أبعد.. إلى طين المخيم





سليم البيك

ليس من الغريب أن تستدعي فقراتٌ من رواية (زهرة الطين) للكاتب الفلسطيني مروان عبد العال فقراتٍ من قصة (أبعد من الحدود) للشهيد غسان كنفاني، فكلا الروائيين ترعرعا في مدرسة الحكيم، جورج حبش، و كلاهما حملا على عاتقيهما عضوية المكتب السياسي للجبهة الشعبية. لست أحاول هنا زجّ اسم (الجبهة الشعبية) في ملاحظة أصيغها في مقال عن فقرتين أدبيتين، و إنما إشارتي لحزب ينتمى إليه كلا الكاتبين يختصر على قارئ مقالي/ملاحظتي اجتهادات في فهم المنطلقات الأخلاقية التي تدفع رفيقين كمروان و غسان للإبداع، رفيقين تعلما الدفاع عن الحق الفلسطيني حيث كان، خاصة في المخيمات، حيث عانى اللاجئ من جور و ظلم و تمييز عنصري. و معاناة اللاجئ في البلد المضيف يكثفه عبد العال في السطر التالي: ’ فالويل إن غضب المواطن على اللاجئ!‘.
جاء في (زهرة الطين): ’ إن لنرجس عقلاً عربياً بامتياز فهذا اللاجئ الغريب.. هو حمل ثقيل، يود هذا العقل لو ينزل هذا العبء تماماً كالمخيم، فهو بالنسبة لهذا العقل.. عيب أو قضية يجب أن يتم سترها بالدفن أو المحو أو التسييل، و أي سؤال عن نفسه و وجوده و ذاكرته الوطنية كأنه تحريك لجراح يجب أن تندمل‘. تورد ذات الفكرة في قصة كنفاني على لسان طفل من المخيم مخاطباً المواطن ابن البلد صاحب المنصب السياسي و الاجتماعي: ’ لقد حاولتم تذويبي يا سيدي!‘. و لكن الطفل يحاول بعدها و بسخرية كنفانية لاذعة، الدفاع عن المخيم و اقناع السيد أن وجود المخيم و فيه اللاجئين، يعود، بحال من الاحوال، بالنفع على دولته، و بالتالي ليس من مصلحتهم دفن المخيم أو محوه: ’ .. إنهم أولاً قيمة سياحية، فكل زائر يجب أن يذهب إلى المخيمات، و على اللاجئين أن يقفوا بالصف و أن يطلوا وجوههم بكل الأسى الممكن، زيادة عن الأصل، فيمر عليهم السائح و يلتقط الصور، و يحزن قليلاً.. ثم يذهب إلى بلده و يقول: زوروا مخيمات الفلسطينيين قبل أن ينقرضوا..‘.
نعود هنا لفقرة عبد العال التي تظهر كيف أن المخيم، حسب العقل العربي النمطي- بدون تعميم- يجب أن يتم محوه أو دفنه أو تسييله، أي أن ينقرض، و ليس من تلقاء نفسه، فالانقراض هنا لا يكون بموتهم أو هجرتهم من البلد الشقيق المضيف، أو حتى بعودتهم إلى قراهم و مدنهم في فلسطين و العياذ بالله! و إنما بتذويب هويتهم الوطنية بتوطينهم في أماكن تواجدهم كما ارتكب بعض الجيران، أو بارتكاب المجازر و قتلهم جماعياً، كمجازر تل الزعتر و صبرا و شاتيلا و أيلول الأسود التي ارتكبت علي أيدي بعض جيراننا أيضاً و الحمد لله!
نرجع في المقابل، و بسخرية الطفل الكنفانية، لذكر منفعة أصحاب النفوذ من وجود المخيمات، بل و أنه كلما تعاظم بؤسها زادت المنفعة منها. فقد يكون هذا البؤس منقذاً لللاجئ الفلسطيني من مسح هويته الوطنية أو مسح المخيمات ذاتها.
يكمل الطفل: ’.. ثم إنهم، ثانياً، قيمة زعامية، فهم مادة الخطابات الوطنية و اللفتات الإنسانية و المزايدات الشعبية (...) الأحوال السياسية مستعصية صعبة؟ إذن اضرب المخيمات! اسجن بعض اللاجئين، بل كلّهم ان استطعت! اعط مواطنيك درساً قاسياً دون أن تؤذيهم..‘
إما، إذن، أن يُستغل اللاجئ الفلسطيني لجلب منفعة تجارية سياحية أو سياسية زعامية لصالح المسؤولين من مواطني البلد المضيف، و إما أن يُصار إلى انقراضه، باللجوء إلى العنف أو اللاعنف!
هكذا كانت حياة المخيمات منذ اللجوء الأول. و هكذا أنهى كنفاني قصته على لسان الطفل اللاجئ: ’ .. فإذا الجميع يصرخ دفعة واحدة: ’ أي حياة هذه!. الموت أفضل منها‘ و لأن الناس عادة لا يحبون الموت كثيراً فلا بد أن يفكروا بأمر آخر‘.
و هكذا كان سبب آخر للثورة.
’ لم تكن على بالي‘، كان هذا رد مروان، مشيراً إلى قصة كنفاني حين أفصحتُ له عن ملاحظتي بتوارد الفكرتين. و أنا لم أفاجأ برده. فقط علّقت بأنها مدرسة الحكيم، حيث نشأ كنفاني و عبد العال
.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر