القنبلة "الدريموغرافية"
لحظة الفجيعه دفعتني شهوة غريبه كي أروي نفسي، في لحظة قلت أن النفس لا تدرك نفسها. فكتبت من وراء متراس نفسي سبرت غورها كي أذود عن نفسي وأبقى أنا نفسي بلا رتوش ولا تشويه، كي أعثر عن بقايا فرت يوما منها. غادرتها الايام فغدرتني ، هكذا كنت أتدلى من علو شاهق في مكان هو قمتي هناك! ولكنها ما برحت تحيا داخلي في مرجل من الشوق والاخر هنا! هو مكان يسير على رصيف ويستلقي على مفترق مسيج بصفيح من معدن قاسي. توغل في فوارق الأمكنه، وأستعيد دلالة المخيم ، ، كأني أشعر بخطر محدق، فأتدثر في الكلمات يوم فشلت بالاستعانة بحفنة من نبتة " الفيجن " الجليلي فأشعل اوراقها المشبعة برائحة مقدسة كي تفرالشياطين والروح السوداء من زوايا البيوت.
أتلمس الفارق بين تحولات المخيم المكانية والزمانية أجوب هائماً بين جيلين ، واحد جاء من رحيل ورفع اعمدة الخيام والاخر إنتصب ماردا تحتها، ظن نفسه يوما أنه قادر على الطيران، ولكنه وصل اطراف الدنيا وبقي معلق هنا. هي إستعادة للمشهد الغائب وإحياء للشخصية الرمزية والأسطورية الغير قابلة للتزوير.
" لدت هنا، في هذا الحي العتيق، في حارة النهر، حيث تلتفّ ذراع النهر وتلتقي مع الشاطئ في تشابك جميل على خاصرة المخيم... نكمل رقصة «التانغو» ونحن نعاشر حصاه اللزجة، ونداعب نعناعه البري ونستعيض عن الأصل بنسخة منقحة، تستعيد شريط الوطن مع أجنحة النورس البحري الهاربة من الأفق البعيد، والشمس التي تغرب كل مغيب، ونحن نسأل أين تختفي خلف البحر؟.."
المخيم الذي نحيا والوطن يسكنه ، الجسر يقبع هناك وهو يعد خطوات النهر الذي ما سئم الجريان ، وفياً أمينا لمجراه، في صلاة تمجد الانتظار،حملناه في حقيبة العمر كثياب السفر. نعلقه كأيقونة في أحلامنا ونحفظة بصورة قديمة بالون الأبيض والأسود ، نسخة منقحة من الأصل المزركش بكل طقوس الفرح . في لحظة نفر من نارنا فتستنفر بحواس فيها حرقة القرفة وهي تمضغ بلذة في فيض من لعاب الفم ، تهضم أضلاعي في عملية أمتزاج و أحتراق وأقتلاع يجدد نكبتنا وتعود نثريات الوجع أقوى وأشد أيلاما من حكاية الفقدان الاول، فيتمسك قلمي بمهماز المخيم كي تبقى قضية اللاجئ. المخيم اللعنة، ذاك العار المستور بأعلام الامم المتحدة وصناديق الأعاشة، الى المخيم القضية التي أشعلها الشعر وصار العاشق يأخذ مكان المشرد ، الى خيمة تستبدل بأخرى فيصير اللاجئ المقاتل، الى اللحظة التي أستفاقت فيه الحكاية فصار اللاجئ الانسان ، يحزن ويفرح ويرقص ويتألم ويبكي ويضحك ويعشق ويحلم ويقاتل..كل شئ قابل للخديعة وقادر على التعديل الأ نتماء ، حتى لو كان خاضع لقانون الحداثة ، بين خيمة (الشادر) التي تتحول الى علبة حديدية تسمى( براكس). ويغني لها الفتى" وائل": (إحنا رضينا بالبركس والبركس ما رضي فينا!)
"حضن مغمور بدفء الحكايات. لجوء مستطاب، نهرب إليه فزعاً من جفاف المنفى وإن كان من أجمل المدن. محطة نحمل فيها حقيبة الحلم وندير ظهورنا نحو الشمال، فسكّة الحديد التي تحاصره شرقاً تشير لنا بإصبعها نحو جهة الجنوب" من رواية حاسة هاربة.
كم مرة أدركنا الهوية الجماعية والحكايات الخالدة والتناسل الفطري بين المارين تحت ذات الخيام، تلك الحياة التي هي مستودع ذاكرتنا ، سألت نفسي مرة ً : لماذا هي على مرمى الرصاص؟ وتصلب على الحائط وترجم بحجارة الخطيئة ؟ أجابتني: ليس بسبب الديموغرافيا وتكاثر البشر والشعب الزائد ؟ أنها متهمة "بالدريموغرافيا" بتكاثر الاحلام كي نظل في الموضوع. فاحذروا من خطر جديد وفزاعة أشهرها على الملأ هي القنبلة الدريموغرافية ! فيها يشمخ الشاهد الحي، كي يدلى بتفاصيل الجريمة، يقرأ ندبات التاريخ في صفحات وجده . من جرح عبر من هنا وعن نكبة مرت من هناك فكنا نحن هنا.
لذا يتم التخطيط لأغتيال الشاهد، وبعدها تتوالى الحكايات. تماما كي يبقى المخيم هو الموضوع ويكسر زنار الشوق والاشرطة الشائكة بصورة اللاجئ العاشق و الحالم والانسان والمقاتل ، يكتب ويحيا ، كي يلقي القبض على حاسته الهاربة ، كبقاء للحلم وإستعادة للوجود كي يظل في الموضوع.
مروان عبد العال
تعليقات
إرسال تعليق