وفي التيه كلنا بالحلم سواء



لحظة قررت "حواء" أن تضع في صرتها حبة التفاح ، تفتح حرجها مثل باب الفردوس و تلقيه بوسع المدى، يتحشرج صوتها في الاعماق وتهيم في هذيان مخيف على شرفة الغسق، تنتظر بوحها الثمل بأنين مكبوت على عتبة الكؤوس الحمراء. تتوالى أحذية المدن في ملاحقة خطواتها ساحبة أذيال طيفي خلفها والحياة تنسحب من جوارحها فتغدو نحلة لا تعرف نفسها لانها هي غير نفسها. فتصدح بالبلاغ مستوحدة ، تطلق رصاصة الرحمة على سيدة الجنة، لحظة ان قررت بأن تعد الرحال الى الىسراب ، فتلغي نفسها .
البلاغ الاخير ، فر من شفتيها بالمعنى والمبنى، فصرت اناجي وجودي في الأشياء. عن آياتي التي انقلبت بين الصور. وغدوت مثل صقيع يلبس جدران الكتمان، وبلا إنذار مسبق تسقط أسناني على منضدة الكتابة. حين صار "آدم" يشبه نفسه لحظتها غادرت نفسك الى نفس بلا لون ولا طعم ولا حلم ولا شكل وغدرتي مرآة الروح بسم الخطيئة.
نحلة كسرت مرآتها ودخلت عتمة الثقوب السوداء، إزحفي في انعزالك الحلزوني نحو جوف الصلصال، ربما تمضغ أنياب الشياطين بشماتة بعض أمالنا واحلامنا وتحول دربنا الى فتات على مائدة النسيان.
الى أين المسير والمستقر؟ أيتها العابرة بين الفواصل الى وحشة تبعثر أشلائك الناتئة، قامتك المنحنية في تعرجات الوقت،هل ستحميك طحالب الشاطئ من جوع الصخور..؟ حتى قمم العزلة على محطة مرعبة ، نسيج من جلد الافعى تلف جسدك في فحيح النيران، والهواء يبحث عن ريشة خفيفة تطير مثلك ، في أرض الاوبئة المثقلة بالوجع والحنين و الحبلى بالسيول، كي تكوني الناجية الوحيدة بجلدها على مجداف خشبي فوق سفينة نوح، والاشرعة تذوي في طواحين الماء و لم يعد هناك سوى أيام وندخل جرف الأودية بلا قاع .
ستدق الساعه ايقاع غربة الروح لنحلة تتكل بضياع ناعم و بطيف الغريب ، كي نبدأ الصعود الى هاوية سحيقة. في عالم من سراب ، هناك حيث تنصبين خيمة هيجان الضياع ، بدل قفير زرعته يوميات الحب على شفاه من عسل، وتهرب الطرق من امام قدميك و يقرع النداء داخل صدورنا كجرس ماعز، كي نهتدي لضجيج الدليل ومعالم القلوب الواجفة.
يلسعني الجنون المتسلسل في تلافيف الرأس، يشهق كهبوب الحلم، في وهج سخونة الشوق،أضلاع صيد سقطت في حرب القبيلة وبقيت هناك تحترق في رمل الصحراء .
أين تهربين من نفسك ؟ اعرف أبجديتك الغامضة وأقرأ في طلاسم الوجه أن في الامر قضية لم تعد تقوى هامتك المتعبة على حملها. وأين تعدين الرحيل وبأي أتجاه؟ حتى لا ينكسر الجدار العالق تحت نافذة البيت. فأنت في الخندق الأمامي للعشق وفي جه الطوفان وقد تعطلت بوصلة الاقدار واحترقت ساعة الرمل عند الظهيرة ، صار التيه عمرًا، حينما يصير التيه نحلةً في أحراش الصبار . تمحو الايام ما دونته أناملنا على دفاتر الطرقات، في قواميس المنافي و غربنا أضحى شرقُ و في التيه كلنا بالحلم سواء.
هي مناجاة طير في رياح الصدى،كان يحلق بجناحين ، ملاذاً للروح ومقاما لنحلة وهو يعلن كلامه الاخير ، ورجاء للخلق بان يشهد، أن يستعيد ضلاله، حتى لا يستذئب الهم في عينيك أو لا تفقد الزهرة شذاها في ندى الصباح.
مروان عبد العال

تعليقات

  1. غابت حواء لفت الاماكن كلها ، ولكنها عادت ووجدت مكانها محفوظا
    .لم تكن النحلة التي فقدت الحلم . هي ربيع الايام وبسمة الصباح وتغريدة البلابل في يوم ظنته سرابا ، لكن السراب هو الامل وخرجت من دوامتها بحثت عن ظل دافئ فوجدته

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء