على سبيل الشهوة




مروان عبد العال

الأطباق قليلة ، تتلاصق أكتافها كأنها في صلاة جماعية، وتهتف بما طاب من ضحكٍ وغنجٍ وأصناف الدلال، تحتشد كيوم الحشر في مستطيل يشبه منبر خطابة وتصطف كوفد شعبي يستقبل حضور أمير من حكايات ألف ليلة وليلة. فقد ضاقت مساحة المائدة، والجريدة اليومية غطت وجه الطاولة.
الأطباق الشحيحة أقلعت منذ زمن على متن الشهوة، من فراغها المتكدس على أرفف المطبخ الصغير، ملت زجاجها الرطب وهي تسير بين مقاعد مشغولة كل صباح بكل غبطةٍ طفولية تنسى حزنها ويستدرك القلب ميعاد العشق.
الأطباق تتلوى جوعاً على رائحة ونكهة ، دخلت حلبة السباق في رقعة مدى السرير الفسيح في زاوية نومٍ من خطوتين، في البدء كان الحلم..في البدء كانت الكلمة ، كي تفوز بمتعة المذاق الأول، والطبق الأول من رقعة الروح الخضراء التي سقطت من سندسٍ فردوسيٍ مبلل بعلياء النبوة .
تلتهمنا ألأطباق بنهم ، تمضغنا الجدران في وليمة من من فيض العطش وتتمازج الأضواء بسحب السجائر والأنفاس والعبير المكتنز فوق ستار سميك، ينسدل على مسرح الحمام الزاجل. لقد تفوقت ببريق الإنزلاق على الشهية بفارق كبير من درجة الغليان والإستواء والإنتشاء.
قررت أن تهبط ساخنة تتراقص بأصدافها وتمد ملاعقها على فراش ألأخبار الطازجة. كي تكون وليمة أندلسية على صدر العشاء الأول. الأطباق لا تطيق الفراق ، أن لم تعانقها دقات اللهفة على حوافي المائدة والتمايل الراقص في أرجوحة الحضن على رطوبة الشفاه. ستعقد موعداً مع كأس النبيذ وتحالفاً مع فنجان القهوة الممزوج بمسحوق الشوكلاة.
طبق يغلي من شدة الأسى ، لأن التفاح طاب له أن ينسى نصفه الآخر، معتذراً بتواضع فقد سرقت نصفه لغة العطر وذاب النصف الأخر في الكحل خجلاً من تراقص الرمش، ونمضي بالطيف المتسلل فينا نحو ميناء بارد، نكرج بإستيحاء على درجات المبنى . في نافذة الليل نطل كي نسأل عن لحظة الأياب الحار، ونستلهم فيه طعم الإفريز ونشوة المانجا الإستوائية والرجاء اللاهب لمرساة الكلام ، من غرق السفن الشراعية في حياكة خيوط اليراع على نول البحر وركوب طقوس العشق.
الطبق شاهدٌ بأم العين على ساعة إحترق الوقت عند الحروف الأولى في أبجدية الروح يناشد الأصداف الحزينة المدفونة في عمق اليم بأن تفجر ينبوعها الذهبي. وطبق آخر قرر أن ينكسر غضباً، لم يعد يهوى الإمتلاء مجدداً وحيدا يصارع فاكهة من نار على مائدة الرماد ، فقد أحرقه موقد الشوق على سبيل الشهوة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء