الأوذيسة مجبولة بأشباه الطين
يومًا ما قد ينطق الطين، حتى لا تسلب الطريق من العين غفوة التراب. ويبوح عن سر الخصب المضمخ بأنين الغياب، وإن كان هنا طين وهناك أيضا، كان الخلق من طين والعود طين. لذا قد يطلق لسانه المر ، كي يلعق من حوافي القلب قطرات الحنين، ويعزف على أوتار الصبا لحنًا ينزف من قيثارة الألم. لست وحدك أيّها الطين، تئن بالصدى وتتردد في الفراغ كأغنية حالمة ، تذكر الأرض برنين صوتي الذي يسابق المدى.
أنت طيني الوحشي، الهائج في الأضلاع تسرق الجسد كي تقرع في الروح كجرس يعلن نشيد الحرية. وكي أتكرر في الرجوع ، أدمن نشوتك كما الناسك يلتصق بأجراس الأديرة . أتجول على طياتك اللزجة ، متدثرًا بوشاحك الدافئ ، كي تحميني أسقف المخيم الهشة، من غبار تطارد نوافذنا الخشبية، تقرع الأبواب كدقات طبول زنجية ، تؤدي صلاة القبيلة حول دائرة النار.
على وقع الطين أعبر جفاف التراب، وأجمع بقايا العطش المعلق على جدارات الدروب، أتجرع من ساعة التيه غصة الفراق، أو أرحل في تاريخ ألأشرعة كي أكتشف جزيرة مرجانية تغط بنومها السري في صخب الموج.
وحدك أيها الطين، تستر عرينا وأنت تعاشر التلال وتغرس أظافرك في بطن الصخر، وتعثر لنا على البيت والملجأ والنفق والخندق، لأنك محارب أسطوري صامت تستريح من أسبارطة كي تنام على أول سطر في أول صفحة من أول دفتر مدرسي، يرتجف من عتمة المدن المجهولة ويشدو لمدينة برائحة البرتقال، يرسم شفتيها تقطر برحيق مثير، تعرف عليه يومًا في محطة شوق على زاوية الشتات.
من شبق الطين ستشتعل الذكرى ، ريثما تنجب الأشجار أقلامًا من جذع الرصاص، وتتهيج القوافي وتشهق الأشواك نشوة من جرح القصيدة، وأن يتنحى الطين لحدود اللياقة ، ربما تقوى جيوش من ظلاله الناشفة أن تجتاز عشقًا بطعم الطين.
طهر الطين ، طفولة ترتدي ثياب الطرقات، وتخط على أوحالك ألعابها وطقوسها العبثية ، لا يدري الطين ، أن الأوذيسة مجبولة بأشباه الطين ، وتنام في صفحات تاريخ من خيبة.
مروان عبد العال
2-2-2010
تعليقات
إرسال تعليق