هل سمعت النداء يا "جبينة"؟




لأنك مثلي تكتوين بالفراق ، يوم تعلقت أقدامك فوق شجرة باسقة ، وتركك الاطفال معلقة على ابراج السماء ، تبكين الضياع والوحدة، وتجهش حتى طيور البراري بالبكاء.
صرخت بك :علميني كيف أجتاح بحزني معنى الفرح وكيف أخترق درع الفراق كي أحرق أعشاب الشوق اليابسة في ضلوعي، وذلك الممكن الإستثنائي الذي يعشعش في داخلي كالمستحيل ، ويطعم حلمي الجائع ،ويتنشق من عيون تسكنها الغربة، يطفو على صفحاته شكل المخيم الذي يركب على عجلات السفر، و تتلاعب الريح بأطراف ثيابه الممزقه فوق حبال الغسيل.
قال : كل جريمة تفترض وجود شريك. قلت: كل شاهد يفترض وجود شهيد، وهو المخيم بين الشهيد والشاهد بين الجريمة والشريك، لذا فأنا اسافر في موج الغربة بوجه ملوث برمل حزين، أخط بإبرة من نار حدود الاجفان المتعبة كمن يحفر بئر ماء في أرض يباب ،تتعرج أخاديدها في قلبي مثل درب مسربل بالصبر و الانتظار و تخرج من شعابها العنكبوتية خيوط الحياة كي تمتد في عيني كأشواك مرمرية.
هل سمعتي النداء يا "جبينة"؟ عن حب في نزال أبدي بين المعجل والمؤجل بين الرحيل والمؤقت، بين خيمة من قماش هندي بارد وأخرى من حديد ساخن! عن ظل الشريط الشائك الذي يتبعني عمرا لم يصدأ ولم يمل والحاجز الذي يسأل عن هويتي على مدى النكبة لم تتعب أقدامه من الوقوف في طريقي وكل عام يقدم خطوة جديدة.. وقيد جديد و أستحالة جديدة. هل سمعتي الصراخ شجيرات الخروع الاولى، كانت تختبئ منذ الخيام، وأبت أن تنام على وسادة الرماد. فخرجت بظلالها كي تجتاز الغياب.
تناديني بنت أمي، بنت الجرح والوجع، متى ينحني الجبل كي يعبر الاحبة؟ وهي تناجي طيف روحي التي تحلق هناك. عن جلالة الجليل، سماء الله على الارض، عن عشق الروح، نشيد الامهات وعبق الزعتر. حدثتني عن حيفا والنورس عن حكاية تتكرر مع الدموع على مقعد الدراسة للاطفال منذ عشرات السنين، عن "كان ياما كان" في قديم الزمان بنت صبيه لبيه!
خدودها متل الهيطليه! بتدعس عالبلاط بتخليه قصمات!عن بنت أسمها حيفا ،تعيش مع والديها وجدها في بيت من التنك على شواطئ بيروت،
كان جدها صياد
وكان يحدثها عن حيفا دائما وكانت حيفا ترافق جدها لاصطياد الاسماك، ذات صباح ، قرر الجد ان يذهب الى البحر دون ان ترافقه حفيدته. مما اغضب حيفا، عندها سألته قال سأذهب الى حيفا. اعتقدت البنت ان حيفا بنت مثلها وجدها سيذهب لها، صار يشرح لها من تكون تلك الفتاة.
تلك الجبينة التي سترت جمالها بغبار الفحم الاسود حتى لا يلتهمها لعاب الرجال، لكنها يوما تغسل شحارها المطلي على وجهها كي تبرق بجمالها الابيض، لا تقبل من الأمير الا تحريرا من سودها وتشترط مهرها بالاياب الى حضن بيتها وعودتها لناسها، حين تغادر الغريبة غربتها ويصير للجمال قيمة. ويكتمل سترها.

مروان عبد العال

تعليقات

  1. اقحوانه
    هناك عند الشاطئ البعيد
    تسكن اقحوانه
    ترقب تحرك الزوارق والشاطئ
    ترقب الرحيل والعودة
    وفي المساء تغفو على امل اللقاء

    حنين

    ردحذف
  2. حيفا..تلك الغريبة التي أعرفها كخطوط يدي...
    حيفا...تلك الغجرية التي أعرف حكاياتها التي لا تنتهي...
    حيفا....اخت بيروت..و ابنة عم صيدا
    تنام كالاسطورة على اطراف الاحلام الجائعة لرؤياها..
    حيفا حبيبتي
    حيفا حبيبتك
    حيفا فلسطين.....

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء