قلم أخضر


قلم خصب ، من حبر سخي ، يزهر بالغيم المضمخ بالنعناع ، عندما استله من الفضاء ، اقدمه ريشة من جناح نسر، قبل ان يذرف لقاحه الجميل ، يرتجف كي يغرس اشواك وروده في غياهب السفر . لقد حملت قلمي الاخضر كي تتفيئ الملامح في ظلها المكسور على شوارع تذبل في النوم و تحترق في شمس المدينه، تركت كلماتي تسير حافية القدمين ، تنحني مع رقصة الحروف ، كي تضع للقمر مشكاة الروح، تعقد لقاء سري بين حافة البحر ولمعان القمر. اخلعي اسطرك النمطية ايتها الصفحات ، تعري من ثيابك السوداء، ورتدي من عبير الصباح لمسة من الوان الضوء.

كان هنا دفتر للذكريات ، وهناك قرب فخارة قديمة ، أضع اسنة الاقلام دهراً..اكلته انياب العيون وهي تلهث على اقدام التعب . تهمس لي بوصايا القوافل. لن اكتب بأذن من أحد ، لا صفارة شرطي ولا قرار من السلطه، ولا تستسلم لرعب من صولجان الامبراطور ، ، او تنحني لديكتاتور ، تكتبني شهقة ضياع ، وتلد من رحم الشوق حالة الكتابة ،لحظة ان تطل زرافة الفرح من نافذة القلب، تنفتح شهوة القلم على نشوة اخضرار العشب، يتمايل مع النون ، كانه ينام في حضن الربيع، ويلقي السلام على ترابك البارد.

كلماتي غير قابله للتفسير الحرفي ، لها قاموس لا تجتره المآقي ولا يعرف الاستحمام على عتبات العيون، له طقوس ألف ليلة وليله لذا لا يتسع لليلة واحدة، يوم قررت ان انثرها قوتاً لعصافير البيادر. وحينما تهيج بالمعاني ، تسلك طريق السماء وتغفو في حرج النجوم. هي بصمة كف لا تتكرر في ثنايا مسامات تستغيث.

خطوط اليد في سحرها لا تشبهها اخرى، فعلى اي تضاريس أكتب ، وكيف ستلتوي انحناءات الحرف العربي بانحناءات الجسد الايل للنضوج؟ كي يزرع أجنة الشغف في في حقل الاحلام. أي ملاك يحصدها وفي اي موسم .. وجه يسرق من الوجوه زمنا ، لكن من زمن تنتهي مدة صلاحيته طالما الانفاس تهيم في انسيابها ، وترسم على تجاعيد السنوات صورة الزمن الذي يلي . وتشتعل في حركة اللغة نقاط الحبر الساخن ، تتساقط كرحيق الشهد على صفحات وجه يشبه الماء.

لنحلق في خيال، انا ابن وطن شيدته معاول الخيال، يسبح على سرج الاحلام ويحلق بمساحة أوسع من الامكنه واكبر من حجم السماء ، لنهجر التباس اللغة ، ونبني بيتا من طين الحقيقة ، حتى وان كان البعد يجعل للحنين ألف شكل ولون ، يجاور ظلال الغربة السوداء ، او تكرار المدن المواربة والرمادية..

قلم أخضر، يسقط على الروح الجافة فتتبرعم ، قلم يحمل للون الأسم والمعنى ، يخط في اثلام الارض ، فتنبت سوسنة الابدية ، قلم يبحر في عبابها ، يغوص في الاعماق ، يحمل حفنة من مرجان البحر ، هي اطياف تشبه صلاة صوفية على معبد الحلم ، يمارس الالفة و خلسة رغما عن أنف اللجوء.

مروان عبد العال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء