هارب من وجه السؤال!



كلما سرت أنت على تلك الارض اكثر، أحببتها أكثر، وكلما أحببتها أنا أكثر ، سأخطو عليها أكثر فأكثر.
عندما تغلق البيوت نوافذها، ترسم خطواتها بماء الندى ، تنده للاعشاب الممتدة على حوافي الجداول بأن تستفيق ، تكتب إسمها وشماً على صليب من جذع الزيتون وتفتح جرحي بأنياب العقاب. هناك تتأرجح ألاعناق في رقصة المدى وهنا جسدي يتدلى على خيوط السماء، معلقاً على فيئ حائط ، وتبحث في حفر الأرض عن مساحة تراب ندوس عليها بأمان.
اقيم في بيت حملته قسراً فوق كتفي ، تحول في ومضة عين الى كيس طحين حينما فقدت البيت الذي شيدته قصرا مرمرياً في عينيك، لانك النصف الآخر من العمر المستحيل، تعاندين عين المساء ومهجة الصباح، مثل تنهيدة تخترق حواجز السكوت، لأنها رمز الرحيل في خبايا الوقت،تلف نفسها في طيات الجرائد ، وتذوب بين صيحات الكلام كل دقيقة، كانها تقرع على أسوار الروح ، وتسير مشياً على رصيف الغياب.
تسرق الهمسة من ملفات الصمت السرية ، تزحف كطفل جائع ،على هبوب رائحة الخبز الساخن، ترمم بيتا ووطنا وقلبا تكسر في عبور عتبات بلا أبواب، تستجدي الأنفاس المرتعشة، تتشوق لرشفة من رحيق الكأس ، يوم انكسر الرصيف من وجع الجواب وتدثر سؤالي بالفراق.
هارب من وجه السؤال من عيون التحية الصباحية والاهداب المغمسة بدمعة طرية ، كلما هممت بالدخول بين الركام ،طرباً بهبوب الاغبرة البيضاء، كي يكون لي في درب رفيق كي لا يتعثر حذائي بزهرة أخطأت حوضها ، أو بللتني نسمة رطبه ، غرقت يوماً بنحيب عجوز على بحيرة الفقدان .
مررت عليك أيها الهارب من أغلال الضياع شوقا لمفاتيح الفجر ، تجلس بمرسمك المحبب الى قلبك تغلف ألوانك بثوب الشفق وترتوي بنسائم الزعتر المختبئ في الاحراج البعيدة، وأمامك شجيرات الصبار تقطر أشواكها حزناُ مخيمياً بامتياز.
تهرب من السؤال عندما يكون الجواب أكثر رعباً، حين تقرر أن تسير أقدامها بشغف في الشارع الموحش في قلب المدينة البعيدة.. هناك رصيف كان لي، أنا هناك في ذرات الريح التي تلفح الوجه شمالاً، في أزيز الحشرات الليلة ووشوشات الظلام، في رقصة أعواد القصب وتمايل الاغصان ، في اللهفة الغريبة التي تحوم في الوادي المقابل .
قلت لك: هارب من الرصيف الذي تكسر من وجع الجواب.
مروان عبد العال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر