مازال لنا متسع من الصُدفة
ذهبت الى الصُدفة، لم يكن الشوق على ميعاد، غادر المقهى مكانه الطبيعي، فالموج أكل نصفه وترك النصف الآخر للريح، وبين النصفين ، كانت الطاولات تجري على الرصيف الطويل، وأقدامي تسابق حطامها، سحبتني فوق بساطها السحري، تلتف المدينة حولي تدثر غربتي، يدلني ضوء الميناء على منارة السفن التائهة، وترسي أشرعتي الممزقة على كحل يقطر شوقا في سواد العينين،أزاحت ستارها البنفسجي لي مكانا على مسرحها الوجودي، كي أجلس في قلب الصُدفة الاولى على مساحة كانت البداية ، طريحا على رنين الصوت، وهو يقدم الأحلام فتاتا لطيرها الأخضر فوق مائدة الصدفة الاولى. تمر النافذة على المدن، تقلب صفحات الوجه، تجري الاشجار والبحار والغيوم على أشكالها، تمضي الصور و تتوقف العجلات، وتستقر في الخيال الوردي صورة واحدة، تكون الصدفٌة... فمازال لنا متسع من الصدفة.
يرقص القلب والنورس وزبد البحر في أناء الوجه ، وتقطر مساماتها البلورية بخمر الكلام ، تسبق االرياحيين موسمها الربيعي وتشتعل في غبطة التوتر ، ترتجف الشفاه على حافة النطق، وتغفو البسمة خفرًا وراء ستار أبيض، لا تخترقه إلاَ نظرات شاردة على وجه الرواد تجوب حولي كجدار أسمنتي وتلوذ بجرعة عشق من صفاء بحرها الأزرق. بين صدفتين، فتحت ذراعي على طريق الجلجله، كي يحملني عنفوانها إلى مرج النعنع البري، ويشربني في كأس من الزعتر البلدي. خرجت تكرج على سلالم الحائط نحو الباب الأمامي، كي تغلق اللقاء بأقفال الصُدفة وتمهر بصمتها الأميرية من رحيق الشفاه على صفحة الروح.
مروان عبد العال
تعليقات
إرسال تعليق