شربل...لا تذهب بعيدا


شربل.....لا تذهب بعيداً
لا أجد سوى وجهك يتأملني ، الوجه الكستنائي الممرغ بطين الشوق، الذي إستأذن السفر ووعدني أن لايذهب بعيداً. استنطقت الموت أيها الحبيب ، كي تكشف لنا سره البشع، وايقظت حواسه النائمة ، بأصرار كل ذرة روح فيك على إحتراف قوة الامساك بخيط الحياة ، فقط كي تعطي لنا وقتا اضافيا مستقطعا من حياة تتوقف ولا تنتهي .
صديقي شربل، لاننا ظلك الذي أحرقه الفراق ولم يدمن الموت بعد، أردت أن تجري تدريبا مراً لحواسنا على تقبل الفراق، وانت الرفيق المتطوع للموت أصلاً و القادم من كلية الهندسة في مدينة" دورتموند الالمانية " الى حرب الدفاع عن لبنان ، يوم تعارفنا وتعلمنا بأن الواجب يدعونا للبقاء سويا مثل الظل الذي لا يفارق صاحبه ، وأن الصديق المخلص والمقاتل الجيد لا يذهب بعيدا في المعركة إلا عندما لا يدري أين يذهب، يومها أبتلعتك أحراش الجبل وغبار الحرب فصرت شربل المفقود وثم شربل الأسير فشربل المحرر.
لاتذهب بعيداً ، وأنت في يوم السفر ، تذكر يا صديقي، أني لم أجتمع معك يوما ألا في السفر، في مخيم اليرموك دائما وفي مخيم شاتيلا ومخيم نهر البارد ومخيم البداوي ومخيم عين الحلوة أتيت رقيبا حزبيا عبرت على المراتب الحزبيه وأقمت في ركن القلب، تتأرجح بين شرعية الواقع الذي يمزقنا وشرعية الحلم الذي يجمعنا ، ولم يزل ينضح بروحك الجميله وخصالك الشخصية الفريدة ، وقهقهتك ترن في أعماقنا ،كي تهزم بصداها جيشاً من النكد و البؤس وجحافل من ألم ، ويدك تربت على كتفي كلما توعدت أملاً جديداً بفكرة متجددة.
لا تذهب بعيداً الى آخر الرمل، يا ابن الصحراء ،لقد علمتك أيامها القاحلة ، ذاك البوح الصريح وتلقائية المواقف الصادقة، وكيف تفرط بحب الماء وبعشق الحياة وبتطرف وشفافية وشراهة. تمارس كل أنواع الحب بلا رسميات و مواعيد مسبقة ، تقتحمنا بسخريتك وكلامتك الفكاهية ونكاتك اللاذعة ، في كل الأشياء تذهب الى الحد الاخير،لا تقنعك أنصاف الطرق، الحب بتطرف والصداقة بتطرف والانتماء الحقيقي والاكل و السهر والرقص والاناقة والتدخين وفنجان القهوة في كل الأوقات وحتى الثمالة.
لا تذهب بعيدا أيها البدوي الأسمر، لقد أتممت رقصة الوداع وأنت لاتريد الوداع في أحتفال يليق بالحياة ، كان لنا رشفة أخيرة من آخر الكلام ، فكم كان يشبه أوله. قلت: أحبك فلا تذهب بعيدا ... وأنا أرد عليك حائراً: انت لاتذهب من دمنا ولا من حلمنا. وإن سرقتك النجوم على ايقاع سمفونية الحزن. لكنها لن تسرق حنيني اليك أبداً.
أيها المتمرد اللذيذ يا ابن البتراء ،احمل صليبك على درب الحزب الذي إلتصقت فيه أملنا وجرحنا ، هدفاً وحلماً وتضحية ، والمهد يدق أجراسه ويقيم قداس الغياب لراحة القضية الساكنة بإطمنان ملائكي في نفسك ،وفي روحنا أيضا، اذهب يا رفيقي لكن لا تذهب بعيداً فقط ،إرقد هناك تحت نخلة في الكرك، محمولاُ على سحابة عطر تئن لوجع تعودناه ولصبر يجلجل طريقنا ،وهي تسلم خصالك للسماء وأمانتك في أعناقنا .
رفيقي شربل ستبقى رفيق المعنى وأبن المعنى ، ننهل من زاد تركته لنا ، كي نقتات على معنى الحياة والفرح والامل والحلم الجميل ، وسنذهب بعيدا ولكن معاً . نعبر النهر، نعود سوياً كي نتلقى مع المجدلية ونهز جذع الثورة أكثر حتى تخضر الأغصان اليابسة وتنهمر رطب ووعداً ونصرًا.
مروان عبد العال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء