قصة >سي الطين
.. وأما ابن مخيم نهر البارد، المشتعل الآن، مروان عبد العال، فإن ناره لا تنطفئ، أو أن مخيمات تنجب فدائيين، هي تجسيد أسطورة العنقاء تنهض من الرماد والدمار. الأسطورة دخلت الشعر (مع درويش)، والآن، في رواية >زهرة الطين<، ثاني روايات عبد العال، بعد >سفر أيوب< سنرى كيف أنجب المخيم روائيين أيضاً. المخيم اللبناني بالذات.
وصولها إلى يدي، أيضاً، جزء من السيرة والمسيرة. ابن مخيم عين الحلوة، نصري حجاج، أرسلها باليد، وكان استلمها باليد. قرأت نصفها قبل أن يشتعل >الرماد< في مخيم نهر البارد، مرّة أخرى، ويندلع الفلتان في مخيمات غزة، مرة أخرى. عدت إليها من البداية، أو أعادني إليها نتفة خبر من سيل أخبار اشتعال مخيم نهر البارد، وهو: أهل بلدة >المنية< اللبنانية المجاورة، شاركوا الجيش في إطلاق النار، مع بداية حرب تحرير المخيم من زمرة أصولية. في سطر عابر من >زهرة الطين< يشير الراوي إلى مرويات شفهية لبنانية سادت الجوار اللبناني لمخيم >نهر البارد< تجمع الفلسطينيين بين صفتين متناقضتين: فوق إنسانية -تحت إنسانية.
يصعب تصنيف الرواية بين أدب نكبة، أدب مخيمات، أدب ثورة، أدب سياسي ملتزم، قصة تاريخية، سيرة ذاتية.. وسيرة شعب.
>أنت فلسطيني؟ إذاً أنت قصة< تقول له الممرضة البدوية الليبية >نرجس<، بعد أن يلفظه البحر بين الموت والحياة.. فإذا برواية >زهرة الطين< تؤكد في وقائعها ما يريد الراوي قوله: >أنا ابن واقع مستحيل يشبه الأسطورة<.
>أبو أحمد الزعتر<، القائد الفدائي في مخيم تل الزعتر (الأستاذ عدنان عقلة - حقيقي) يصير أغنية في >أحمد الزعتر<، ورفيقه في الجبهة الشعبية يرفع الأغنية إلى قصة، وهذه إلى رواية شخصية - عامة، تلخص الخروج من صفد 1948، إلى الإطلال على الجليل عَبر >بوابة فاطمة< العام 2000، مع مرور على مخيم أقامته ليبيا على حدودها مع مصر، لتكرار >الزحف الأخضر< في فصل مهزلي >زحف العائدين<.. أو لأنه >الويل إن غضب المواطن على اللاجئ<.
الممرضة >نرجس<، البدوية العربية، تريد أن تكون >وطن< اللاجئ - المقاتل -المنفي مرّة أخرى، الذي أسمته >سي الطين<، وهي تغار عليه من >قمر< ابنة الجامعة وابنة فلسطيني مقيم في ليبيا.. بينما الذي أوصله إلى شاطئ ليبيا ركوبه البحر، بعد حرب مخيمات جديدة (صبرا وشاتيلا؟) بحثاً عن >مادولينا< الإيطالية، المتطوعة لخدمة اللاجئين وإسناد الفدائيين. حتى صداقاته مع الرجال على سفوح الجبل الأخضر الليبي محمّلة بالرموز. صديقه الأول معلّم فلسطيني اسمه >مطر<.. ماذا يفعل المطر بالطين؟ يحييه >الطين من الأطيان، والأطيان من الوطن، ومن الماء والطين خبز اللاجئون طحين الانروا في الطوابين<.
انها سيرة ذاتية في سياق مسيرة شعب مطرزة بالرموز المفضوحة كما الثوب الفلسطيني، في مسار الشعب من النكبة الى انطلاقة الفدائيين، فإلى حروب المخيمات. تطريز الثوب الفلسطيني يجعله غامضاً وأليفاً، وتطريز رموز الرواية يجعلها غامضة وصريحة.
يحمل مروان عبد العال قلمه المتمرس في الكتابة الصحافية (وريشة الفنان أيضاً) الى رواية توالدية، ذات تكنية قصصية عالية، ولكنها محملة بأكثر من طاقتها من الرموز، انه تلميذ الفدائي احمد الزعتر والروائي غسان كنفاني.
ستقول: هذه قصة عشتها، عشت بعض فصولها، سمعت بقية فصولها... سأعيش فصولاً جديدة منها، سأسمع فصولاً اخرى ... لكن، المسألة كيف تحول شهادة حياة شخصية وعامة الى قصة، دون ان تقع في محاذير نفخها الى ملحمة - روائية - اغريقية مفتوحة على مزيد من النار، مزيد من الرماد ... وقليل من المطر!.
بعد هذا >الاعصار<، ستفهم السر الأكبر، اسم الرواية >زهرة الطين<، هو الاسم المحلي الفلسطيني في قرية جليلية لزهرة البابونج، حيث اعتاد الفلاحون سقف بيوتهم الحجرية بطين مخلوط بهشيم عشب البابونج ... فاذا جاء المطر، تكللت سقوف البيوت بتاج ذهبي.
مادولينا هي مريم، هي المجدلية، وهي المتضامنة والحبيبة الأولى، وهي ترسل له من قريته في الجليل >زهرة الطين<. لا بد من برتقال، زيتون .. او بابونج.
üü >زهرة الطين<، دار الفارابي - بيروت، طبعة أولى 2006. الغلاف بريشة الراوي، لوحة فنية.
حسن البطل
جريدة الايام الفلسطينية
تعليقات
إرسال تعليق