هل أتاك حديث الكاميليا؟



هل أتاك حديث الكاميليا؟



مُنْذُ شَهْرٍ قَمَرِيٍّ ، حَضَرَتْ أَضْلَاعِهَا الْنَّاشِفَةِ ، أَغْصَانِ جَرْدَاءِ مِثْلِ نَوَارِسُ بَحْرٍ خَلَعْتُ رِيْشِهَا ، وَتَرَكْتُ عِنْدَ الْشَّاطِئِ الْصَّخْرِيُّ الْمُوَحِّشِ بِالْحَنِيْنِ. غَادَرَتْ دِفْئِهَا ، عَارِيِّةٌ مِنْ أَوْرَاقِهَا كُمَسْبِيّةً تَبْحَثُ عَنْ سَتْرِهَا الْرَّسُوْلِيَّ، هَارِبَةٌ مِنْ وَحْدَتِهَا، حَمَّلْتَها طَيَّاتِ الْكَفِّ الْرَّؤُوْفُ، عَبَّرَتْ خَطَّ الْمَاءِ وَفَاءَا لِلْطَّرِيقِ ، وَدُسْتَهَا بَيْنَ ثَنَايَا تُرَابٍ مَازَالَ يُحْتَوَى رَمَادَ تَسَلَّلَ مِنْ الْرُّكْنِ الْمُلْتَهِبُ فِيْ أَحْزَانِيْ ، تَنَحُشّرِ هُنَا، بَيْنَ أَكْتَافِ شُجَيْرَةٍ الْغَارِ وَتَتَّكِئَ عَلَىَ خَاصِرَةِ الْيَاسَمِيْنْ. حَيْثُ تَتَعَانَقُ بِاسْتِيْحَاءً مَعَ تَرَاتِيْلُ جِدَارِ خَطَّتْهُ أَلْوَانَ مُضَادَةٍ لِلْتَعَبِ .

جِذْعِ عَتِيْقٍ مِثْلَ كِتَابِ تَارِيْخِ لَفَظَتْهُ الْسِيَاسَةِ ، كَأَنَّهُ بَقَايَا مُوْمِيَاءِ عُثِرَ عَلَيْهَا فِيْ كَهْفِ سَكَنَهُ دَيْنَاصُورٍ.فَاسْتَلْقَتْ بَيْنَ ثَنَايَا حِضْنِ الْحَوْضَ الَّذِيْ يُزَنِّرُ الْنَّهَارِ، كَيْ نُؤَدِّيَ مَعَ الرَّبِيْعِ صَلَاةً الْجَمَاعَةِ، تَرْقُدُ بِأَمَانِ بَيْتِيَ تَحْتَ شَرَاشِفِ اطَفَالَ الْحَدِيقَةُ ـ تَسْتَمِعُ لِوَشْوَشَاتِ نَسِيْمَ الْلَّيْلِ وَتَطْرَبُ لَاهَازِيّجَ الفَرَاشَاتُ وَهِيَ تُمَارِسُ رَقْصَةُ الْعِطْرِ خَفِيَّةٍ عَلَىَ خَشَبَةٍ الْمَسَاءِ . تُشَاهَدَ يَوْمِيّا إِحْتِفَالٌ امُومِيٌّ مِنْ بَيْلَسَانِ وغاردِينيّا وَاخْضِرَارِ الْعِشْقُ.

هَلْ أَتَاكَ حَدِيْثُ الْكَامِيْليَا؟ سَأَدِعِيّ بِلَا حَرَجٌ بِأَنَّهَا سَبَقْتَنِي، وَأَنِّيَ اطَارَدَهَا بِحُلْمٍ مُجَنَّحٍ. يَوْمَ اعْلِنَتْ ثَوْرَتَهَا وَمَزَّقَتْ خُيُوْطِ الْعَنَاكِبِ، وَيَوْمَ حَقَّقَتُ عَوْدَتِهَا الَىَّ حَوْضِ الْبَيْتِ ، وَفِيْ قَدَّرْتَهَا عَلَىَ اجْتِيَازِ الْجِسْرِ الْخَشَبِيِّ بِلَا تَصْرِيْحٌ مُسْبَقُ ، وَاخْتِرَاقَهَا لِلْجِدَارُ الْخَارِجِيِّ ،حِيْنَ وَجَدْتُ مَكَانَهَا دُوْنَ انْ تُعْتَبَرُ وَطَنِهَا أَقَامَةً عَابِرَةِ، كُلِّ تُرَابٍ هُوَ وَطَنٌ لَهَا ، تَشْتُمُ رَاحَتِهِ كَمَا تَتَنَشَّقَ قُدُوَمْ الْمَطَرْ .تُزَغْرِدْ كُلِّ صَبَاحْ، تُزَفُّ لِيَ هُوِيَّتِهَا الْخَضْرَاءَ وَتُعْلِنُ بِانَّهَا جَدِيْرَةٌ بِعُيُوْنٍ الْبَرَاعِمِ الَّتِيْ تَتَفَتَّحُ فَرَحَا . تَتَمَسَّكُ بِتَلَافِيفِ ايَّامٍ الْاسْبُوعْ ، وَتَلَقِّيَ خَلْفَهَا بَقَايَا الْوَقْتِ الْمُحَنَّطِ ، تَسْتَحِمُّ بِالْنَّدَىْ وَتَغْسِلُ شَبَحُ الْمَوْتِ عَنْ رُوْحِهَا . تَطْرُدِ شَيَاطِيْنَ الْغُرْبَةِ مِنْ قِشْرَتُهَا الْنَّاتِئَةُ ، وَتَسْتَبْدِلُ الْنَّزْعِ الْأَخِيرِ بِوَجَعِ يُشْبِهُ مَخَاضٍ الْوِلادَةِ. تَسْتَجِيْبُ لِرَحِيْقِ الْارْضِ وَانَفاسِيَ الْمُتَعَطِّشَةِ لِلْبَقَاءِ ، اخَذَهَا خَطَّ الْشَّوْقِ الَىَّ وَطَنْ الْحَيَاةِ ثَانِيَةً. وَصَارَتْ تَتْلُوَ غُنْجِهَا عَلَىَ مَسَامِعِ الْسَّاهِرِيْنَ وَتَفِيْضُ بَوْحَا بِاسْرَارِ الْقَمَرَ.

هَلْ أَتَاكَ حَدِيْثُ الْكَامِيْليَا؟ لَحْظَةٍ اطَلْتَ زَهْرَتِهَا فَرَشْتُ رَائِحَتِهَا عَلَىَ سِتَارِ اوَّلَ الْلَّيْلِ وَبَلَّلَتْ رِئَتَايَ بِمَاءٍ الْوَرْدْ، عِطْرُ يُؤْنِسُ الْشَّارِعِ الْمَذْعُوْرُ، يَقْطَعُ سُكُوْنَهُ بِأَرِيّجِ يَصْهَلُ فِيْ فَضَاءٍ جَرِيْحْ وَعِنْدَ اوَّلَ الْصَّبَاحِ تُطِلُّ مُوَارَبَةٍ بِرَحِيْقِ يَرْشَحُ مِنْ شِفَاهِهَا الْبَيْضَاءُ، تُطْلِقُ مَبْسَمِهَا الْجَمِيْلَ، وَتَعُدُّنِي بِاحَادِيِثَ الْقَهْوَةِ الْصَّبَاحِيَّةِ الْمُشَبَّعَةِ بِحَبَّاتِ الْهَيْلِ وَنَكْهَةُ الْقُبُلِ.

مَرْوَانَ عَبْدُ الْعَالَ

26-5-

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء