عن زهرة الطين


"يعترف" الكاتب، في المقدمة، بأنه لا توجد مشقة أكبر وأعسر من تلمس المحاولة الأولى والبداية الأولى والحكاية الأولى.

يبدو هذا "الاعتراف" استباقياً، على الأرجح، تحسباً لارتباكات محتملة أو حقيقية قد يواجهها النص الروائي. ومع ذلك، فهو صادق في ما يزعمه، لأنه يضع الرواية في إطار من الأفق المفتوح هو من نسيج هذا النوع من الكتابة الصعبة. في هذا السياق، يعتبر مروان عبد العال، أن الكلام ليس له، والحضور ليس له، فالراوي الأول هو "أصالة المكان وروح الزمان وسر المعنى، وحيث النبض الأول والخطوة الأولى والمشهد الأول.

ويضيف: بأنه يسكن المكان، والمكان يسكنه، وهو لا يسكن الرواية بل هي تسكنه، كما كانت تطارده، قبل أن يطاردها. ويخلص الى القول بأن روايته ليست سوى حكايات يومية انسابت ببساطة على نفسه، سقطت على مسامعه، وتواترت في ذهنه مثل هبوب الأحلام.

صحيح أن هذه الآراء مقتبسة من محاضرة للكاتب ألقاها في مناسبة روايته الأولى "سفر أيوب"، غير أن إدراجها في مقدمة الكتاب، من شأنه أن يؤدي الى الاعتقاد بأن المراد من ذلك تقديم نظرية ما في الرواية على الرواية نفسها، أسوة بمن يضع العربة أمام الحصان.

ليس من شأن هذا التصور الانتقاص من القيمة الفنية للرواية، وإن أوحت كلمات الكاتب بأن ثمة توجيهاً عفوياً للقارئ لمقاربة الرواية، لا يحتمله هذا الأدب بالتحديد وقد يُعزى السبب في ذلك، على الأرجح، الى أن الرواية، بطبيعتها الداخلية، ذات فضاء مفتوح بالمطلق لأنها من نسيج الحياة، لا تحتاج الى مقدمات نظرية كهذه لتكشف عن نفسها وتنفض الغبار عن دواخلها.

ومع ذلك، يعود المؤلف الى تأكيد هذا الموقف، حرصاً منه، في الأغلب، على إيصال الرسالة المبتغاة، إذ يقول: اعترف بأنني لم أجتهد ولم أقتف أثر أحد، ولا حتى صرعة أدبية، وإن سجلت حكايا الناس، فأنا أحمل شفاههم لأنطق وأضلاعهم لأكتب، وألسنتهم التي لا تكف عن الكلام.

إن أفئدتهم تنتظر النبأ العظيم، أعترف بأنني أكملت الكلام لكن لم أكمل الحكاية. إنكم تستحقون الرواية، وهي بكل أحرفها تستحقكم كذلك، لأنكم بشارة العالم الى الحرية.

كلام جميل لا يخلو من شفافية المعاناة والتطلع الى أوسع مشاركة بهذه الأحاسيس المتوهجة. ولكن هذه مهمة القراء ومسؤولية النقاد. إذ لا تخضع الرواية لشروط مسبقة مهما بدت أهميتها ضرورية في هذا المجال. والأرجح أن هذا التدخل العفوي من قبل الكاتب قد ينحرف بالرواية الى حيث لا تبتغيه هي، لأنها من مادة أرقى، من طينة الحياة نفسها.

وهذا ما ينطبق، فعلاً على عمل مروان عبد العال، "زهرة الطين".

الكتاب: زهرة الطين (رواية فلسطينية)
الكاتب: مروان عبد العال
الناشر: بيروت ـ دار الفارابي، 2006

تعليقات

  1. إني أرى فيك نجما يتألق فوق السّحب ،يداوي عطش الغربة لكل انسان فقد ارض الوطن ، فمدونتك عنوانها الوطن ،والوطن هذا ركائزه متينة بفضل عملك الدّؤوب والمتواصل ، فإلى مزيد

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قلم أخضر

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

ميدوسا": خِزَانَة تَجْر الْبِلَاد اليوم الثامن