كم أنت شبهي أيها السراب


لا أرغب في شيء أيها السراب ، إلاً ان أعرف ، لم أنت شبهي؟ تلوذ بنفسك في السديم وتسكن عالم خفي. انا الذي يقلب صفحات السراب، لعلي أعثر في عينيه على مكان يتسع لسفري، ابحر في أطياف تلهث على وجه من أحجار كريمة.

دعني أبحث في الرتب الصماء عن معنى الشهادة، عن فلسفة حانوتيه تقفل الحياة بحتف يشبه نهاية الخدمة، عن جيوش أصيبت بعدوى النعاس ، وهي تجردني أوسمة البطولة وتعلن الانتصارعلى طواحين الهواء.

أيها السراب لأنك شبهي ، فقد أمسيت بطلا لكل الروايات، تمضي الى تعبك السري في أعماقي، تمتطي جيادي العطشى لماء القصائد، وظلك يلازمني، يغفو على وسادة من خرافات، وانت تتوسد زندي على مداك.

كم أنت شبهي أيها السراب، تبني داخلي هيكلا لنفسك، وتحترق في مذبح الوطن المسافر، لاني مثلك، طفل مخيمي مشاكس. يخوض شغفاً في غمار الحلم الابدي. أرمق ذات البحر وهو يسرح أمواجه فوق أكتاف الشاطئ، أراقب في كل مساء صيفي لحظة الغروب على مد النظر، وأنام على دغدغة من رهام المطر فوق صفيح الزينكو ، أكوي ملابسي المدرسيه أستعدادا لليوم التالي تحت فراش الليل، وأحتسى يوميا طاسة حليب الأعاشة مع حبة من زيت السمك.

هل أدركت أيها السراب؟ كم ستوقظ في الغياب شهقة السحاب، وتنزف داخلي كل نزقي القديم وغيرتي من أختلاج العشب في حضرة ملكوت الزعتر الجبلي، حينما تحفر معي خندقا في وحل الطريق ، نهجره ويهجرنا، فيكتسي بموسم من النعنع البري ، وتسير الى ملاهي الأعياد ، مستعيراً حذاء صديق، يليق بشوارع المدينة.

كم يقتلني المساء في زحمة النهار ورتابة الساعات وعندما يشير الوقت الى " تمام الساعة العاشرة ...الا الصباح" . صباح من بوح القمر، عسل نازف من وجع الفراق. جسد خمري يسير على أعناق الخيل ويتدلى بحمامتين من حنين، يجوب وطنا كبيرا من غربة ودهشة ومخيم.

أنت السراب كما الحزن غير قابل للتداول، حتى لو حرضت عيناك الندية على الجمال والبوح أكثر، حتى تنطق فيها كلماتي، لانها من برج المستحيل ، لوجه يحمل راية الماء وشفاه ندية رسمتها حبر الالهة ، سراب لا تغرب عنه الشمس.

طالما هناك قبلات تطوف كأسراب الحمام في الميادين ، واخرى تسابق احتشاد الذباب على العقال المذهب وقبلات يطاردها رجال الامن و تسحل في الشوارع.

انت سراب فوق العادة، مفردات الصحراء الثلاثية الأبعاد ، وهج، رمل، سراب. في زمن هجرة السنونوات الى خريف الواحات. مازالت تعاند صخب الحبق وصهيل الجرح، فوق قوس التعب، لذا... قاوم بعينيك وبصدى الضحكة الطفولية في قلاع صدري وبثغرك الناري العريض .










مروان عبد العال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر