لقد أسرتنا بقوة إصرارك


مروان عبد العال


من شاء أن يكون عبدا ليومياته الرتيبه ، لا تتغير سلوكياته النمطية ولو انقلب الطقس من فصل لفصل وأختلف التوقيت الشتوي عن الصيفي ، هو ذاك التافه نزيل زنزانة الكآبة الللازمه في تفاصيل حياته ، ذاك الذي ينق ويناكف ويلطم أن ضاقت بعينيه سبيل ، بينما يحمل قدميه وينتزعهما من الارصفة ويلقي بجثته الناتئة على طاوله مكتبه، يرتشف القهوة على مهل ويحسن حل الكلمات المتقاطعه وافتعال البلاغة وصقل الكلمات في التعبير عن قرفه المفترض من خطاب هادئ لعدو قاتل ، فخرج مصدوما بأحلامه وهو يطوي على طاولته جريدة الصباح، مستعينا بوجه أمريكا الجديد، يلعن الشيطان ويصفق لقناع الملاك الاسمر.

كل رأس مهما كبر، هو حجر غشيم ، يهشم رأس صاحبه وهو معلق على جثة منتفخة خلقت لمواعيد الامتلاء ، والانصياع الطوعي وراء القطيع كلما تحركت عصا السلطة. كل رأس لا يفقه معنى الشموخ هو أسير ذليل في متاهته ، يضع العقل في حجرة ضيقة وتتجمد العروق في يقين يشبه كهف الغائر في المجهول ، لاتدرك معنى الغليان الجارف وأشتعال ألسنة التمرد على واقع مر وحاكم صفيق .

كل قلب لم يتعلم الخفقان على شغف الوطن و العزف الجماعي على نغم الحرية ،فصيح كلغة عربية اللسان و مضيئ بحزمة من الالوان الوحشية و يدرك بفقه الروح أن الاحلام لا تنمو الا في سماء قوس قزح ، يتشيأ الأنسان بلا مغيب وسفر وترحال ولهاث وراء الفكرة الطليقه ويصير سجين التثاؤب في جدران ازليه تقبع في قفص الاحباط والتخلف والسطحية.
في رحلة صغيرة ، تحملك الطائرة بين ذراعيها مع أزدحام الوجوه في جوفها المميت. ولا ينفجر فيك جنون المشاعر، وانت تنظر في وجوه الركاب وتنظر نحو النافذة فتراها كما وجهك يتصبب عرقا، لانك تدرك ، ومصيرك معلق في قفص طائر ، تسأل نفسك من يختطف الآخر ؟
تختطفك الطائرة. تحملك الى البعيد، الى سماء خلقت لتحليق الطيور ،تقض مضاجع الغيم النائم في سبات هادئ وأنت يا أحمد الملتهب بالحب والمشاعر ، أيها الموشح بالانتماء والكبرياء ،هل أختطفت زنزانتك؟ ربما كي تفك قيدنا أسرنا نحن.

أنت تدرك بأن ألانقسام أضيق من مساحة الزنزانه، لأن اختطاف الهوية هوإغتيال وطن، وأن أسر الوحدة في العقول الضيقة ، هو مثل حشرشعبك المارد في قمقم خشبي ، تحضيرا لمراسيم الجنازة. لقد قررنا ومع سبق الاصرار الترصد،أن نقيد أجنحتنا ونرخي بثقلنا فوق المناصب المهترئة . وإعتقال أحلامنا وتعليق أعناقنا على فوهة بنادقنا بانتظار عودة (سبارتاكوس ) كي يفتح لنا الابواب المغلقة ،ويعطي إذنا رسميا لعبور أنفاقنا الموغلة في بطن الأرض.
نجيد حفر الأنفاق داخلنا يا رفيق وهي أغبرة الموت في رئتين لم يعد يتسع لها صدر الجسد الواحد ولا حتى الوطن الواحد. أحكمنا اقفال أبواب العزل على أنفسنا، وهي كذلك موصدة داخلنا و سنبقى نحن الأسرى يا رفيقي ، لانكم أنتم أسرانا أكثر حرية منا. بل لأنك بتحدي الجلاد ،تعرف من هو العدو وبوصلة النضال تشير بالاصابع الخمس نحو عينيه وبهذا تأسرنا بإصرارك و بنشيد الحرية في قلبك.



ليس لدينا سوى التذمر وإطلاق النصائح المنطقيه ، ولدينا أسهم قرف مرتفعه من بورصة صفقات البيع الرخيصة ، ولدينا فقط الخشية من الاسئله المحرجة ،والاحلام المغدورة في خديعة إسمها من هو العدو. نحسن المجازفة مع الأشقاء لاننا لم نعد نتقن فن المجازفة مع الأعداء.


فقد وصلنا صدى دقات قبضتك على جدران الزنزانه ، وأحرق غليان الثورة في شرايينك جفاف المعاني، فهطلت من كبد السماء كل الكلمات الباردة، وانت مازلت على ذات المجازفه ،تصر أنك لزمن قادم ، وأنك معلم من طراز جديد ، تكتب الدرس في أضيق مساحة كي يشع نوراً نحو أفق أكبر من المكان والزمان معا....و بان الثورة أقرب للجبر منها الى الهندسة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر