هي سر الله فينا


خرج الوحش من الزريبه ، على هذا الميدان بالذات، وقبيل صلاة الجماعة تحديدا ، يغرس انيابه في قداسة المكان ، لا كي يمارس الوداعة على جدول الماء،و ليهزأ بمصافحة فلكلورية ، ادمنتها النفس المترددة، وباركها ابناء الخيبة والعجز والتذبذب ، هنا تقدم الوحش على عجل ، كي بسرق التاريخ من شقه المقدسي العتيق ،عندما احس بوهن اليد المددودة دوما ، حتى شاخت من معاقرة جولات الحب الخادع الذي لم يصنع إلا الحمل الكاذب ، مشهد تصطف فيه الوجوه المصفرة وترتجف للريح العاتية ، بنظرات كأنها تتسم بالخرف،.تصرح بالتنديد وبأشد العبارات ولكن يستتبع بالقول : لم يكن لديّنا شيء أفضل يمكننا أن نفعله.

على باب العامود ، نهض المعراج مرة ثانية ، كانت السماء ترتدي قميصاً أبيض، فتحت باب الحلم في مدينة هي سر الله فينا ، كل قطعان الغزاة مرت من هنا ، وانكفأت خائبة . لانها لغز الارض ، كم مرة شوه فيها القاتل جثة الضحية ؟ ولاحق وجوه الناس في المرايا . لقد احتلها في وضح النهار وعز صيف حزيران ، اغتصب الاحياء ولوث شوارعها اللاهبة يوم كتبت الشمس على قبابها نورها الذهبي . ثلاث واربعون عاما من دنس الاحتلال وسكين الانتظار والتقطيع واستلاب هوية المكان ، هي القدس ينتابها الفرح الاسود، تستلقي ذبيحة امام كل باب بيت، تسأل عن معنى الفجيعه ، ان ترتدي الققم ثيابها وتلبس اللجان أسمها وتتنافس الفضائيات على النطق بصوتها وتشًرح على مأدبة العشاء الاخير في المفاوضات النهائية ، وتلوكها الخطب على المنابر، هي العاصمة المسبية التى تحتفل بها العواصم عاصمة للثقافة العربية .

كم من شقيقة للقدس فكرت بان تكون العاصمة ليست جزءا من الوطن... كأن تقول بان لندن لم تعد جزءاً من بريطانيا . وكل قرية معزوله عن ريفها ، والمدن صار لها بوبات حديدية ، وأضحت القرية مكاناً ضيّقاً كئيباً مليئاً بالاستيطان - بل أصبحت كل مدينه شبه مستقلة، ليس عن الاحتلال ، بل عن المدينة الاخرى ، مثل غزة ، تنوء بحصار يعلقها على مشنقة الانقسام ، و كأنما ذهنية الاختلاف بدأت تتقبل أهمية الشعور بالرضى والاكتفاء بالامر المريع . ومن الناحية الأخرى، نرضى بنقاش الوحش ،على ما يفعل ببقايا الصيد ، وان نستجدي بأنه يستحيل على المرء أن يصل إلى نهاية طبيعية لأي شارع، في وطن لا يوجد فيه نهاية شارع أصلا، عند كل بداية ، جرافة و حاجز، تصل الى طريق مقطوع بوحدة استيطانية جديدة أو بجدار أو معبر مغلق .

هي القدس تحتفل بالعواصم جميعها ، وتكتب بحجارة الارض احرف تتوهج مثل قداسة الشمس، صرخة غضب حر تدوي بشموخ صغارها فبدت أعلى من قامة زمن مر ، تربع فيه الكبار على الققم المتصدعة ، وفي متاهة القضايا المنشورة في اروقة الابراج العالية.هي الصبية التي تحمل حقيبتها المدرسية ولم تنثن لضغط دولي وبطاقة تموين، فقط تنحني لالتقاط حجر جديد ، ننتفض على الخطايا التي التي استفحلت في النفوس، فاستهان العدو بطهر ترابنا، هي انتفاضة تكتمل بالثورة على الذات ، على الوعي الذي أبتلى بتدني القيم وهبوط الاحساس بالغيرة والذي اختصر القضية بالمصلحة والوطن بالسلطه وحول المناضل الى متسول .لننتفض ولو لمرة واحدة على اخطاء انفسنا ، نستعيد الوحدة وبوصلة الصراع وننقي الحلم من الشوائب والسياسة من اوساخها .. حجر مقدس ،ينصب على الرؤوس سكنها شيطان العجز كي تستيقظ من نشوة الهزائم وأن لدينا شيء افضل ممكن ان نفعله، حجر القدس يدلنا على الطريق ،عليه تسير اقدام الشرعية الحقة بلا تزوير واستبدال صناديق واغتيال النتائج وان اغمضت العيون ، سيبقى الشارع بلا نهاية ولا يصل الى حق ننشده .

مروان عبد العال


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قلم أخضر

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء