أدب غسان كنفاني... وجع المخيم و صرخة المقاومة




مروان عبد العال

أوجه شكري الجزيل لمؤسسة تحمل اسم غسان كنفاني. أولاً ، لأنها أتاحت لي فرصة الحديث معكم واللقاء بكم في ميلاده السبعين . وثانياً ، لأنها ارتكبت مغامرة فريدة بدعوتي كسياسي للحديث في أدب غسان، لعلّها أرادت أن تُظهر أمام الحضور حقيقة السياسي وعلاقته بالثقافة، و أودعتني المهمة الخطرة بأن أكشف العمق السياسي للمثقف، كأنها أرادت القول، أن لا ثقافة بلا سياسة ولا سياسة بلا ثقافة..
مغامرتي الأولى، اقترفتها في نادي خريجي الجامعة الأمريكية بالحديث عن غسان السياسي، كون المحتفى به كان قائداً سياسياً وناطقاً باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ورئيس تحرير مجلتها "الهدف"، وعضو مكتبها السياسي . لم يكن يسيراً على من لم يعاصر غسان أن يذهب عميقاً في نضاله، مقالاً ورأياً وموقفاً، وهو الذي استشهد في بيئة سياسية ساخنة. وفي ذروة الصراع، مقاتلاً على مدى الصراع وبأشكاله المختلفة. وفي المحاججة للرأي الآخر داخل الجبهة وخارجها. حتى على صفحات مجلتها الهدف. .
ومغامرتي الثانية، في الحديث عن أسئلته الفكرية، كونه من صاغ فكر الجبهة السياسي بدعوة من المركز الثقافي السوري في مدينة حلب . منطلقاً من سؤاله المنهجي الفكري... لماذا ؟ وكيف تجلت في أدبه وروايته الخالدة " رجال في الشمس" لماذا لم يدقوا جدران الخزان ؟! ومن مراجعته التاريخية الرائعة لثورة 1936، كجزء من منهج تأصيل الفكر واستيعاب الواقع والماضي والذات، عوضاً عن قراءة الآخر في الأدب الصهيوني، وقراءة أدب المقاومة .
واليوم، أيها السادة، تصير المهمة أكثر صعوبة لمن لم يعاشره أو يعرفه سوى من أدبه ومدرسته السياسية. وفي الحديث الأكثر مشقة عن أدب غسان كنفاني، عن صرخة المقاومة ووجع المخيم، كأنها الشمس اللامتناهية، مازالت تشع في ميلاده السبعين وإبداعه في كل يوم أراه، صرخة كبرياء تكفي لاحتقار الألم.. كما أن وجع المخيم اللامتناهي أيضاً، مازال يصيغ فينا أملاً عظيماً.
ذلك نحن أمام غسان غير القابل للاختزال، الكاتب المناضل، المثقف المناضل، الأديب المناضل، المفكر المناضل . وليس من باب أن عظمة إبداعه جاءت من كونه مناضلاً أو شهيداً . ولا رؤية ابداعه كقيمة فنية ليس إلاّ أو بمعزل عن أنه مناضل، بل من باب قراءة نصوص في أدبه كانت ومازالت تعكس قيمة نضالية، نعيشها وعياً وممارسة ، كلما استغرقت فيما كتب وبحثت عن أدواته المعرفية والفنية والإبداعية تعرف كم كان مناضلاً ، بل لماذا صار شهيداً ؟؟
كل حرف مما كتب عبّر عن سطوع الحقيقة الفلسطينية، وكشف دوره المبدع في صياغة وعي الجماعة وأجيال مازالت تتلمذ على يديه . دخلت في اللغة السياسية من موردها الأدبي، كلمات وحكايات ومفردات ورموز كان له براءة اختراعها وإبداعها ...
ففي رواياته المكتملة وغير المكتملة، عكست بمجموعها شكلاً وموضوعاً تأريخ المعاناة الفلسطينية واستوعبت الواقع التاريخي للأمة وكشفت عناصرها المتفاعلة بشتى صورها ومستوياتها وصفاتها الصحيحة والخاطئة، فكانت رسالة تقدمية لكم يا أبناء فلسطين. رسالة للمستقبل، يرفض فيها سجن الماضي فلا يمجّده على حساب المستقبل بل يستلهم منه الفكرة، يعزز الصحيح ويتجاوز الخطأ، أو يحرّض عليه بأسلوب السهل الممتنع .
وعلى الرغم من أنني أميل إلى الأسلوب الروائي، الذي يصوّر تيارات الشعور المتداخلة في البطل الواحد أو بين الرموز والأبطال، كما عبّر عنها غسان في رواية " ما تبقى لكم " إلاّ أن غسان كنفاني نفسه اعتبرها قفزة نوعية من ناحية الشكل، لكنها أثارت في نفس الوقت تساؤلات بالنسبة له " لمن أكتب أنا "؟ .
لكني أقول أن رموزها مازالت تتحرك في الوعي الأدبي حتى اللحظة، الصدى، الصحراء، الجدار، صورة البومة، الساعة المعلقة على الحائط ، إشارة إلى موت الزمن. وعلّها أدوات أعاد صياغتها غسان في رواياته اللاحقة .
واستنتج يومها الخلاصة التالية : " ليس بالضرورة أن تكون الأشياء العميقة معقدة. وليس بالضرورة أن تكون الأشياء البسيطة ساذجة.. إن الإنحياز الفني الحقيقي هو: كيف يستطيع الانسان أن يقول الشيء العميق ببساطة ". على الرغم من قناعتي أن الواقع ليس بسيطاً أو لم يعد، فنحن على مسرح اللامعقول كلما أزداد العبث وتأسطر الواقع، أذهب إلى فلسفة غسان كنفاني إلى مسرحية "الباب". التمرد الميتافيزيقي للإنسان واصطدامه بالموت.. كحقيقة وحيدة التي تحول بينه وبين الألوهة، إلى ذاك التمرد الذي يغلي في عمق ووجدان الأمة هذه الأيام. وأفسر كيف أن شداد، بطل المسرحية، ينتمي لسلسلة من الأبطال المتمردين، فأبوه من قبل قد تمرد على سلطة هبا... وابنه يحمل بذور ذات التمرد في صدره ، وشداد الذي بنى مدينة آرم لينافس بها جنة الرب يقول لأمه أنه يعزم :
" أن لا أرتد حتى أزرع في الأرض جنتي أو اقتلع من السماء جنتها أو الموت أو نموت معاً ".
كلام يخلق قواعد الحياة في رقصة الموت الجماعي، كأنه يتماهى بفعل استشهادي، نريد أن نرى فلسطين حرة، جنة الأرض، أو ننال الشهادة في السماء.. هي حكاية تعيشها فلسطين وشعبها اليوم. نقتلع من السماء جنتها أو الموت أو نموت معاً.. الحرية أو الموت . رافضاً خيار الخلاص الفردي، عبر الفرار من الوطن، كونه شكل من أشكال الموت كما في "رجال في الشمس".
لكن غسان لا يريد أن ننتظر معجزة السماء للخروج من المأساة ويطرح فكرة التغيير الثوري بالفعل الثوري، في " الأعمى والأطرش"، حين يقول :" أن المعجزة ليست أكثر من الجنين الغريب الذي ينمو في رحم اليأس، ثم يولد في غير توقع من أحد ليُضحي جزءاً من الأشياء، تبدو ثمة ، ناقصة دونه. المعجزة إنما تجترح من القاع ". أي قاع هذا الذي دعاه غسان كي يجترح المعجزة، عوضاً عن انتظار معجزة السماء..." .
من المؤكد أن تكون المخيمات، عندما يصفها في قصصه القصيرة الرائعة: " كنت نصف نائم، المخيمات، تلك اللطخات على جبين صباحنا المتعب . الخرق البالية التي ترف مثل رايات الهزيمة، المرمية بالمصادفة فوق سهوب الوحل والغبار والشفقة ". أدب استشرافي يعكس استمرارية التاريخ والمأساة معاً .
كأنه يجول الآن في زواريب مخيم شاتيلا، ومع زائر أجنبي، وبعد أربعين عاماً على قصته القصيرة " أبعد من حدود " ويواصل قائلاً لزائره الرسمي:
" ألست ترى أنكم استطعتم نقلي، وبقدرة قادر من انسان إلى حالة ؟ أنا إذن حالة ..." .
" المخيمات كقيمة تجارية تدر الربح وقيمة سياحية وقيمة زعامية، فكل زائر يجب أن يذهب إلى المخيمات وعلى اللاجئين أن يقفوا بالصف وأن يطّلوا وجوههم بكل الأسى الممكن زيادة على الأصل، فيمر عليهم السائح ويلتقط الصور ويحزن قليلاً ، ثم يذهب إلى بلده ويقول :
زوروا مخيمات الفلسطينيين قبل أن ينقرضوا ".
هذا هو القاع الذي دعاه غسان لأن يشعل ثورة حريته وعودته ولا ينتظر الشفقة أو المعجزة. فقد ختم القصة نفسها بالعبارات التالية :
" أية حياة هذه ! الموت أفضل منها والصراخ عدوي ".
لكنهم لا يريدون خيار الموت فيقول : "ولأن الناس عادة لا يحبون الموت كثيراً فلا بدّ أن يفكروا بأمر آخر". كأنه يسير معنا في زواريب شاتيلا، برفقة صديقة فرنسية الجنسية، عندما رأت حياة البؤس في المخيم قالت لي : "مجنون من يعيش هذا الواقع ولا يصير إرهابياً ".
يقول عن هذه النتيجة غسان في قصته تلك .. " ثم ماذا ؟ " هذا النوع من الأسئلة يا سيدي عجيب للغاية، ذلك إنه إذا ما أتى لن يكون بوسعه أن يفرغ قبل أن يروي ظمأه تماماً "! أي هي تخلق البيئة التي تنتج الثورة .
ويستأنف في مكان آخر.. " ليس ثمة " ثم ماذا " على الإطلاق... وتبدو لي حياتي، حياتنا كلنا، خطاً مستقيماً يسير بهدوء إلى جانب خط قضيتي و لكن الخطين متوازيان ولن يلتقيا... إنها صورة الظلم التاريخي الذي سببه الاقتلاع، فصار الإنسان بحد ذاته يحمل قضية .
يدعو للتمرد لأن هناك قضية، قضية وطن، وإنسان، وهو الذي عبّر عنها تمام التعبير في روايته "عائد إلى حيفا"، عندما كتب : " ما هو الوطن ؟ أهو المقعدان اللذان ظلا في الغرفة عشرين سنة ؟ الطاولة ؟ ريش الطاووس ؟ الأبوه ؟ البنّوه ؟
" ما هي فلسطين..؟ فلسطين أكثر من ذاكرة.. لقد أخطأنا حين اعتبرنا أن الوطن هو الماضي فقط، إن الانسان هو القضية، وليس لحماً ودماً بتوارثه جيل بعد جيل مثلما يتبادل الزبون معلبات اللحم المقدد؟". بعد تحرير الجنوب، صرنا نرى ربوع فلسطين الجميلة نسأل: " لماذا نهجرها وهي بهذا الجمال؟". أحببناها، وهي بعيدة، وكلما اقتربنا من الشريط ورأيناها بأم العين، صارت أبعد، لأن غصة القلب ذكّرتنا بأنها مازالت مغتصبة، إنها ليست عقاراً أو قعطة أرض، إنها قضية ".
العودة إلى جذور القضية، إلى أسباب الصراع في تأريخ أدبي لمسيرة نضالية، صورة النكبة في أرض البرتقال الحزين عندما يقول : " رأيت البنادق والرشاشات ملقاة على الطاولة ورأيت صف السيارات الكبيرة يدخل لبنان طاوياً معارج طرقاتها، ممعناً في البعد عن أرض البرتقال الحزين، عندما وصلنا صيدا في العصر صرنا لاجئين.. وكانت البرتقالة جافة يابسة !
ولمن ضاعت ذاكرته وثقبتها السنوات الطويلة من عمر اللجوء، يذكر بجذر المشكلة الفلسطينية، عندما يؤرخ رمزياً للنكبة بثلاثة أجزاء في قصة " الأخضر والأحمر " .
النزال : " إلا أن أيار كان ضخماً " وكان كبيراً وكان قد صبغ الطريق بالخضرة.. أحس بالأصابع تغوص إلى قلبه فتبقرُهُ، وانهالت خيوط الدم فوق صدره زاحفة مثل أفاعي حمراء رقيقة، تجمعت عند قدميه وسالت جدولاً قانياً في الطريق..".
والجزء الثاني : "عن جدول الدم، ذلك أنه في المكان الذي سقط فوقه الجنين، في الحفرة المدورة التي صنعتها السقطة، ولد طفل صغير"، ولادة من جدول الدم ذاته ..
والجزء الثالث ينادي الراوي : "أيها الأسود الصغير النفس، لماذا لا تموت ؟.. ثم " أيها الذي يعيش تحد أكداس الأقدام إكبر.. إكبر لماذا لا تموت نداً قبل أن تقاوم ؟". وكم سقط على تراب الوطن آلاف الأبطال وأجيال من شهداء، كل واحد منهم كان داخله الأسود الصغير. لا يهمه جبروت الاحتلال، فقط إنه يريد أن يكون نداً، أن يستمر في النضال من أجل العودة إلى الوطن .
هي صرخة المقاومة إلى هذا القاع الاجتماعي وإلى الجيل الجديد كي يعلن التغيير.. إلى بيوت فيها نساء تشبه أم سعد.. التي كتب يصف حركتها..
" حين تدق باب البيت وتضع أشياءها الفقيرة في المدخل تفوح في رأسي رائحة المخيمات بتعاستها وصمودها العريق، ببؤسها وآمالها، ترتد إلى لساني غصة المرارة التي علكتها حتى الدوار سنة وراء سنة" وعندما زارها في المخيم قال :" فغاص في الغرفة مناخ من البساطة، بدت الأِشياء أكثر إلفه ورأيت فيها بيوت الغابسية مرة أخرى...". كم أم فلسطينية هي أم سعد، ذاك الرحم الذي يصنع الرجولة . هؤلاء أهل القاع.. أبطال غسان، مادة التغيير والفعل الثوري المنتظر .
أما الوسيلة فهي ملحمة العشق الفلسطيني المتجسد بالخلاص في البندقية.. فيستعين بالتاريخ، بالواقع السياسي الفلسطيني في الفترة السابقة على الخروج عام 1948، وكأنها واحدة من اسباب اللجوء..
ففي قصته " شيء لا يذهب" يقول : " لم أكن قط استحق ليلى كانت أحسن مني بكثير، كنت جباناً، أخاف من الموت ورفضت أن أحمل سلاحاً لي، أدافع عن حيفا.. أشعر اليوم أنني لم أكن أستحق ليلى مطلقاً، بل لم أكن أستحق حيفا نفسها"..
هذا التجلي الانساني في التصاق الإنسان بهويته واستحقاقه لنفسه، بحجم قدرته وعشقه لها أينما حطَّ أو رحل في الدفاع عن بلده.. وحفظ هويته وهوى المدينة التي هي الحب الأول، مهما تعددت المدن والأوطان .
راهن غسان على الانسان الصقر، الند ، ففي قصته " الصقر " يسأل ويجيب : " تُرى أين ذهب الغزال ؟
وعلى الضوء الشاحب لعود الثقاب رأيت وجهه كما كان دائماً : هزيلاً قاسياً بارداً وتحركت شفتاه :
ذهب ليموت عند أهله.. الغزلان تحب أن تموت عند أهلها.. الصقور لا يهمها أين تموت ".
هي دعوة تشي جيفارية. ليس المهم أين أو كيف نموت، المهم أن تنتصر الثورة ...
وفي ظل حمأة تقليم أظافرنا ومنعنا من استخدام عناصر القوة لدينا.. فالمطلوب دائماً هو السلاح.. ويحضرنا اليوم قصة غسان الأجمل على الاطلاق " العروس " .
مقاتل قَبْلَ الخروج من فلسطين، كان يستعير بندقيته، فهو فقير لا يملك شراء واحدة.. وبعد معركة غنم تشيكية، ولأنها بندقية جديدة، أخذتها القيادة وقتها عنوة منه لمعرفة مميزاتها. ولكن البندقية لا تعود، صار رجل بلا بندقية، شن الصهاينة هجوم على قريته وهو بلا بندقية ـ فتأتي وصية غسان كنفاني لنا : " من الذي سيعيره بندقية في ذلك الطوفان الذي لا تنفع فيه إلا البندقية ؟ هي وحدها التي كانت تستطيع أن تحمل الانسان عبر الموج إلى شاطئ النجاة أو إلى شاطئ الموت الشريف .
إنه لقاء بين رجلين أحدهما: " ذهب عشقه بعقله وصار كالمجنون يضرب الأرض هائماً بليلاه.. "البندقية".. والآخر.. باع ابنته ( زوجها لرجل عجوز يحتقره)، واشترى بالمهر بندقية، يدافع بها عن الأرض. هي العلاقة الروحية التي جعلت من الفلسطيني مقاوماً، الأرض هي الوطن، البيت، العرض، والبندقية هي الوسيلة لحفظ الروح الانسانية قبل تجلياتها. وفيها تتجلى ثقافة المقاومة أو الثقافة المقاومة كعنوان للأدب المقاوم، وصدق من قال : " إن الثقافة هي جمرة المقاومة.. لكن هل بمقدور كائن كان أن ينزع هذه الروح... لقد غرسها غسان في عقولنا كي تستقر في خلايانا... طالما أن أسبابها مازالت قائمة . ماذا نقول لغسان كنفاني ؟ " والصغير يذهب إلى المخيم". عنوان قصته التي كتبها أولاً باسم زمن الاشتباك : " زمن الحرب.. الحرب ؟". كلا، الاشتباك ذاته.. الالتحام المتواصل بالعدو، لأنه أثناء الحرب قد تهب نسمة سلام يلتقط فيها المقاتل أنفاسه. راحة. هدنة. إجازة. تقهقر. أما في الاشتباك فإنه دائماً على بُعد طلقة. أنت دائماً تمر بأعجوبة بين طلقتين. وهذا ما كان كما قلت زمن الاشتباك المستمر ؟
إنه الزمن الذي مازال يتواصل، في فلسطين، مع عدو لا يجعل للمقاتل حتى فرصة أن يلتقط أنفاسه، فلا يأبه لا بهدنة ولا براحة ولا حتى بإجازة تقهقر ..
" حيث يمر الإنسان بأعجوبة بين طلقتي رصاص يصبح الانشغال بالفضيلة يدعو للدهشة، حين يموت المرء تموت الفضيلة ".
نعم.. أي فضيلة في الدنيا تحترم على أرض العراق، في الفلوجة ، وأبو غريب ، وأي فضيلة تحترم.. وأدعياء الفضيلة يشنون حرب تجويع ضد الشعب الفلسطيني، بل حرب إبادة باللقمة والقذيفة، وصولاً إلى انتهاك القانون الدولي وارتكاب جرائم الحرب، كالتي جرت في أريحا.. وتصير فضيلة الديمقراطية تسير بين ديمقراطيتين.. ديمقراطية التفظيع في العراق وديمقراطية التجويع في فلسطين .
ألم يكن أحمد سعدات ورفاقه يمرون بأعجوبة بين طلقتي رصاص، بل بين زنزانة وأخرى كما شعبنا الراحل بين حصار وحصار ؟
إنها حرب الاستئصال التي سماها غسان " زمن الاشتباك " . و "لأنك في اشتباك مستمر فإنه لا يوجد ثانياً . أنت دائماً لا تنتهي من أولاً " .
وفي قصة (قرار موجز) عن عبد الجبار.. الذي التحق بالمقاومة بكل كيانه مشحوناً بإرادته ولم يدفع لها دفعاً.. في كل بقعة ومعركة وعلى مدار القصة.. يتلو عبد الجبار قراراته :
قرار موجز : " ليس المهم أن يموت الانسان، أن يحقق فكرته النبيلة، بل المهم أن يجد لنفسه فكرة نبيلة قبل أن يموت.." . وغسان هكذا كان ..
قرار موجز : " إن الفكرة النبيلة لا تحتاج غالباً للفهم بل تحتاج للإحساس." .
وهكذا هم تلامذة غسان ..
قرار موجز : " إن الشجاعة هي مقياس الاخلاص .." . وهكذا هم جيل الانقلاب .
قرار موجز : " إن ضرب السجين هو تعبير مغرور عن الخوف ".. وهكذا هم قتلة غسان ..
قرار موجز : " ليس المهم أن يموت أحداً.. المهم أن تستمروا. ومات ". هكذا ختم عبد الجبار..وهكذا نختم نحن قرارنا ووعدنا لغسان كنفاني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر