تحية للقدس و تجسيداً للقدرة على صناعة ا لحلم

ثلاثة عشرة فناناً تشكيلياً

تحية للقدس و تجسيداً للقدرة على صناعة ا لحلم

اختتمت أمس مؤسسة سعادة للثقافة لقاءها السنوي الثاني بعد سلسلة من النشاطات الثقافية المختلفة التي أقامتها في ضهور الشوير على "قهوة المطل"،قرب عرزال الزعيم . وكانت مشاركات لعدد الفنانين المشاركين في المحاضرات والفن التشكيلي والأمسيات الطربية.
الفن التشكيلي
ألا يحق لنا أن نزهر تحت الشمس بلادنا؟
سألت طفلة مقدسية فأورقت أمنيات العودة.
وبين واقع مزر، وحلم يستقطب المستحيلات ،أشرقت مؤسسة سعادة للثقافة بالتنسيق مع الفنانة نرمين أبو خليل،على لقاء سنوي ضم اللوحة إلى القصيدة،والقصيدة إلى الأغنية واللحن . وتحت عنوان القدس عاصمة ثقافية عربية،انتظمت قصيدة إيقاعها الكيانات و بنيتها الهلال الخصيب. وعلى مدار لقاء دار أربعة أيام ، تفاعلت كيانات الأمة في حضرة العرزال.
فوق ، في المناخ الذي انطلق منه إبداع سعادة، باشر الفنانون التشكيليون ورشة العمل .
بدأت الفنانة الكويتية سمر البدر بقولها ،"الشرق هو مصدر الإلهام في معظم أعمالي ،وقد أخذت في السنوات الأخيرة موضوع الحرف العربي و زخرفاته ، وهذا هو محور لوحتي اليوم، الحرف العربي الذي يعيش بين أنفاس اللون الفيروزي متلمساً طريق التجريد،ورغم أن هويتي الفنية تنحصر في مملكة الانطباعية ،إلا أنني أتحرر منها أحياناً ، ثم سرعان ما أعود إليها متلهفة
ومن حضارة عاشت في ضمائرنا و نفوسنا،إلى عاتق المحافظة على ديمومتها ، يرتقي عمل الفنانة لينا ديب- الشام، ليعبر بوحدة عناصره عن عمق تراثنا و تاريخنا في قالب فني تشكيلي ، يحضن الواقعية المختزلة بحرية لونية، ودرجات رمادية تتفاعل مع بعضها لتؤلف مجموعة من التراكيب الفنية ، بحيث يتحاور فيها الحار مع البارد ضمن التركيب البنيوي للشكل .
وبين شخصية ترتدي قميص الدكتاتورية والقمع،وأخرى تتقمص الفكر والمعرفة أطلقت لوحة الفنان الأردني محمد أبو عفيفة أنفاسها، لتحيا هوية الرمزية في الفن الكاريكاتوري التي تنتمي إليه .
ثم تنطلق جدلية "اللا" عند الفنان ألأردني علي عمر ليقول"لا أحب أن ابرز الموضوع بشكل مفهوم واضح ومتعارف عليه، دائما أضع المشاهد أمام مسؤولية الاستنتاج ،فالموضوع عندي يتأرجح بين غموض ووضوح،وعلى المتلقي أن يستوحي ما يريد وفقاً لشخصيته وللطرح المبتغي إيصاله، حيث أني اعبر عن لوحتي بطريقة غير مباشرة، ولآن الموضوع العام يدور حول فكرة القدس عاصمة للثقافة العربية أعطيته دلالة معينة غير مباشرة في لوحتي".
ثم أضاف الفنان نبيل السمان-الشام بقوله:إننا أمام تقديم قيمة جمالية دلالية لها علاقة بالقدس ، وهنا نشير إلى عتقها حيث نرجع بذاكرة السامع إلى بعض أعمال الرحابنة كما أن هذا الملتقي يحمل أبعاداً عميقة، ففي اجتماعنا حول اللوحة والفن عموماً ، خير تحية للقدس المناضلة.
تتراصف التحيات ، فتأتي لوحة الفنان اللبناني بيار سيف بلون الدم الذي يتطلبه الأرض حتى تصل إلى الحرية ، فمرة رسم الصرخة ، ومرة أخرى صوّر الكفن الذي تحول معه إلى سمة الحرية والثورة والانبعاث بعد أن وقع تحية لكل شهيد ملتزم بقضية هذه الأمة .
ومن حميمية الأرض تطل المرأة المقدسة القديمة عند الفنان الكويتي عبدالله الخضاري الذي ألبسها تراثنا وفلكلورنا الغني العريق ثم رسم إحدى بوابات القدس التي تمتاز بالأقواس و تحمل في جوهرها رمز العودة.
وتحت شمس اللقاء عكست لوحة الفنان اللبناني سمير خليل ظلا ل الرمزية الحاضرة في الفن الملتزم ثم شقت طريقها نحو تحريك الشعور بالوعي المسؤول عند الآخرين ، ما يساعد على تطوير الفكر الاستطلاعي حيث تفسح مجالات نقد الآخر بحرية و تتبلور طبيعة العمل في تحريض الفكر الحالي على الثورة ، لتدمير العصبية القبلية ، وحلول القضية الفلسطينية قضية صراع وجودي حضاري وإنساني ، كان حديث الفنان مروان عبد العال الذي قال: وبحكم أنها أكبر من ان تحتويها السياسة وحدها ، لذلك هناك مستويات كثيرة منها الجانب السياسية والجانب الثقافي والفني حيث تبرز قدرة التعبير باللون والشكل ، إذ أصبحت مؤخراً أقانيم أدخلت مفاهيم على الرأي العام واحتلت الخطاب السياسي على مدار ستين سنة.
هنا أكملالفنان الفلسطيني مروان عبد العال النص بقوله:"لأننا في احتفالية القدس العاصمة العربية ، جاء التعبير الرمزي ليس فقط لمجرد التحريض السياسي فالقدس بحاجة لفعل مقاوم يبدأ من نقطة الدم إلى نقطة الحبر واللون، لذا كان هدفي الأول في عملي هو إضاءة هذا الدم،عبر إعطاء لون للحرية،و تصوير الجرح والوجع الفلسطيني ، وفي الآن عينه تجسيد القدرة على صناعة الحلم
هي المرأة المتمردة أو ببعد آخر هي معاناة الشعب الفلسطيني ، يلفها شريط يطرق وجعها فتنتفض بخلفية إضاءتها شمس تنتظر شروقا على أرض فلسطين ،مؤكدة لشعبها "بلى يحق لكم أن تعيشوا تحت شمس بلادكم".
وعلى تلة المطل في ضهور الشوير رفعت الفنانة اللبنانية ديما وعد خشبة لوحتها لتصلب هذه المرة المرأة في القدس. أمام عيون المتفرجين الصامتين ، فعبدت بتهج "الواقعة الانطباعية الجديدة-new impressionism ،طريق الجلجلة وعلقت وجه المصلوبة على قبة الصخرة،فأطلقت وجع الاغتصاب لهذه الأرض الحبيبة.
تحررت الفنانة العراقية عالية الوهاب من الخطوط الكلاسيكية ، أسكنت لوحتها بعض النماذج الحية، عاشت معها لحظة وقوع الحدث الأول في غزة فجاء الحدث الثاني ردة فعل على ذاك الأول ، فولدت اللوحة تحضن الواقعية المرّة والانطباعية المقروءة.
علت قباب الفنان اللبناني عصام خير الله تحية إكبار لمدينة السلام التي تحمل جدرانها وثائق الإجرام من عهد صلب السيد المسيح حتى يومنا هذا ورغم الحصار ينبت أمام أسوارها الزهر الأحمر في رمزية الشهادة، وفي السماء قمرٌ عتيق يحمل اسم القدس بالكنعانية،اتسعت مساحات البوح في اللوحة ألوان نشافة حزينة و يابسة علقت عليها صور الشهداء، أولهم المصلوب الحبيب.
ولادة أسطورية جديدة ، توسطت فتحة ضوء بين عتمتين في لوحة الفنان اللبناني أمين حامد، الذي ولد طفله من جذع شجرة ، يحمل سيفاً ،ولكن هذه المرة لم يكن الطفل "بعل"كما جاء في الأساطير بل هو سعادة.
يئن الفراغ بين العتمتين ،ومن رمزية التهجر تولد على أكتاف المهجرين شمس نورها يتصاعد من الأرض،ولم تغيّب اللوحة عنصر الشهادة ، فشقائق النعمان كانت خير مجسد.
ختمت الفنانة نرمين أبو خليل هذا الحوار ، على ضوء تجربتين الأولى كمنسقة للقاء والثانية كفنانة تشكيلية جاءت و بحد قولها "لتسمع و تسمع الزعيم "، فالقدس لها حميمية خاصة عندها ، وما إن طرحت عليها سؤالي،حتى لمعت في عينها دمعة عتيقة مزمنة ، أوقفتها لحظات عن المتابعة ثم أكملت لتقول إن في اجتماعنا هذا حجراً أصغر من ذاك في يد طفلٍ فلسطيني،لكنه لحظة وقوف عند الإجرام والصلب التاريخي وعند الرفض . "الرفض .. الرفض.. وهل يولد الفن في عملية تغيير الواقع ، بغير الرفض"
في ختام اللقاء و ضب الفنانون التشكيليون خيالاتهم الباقية تحت شمس الغرزال ، حملوا جراحهم ،رفعوا أعمالهم ليعلقوها على الحدود الفاصلة بين لبنان وفلسطين(بوابة فاطمة)،وساهمت القصيدة على طنّة العود في حمل التحية إيقاعاً صامداً إلى القدس الصامدة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قلم أخضر

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

ميدوسا": خِزَانَة تَجْر الْبِلَاد اليوم الثامن