وتحت غطاء المفاوضات والتنسيق الأمني المشين يكشف تصوره في الإحتلال للضفة من داخلها وعبر الإعتقال ومصادرة الأرض والإستيطان والإغتيالات والجدار والحواجز و نظام الفصل العنصري لمدنها وقراها والإحتلال لغزة من خارجها بالنار والحصار والعدوان.
والحقيقة الرابعة: الوحدة الوطنية الفلسطينية، صمام الأمان وضمانة حماية النصر، ولا يحمى النصر أبدًا ولم يسجل التاريخ لثورة انتصرت، وهي أمام واقع، يريده الإحتلال ليدمر الحلم الفلسطيني، وحدة المقاومة الميدانية في صد العدوان يؤسس عليها، ولكن، العدوان بأشكاله السياسة أيضًا وأبعاد حربه الإسترتيجية تحتاج لوحدة سياسية، كي نكون ونحن لسنا كذلك، شعب واحد وأرض واحدة وقضية واحدة وقيادة واحدة في وجه عدو واحد، إنّ من يصب الزيت على نار الإنقسام لا يريد حفظ النصر ونصرة الدم في غزة بل هو مأخوذ في هوس السلطة، والسباحة في حقائب ميتشل وأوباما والبحث عن الإنتصارات التمثيلية في سوق التداول السياسي فالجبهة الشعبية ليست كومبارس خلف أحد . حتى لا يتكرّس الإنقسام، لذلك ليست حماس وحدها من لها معتقلين في الضفة وليست فتح من تعرضت للإعتقال وإطلاق النار في غزة، الجبهة لديها معتقلين في سجون السلطتين، ففلسطين أكبر من السلطة الشكلية وحكومتها، بوجهيها في الضفة وغزة. ولا نقبل لأحد أن يكرر تجربة استبدال إغراء السلطة بثمن المقاومة، وعودة نغمة البدائل هي إعادة الشعب الفلسطيني إلى ما قبل الـ (1967) . زمن الإلحاق والوصاية والضم، بل والإنتقال من الحوار الشامل إلى الإنقسام الوطني الشامل، من خلال دعوة خلق البدائل. حذرنا من خطيئة اوسلو بأنها تعني تفكيك م ت ف. ومن خلال ادغامها في السلطه. واليوم صرنا بسبب هدا المنهج بين التفكيك والتشكيك.
لا طريق إلا الحوار ومنظمة التحرير الفلسطينية هي إنجاز كفاح الشعب الفلسطيني وقبل انطلاقة الثورة الفلسطينية وكان للناصرية سبق الدعم والتشكيل، منظمة التحرير التي اعترف بها العالم كحركة تحرر وطني للشعب الفلسطيني، أي كحركة مقاومة تحققت بدم آلاف الشهداء ونحن بفهمنا نريدها التشكيل الأوسع لكل القوى وجبهة وطنية عريضة تحمي شعبنا وتقود كفاحنا الوطني، نريد أن نستعيد البوصلة ولا نستقوي بالإحتلال لما يسعى إليه شطب منظمة التحرير، فمن أعاق إصلاحها وفرغها من محتواها من داخلها بعدم تنفيذ اتفاق القاهرة عام 2005 وهو مسؤول عمّا ما آلت إليه الأمور، نفرق بين تمثيلها الشرعي للشعب الفلسطيني كمؤسسة وطنية وليس كقيادة فقط، وما بين أهليتها لتكون أداة تحرير والرد على الدعوات الأخيرة يكون بالإستجابة لتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا واجب علينا أن نتكاتف كقوى مقاومة لإصلاحها وإعادة تفعيلها، وهذا ما أقرته وثيقة الوفاق الوطني للوصول إليه. يكون النصر مؤزرًا إن كان مدخلاً للوحدة ويهدر النصر بترسيخ لغة الإنقسام.
لنمتلك إرادة للحوار لا لنتحاور على الحوار، فطريقنا شاق وطويل ونحتاج لكل طاقات الشعب الفلسطيني، ونستعيد عمقنا العربي وتحالفاتنا الأممية وليس بمقدور فصيل واحد أن يصوغ نظامًا سياسيًا، أي استخدام كل حلقات القوّة لدينا، لأننا أمام عدو يستخدم في صراعه كل حلقات قوته.
أمّا بعد،
فقد أثبت العدوان وهمجيته ما كان يقوله الحكيم: إن الصهيونية كلّما ازداد بطشها يعني أنّ نهايتها قريبة، لأنّها كلما قتلت فهي تنتج حفاري قبورها. فهي زرعت المقاومة في الأجيال الفلسطينية ولم تنزع بهمجيتها حلم الإستقلال والحرية والعودة من قلوب الفلسطينين. إسرائيل دولة صارت بنظر أحرار العالم تسير عكس التاريخ لأنها ضد الأخلاق والقانون والإنسانية. ومستقبلها رهن قدرتنا في إدارة الصّراع.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء