مقاربة الهوية بين الثابت والمتحول
ان الحديث عن مسألة الهوية الوطنية الفلسطينية ، تأتي في هذه المرحلة لتطرح فكرة : "المساءلة للهوية " كطرح مقاربات بحث عنها وفيها أكثر مما هي إشكالية دراسية . خاصة أننا نتحدث عن مكونات وعوامل وانعكاسات شتى فعلت فعلها في هذا المكون الجمعي الذي نسميه " الهوية" اي رؤية الثابت والمتحول فيها ، عندما نقول المتغيرات في الهوية دون ان يعني باي حال من الاحوال ان الهوية الوطنية الفلسطينية أمام خطر الاضمحلال او الذوبان، حيث تستند الى عناصر الحياة فيها التي هي اقوى من عناصر التشرذم ، كونها بقيت عنيدة لأنها تمتلك عمقها المعرفي والثقافي والتاريخي. وهي تستحق التمحيص والمتابعه والمراجعة ، وكونها تتعرض لتأثير ثنائي، ما يجري في القاع الاجتماعي والسياسي وفعله الداخلي من جهة، وانعكاسات السقف السياسي والخارجي التي تنتعش وتتأثر سلبا او ايجابا كأخر او كمنظومة لعولمه تجتاح الكيانات وتخترقها.
تحدي الهوية ولد من تحدي نفيها. كان الرهان على أن تشريد الفلسطينين من وطنهم ورميهم في المنافي سيؤدي الى ذوبان الشعب الفلسطيني واضمحلال هويته الوطنية وسيكون لهم اوطان اخرى ، لكن الهوية عادت واستمدت عناصر قوتها من عملية اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه عام 1948 م في عملية تحدي لاثبات الوجود و الذات الوطنية بل والشخصية الوطنية الفلسطينية، هي السنوات التي زخرت بالابداعات الثقافية والفكرية والفنية الفلسطينية في مجالات البحث والدراسات والتخطيط والعلم والفن والادب من الرواية الى الشعر و القصة والسينما والمسرح ، وقدمت أسماء تجاوزت عتبة القضية الفلسطينية الى الانسانية ، مثل محمود درويش وتوفيق زياد وغسان كنفاني و اسماعيل شموط واميل حبيبي وجبرا ابراهيم جبرا وادورد سعيد وانيس صايغ ...الخ، بمجموعها شكلت روافد ثقافية وطنية جديدة دعمت اركان الهوية وغذتها بشعور التمييز وان كان بالمنفى البعيد أو من خلال العطاء الزاخر والتمسك بالهوية و تحت الاحتلال .
هي بمجموعها كانت اليات دفاع ذاتية عن الشخصية الوطنية كتصعيد ضد نقيصة اللاجئ وشكل من أشكال الصراع ضد محاولات العدو لطمس ومحو التاريخ الفلسطيني ، عبر محاولاته الدائبة والمستمرة لاحتلال الزمن الفلسطيني المعبر عنه بسرقة وتلفيق وتزوير للاقانيم والدلالات الحاضرة في التاريخ وثقافة والتراث والتقاليد والعادات وما عملية استلاب رموز حتى الشرعيات الدينية في مسعى لتزيف التاريخ ولانكار الحق العربي الفلسطيني وطمسه ...ألخ من جهة ومن جهة اخرى احتلال مبرمج ومنهجي للمكان الفلسطيني، أي الاقتلاع من الجغرافيا وخلق تضاريس جديدة وبديلة لحيز المكان الذي نمت وترعرعت الهوية بين ظهرانيه. وقد شرع العدو خلال كل سنوات النكبة الى ما يشبه بتر الذاكرة الفلسطينية، لان على اساس هدم الذاكرة يبنى الوعي الزائف، الذي انطلقت على اساسه الحركة الصهيونية بالقول ، ان هناك ارض بلا شعب، لشعب بلا ارض... ثم للقول لاحقا انه هو الصاحب الحقيقي لهذه الارض.
لقد أستمرت الهوية الوطنية امام تحدي الاقتلاع، حين أخذت شكل التعبير السياسي في نطاق عملية الصراع حين صارت الهوية ليس فقط مبنيه على ما كانت عليه في الماضي بل ايضا على ما يجب ان تكون في المستقبل ، وهنا كان دور التنظيم الفلسطيني والفصيل والمؤسسة الوطنية كحامل لهذه الامال والاحلام الكبيرة أو الغاية الوطنية النبيلة والعادلة، التي شكلت الفكرة الجاذبة في رؤية عملية التحرير والعودة والحرية والاستقلال.
هنا علينا ان لا نغفل التحولات البنيوية السياسية فيما يتعلق بما يسمى بالنظام السياسي الفلسطيني والحالة التي وصل اليها مؤخرا وتأثير ذلك على البنية المجتمعية للشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده.التداعيات كارثية التي خلقت وانعكاسات سلبية خطيرة على الهوية الفلسطينية . ندرك كم انشغلت مؤسسات العدو الصهيوني في تحقيق الانشطارات الاجتماعية لتاكيد الانشطار الذهني وأثره الكبير على الهوية الوطنية الفلسطينية ، من خلال رؤيتها لكيفية اعادة تصميم الواقع ، كما يريده الاحتلال ، وبما يوفر لها أرض رخوة يستمر في التقدم على أساسها بحيث يجد اللاعب الفلسطيني نفسه ان كان مساوما ام مقاوما ، انه يلعب على رقعة محددة قواعدها سلفا ومن قبل الخصم.
ليتعمق الاختلاف والالتباس لمفاهيم شكلت في السابق اساسا ناظما للضمير الجمعي الفلسطيني . من مفهوم" المصلحة العليا" هل هي التنسيق الامني وعدم أغضاب الدول المانحة؟ الى "المشروع الوطني" هل هو اتفاق أوسلو؟ الى مفهوم "الهدف الوطني " هل هو خيار السلام الاستراتيجي ؟ عوضا عن وسائل الصراع واساليب المقاومه حيث لم يعد الهدف الوطني ذاته باعتباره مهمه كفاحية وفي ظل تجزئة ممنهجة جرى تفكيك ادوات النضال نفسها ، التخلي عن عناصر القوة والمقاومة والبعد العربي والانقسام المؤسساتي والجغرافي بين الضفة والقطاع واللاجئون وما جرى من حصيلة افقدت الواقع الفلسطيني اسلحته المعنوية وعرته ، حين صار النظام السياسي يتعاكس في أدائه السياسي مع الحقيقة الفلسطينية ذاتها .الذي يعزى فيه السبب الى فقدان ريادية الادارة الفلسطينية للصراع وحالة الخنوع والتماهي وحضور الفئوية والتعصب التنظيمي والعشائري ، والمصلحة الانية والخاصة والسلطوية والفئوية والمساهمة في التباس الهوية الوطنية .
أضحت الاسئلة تدور في أذهان الكثير لماذا نضحي ومن أجل أي هدف؟ ومع من نتضامن ونثور وننتفض .وهكذا...ان كانت الهوية الوطنية هي تحقيق الذات والاعتزاز بها والكرامة الوطنية ، كونها رمزا لقضية عادلة وتمثل قضية الحرية في العالم، ان لم نقل تختصرها في هذا الشرق. الى قضايا أنسانية وحياتية ومعيشية وأمنية مجتزءة، هبطت عن كونها قضية كبرى الى قضية صغرى واضحى لكل تجمع هما يحمله بمفرده دون الاخر. غزة والحصار. وللقدس قضية وللخارج كل مكان يتحف بقضاياه في مخيمات لبنان ربما لكل مخيم قضية وتكثر فيها الخصوصيات و الهموم المشتركة ايضا . الصحيح ان تذهب الخصوصيات وفق وقائع مختلفة الى ذات الغاية حتى لو من مواقع متتعدة ومختلفة وفق ناظم مؤسسي واحد ، والمدمر ان تذهب كل خصوصية وفق اليتها الخاصة والغريزية، بلا رؤى سياسية ووطنية جامعه .
انه انفجار الخصوصيات ، تذهب من صدر عقلية الخوف على الوجود والقلق من المستقبل بدل تكاملها في نطاق التسلسل الكفاحي للشعبنا. الذي يعي ويستوعب الشروط الموضوعية القسرية التي تتحكم بكل تجمع فلسطيني ، ويربط فيما بينها خيط السبحة السري، الذي يشكل القضية برمتها والهوية الوطنية الفلسطينية خارج حدود الاماكن. لكن انفراط الاهداف الجامعه وتقزيم الاحلام واهتراء المؤسسة هو الذي ادى الى انفجار الخصوصيات ، فيما يشبه هجوم غريزي لملء الفراغ ، يصبح هناك فلسطينيو اوروبا وفلسطينيو البرازيل وكما هناك فلسطينيو لبنان وسوريا وفلسطينيو العراق ولكل حكاية وبداية يقصها في ميادين مختلفة لكن ليس في نطاق مؤسسة واحدة ، من تجمع هيئات في المخيمات الى مؤسسات دولية ومدنية وروابط عائلية وعشائرية وقروية حتى تواترت الى المنافي البعيدة ، من اتحاد جاليات الى مؤتمرات لاجئين في اوروبا وغيرها.
ان صعود القضية الفلسطينية والثورة الفلسطينية والمؤسسة الوطنية الجامعه التي عبرت عنها منظمة التحرير الفلسطينية من خلال تبلور للهوية الوطنية و الشخصية الوطنية، شكل تحدي للاقتلاع وتذويب الهوية واعادة تشكلها من جديد . نحن الآن كأننا في امام تحدي البدايات و عدنا القهقري الى ذات النقطة ، الى اسفل الجبل.ان كنا نؤمن بان الهوية في حالة تشكل دائم وفعلينا واجب وطني وثقافي في اعادة قراءتها ومساءلتها من اجل تصويبها و ترشيقها وتنقيتها من الشوائب.
الهوية الوطنية تقدمت واخذت نطاقها السياسي الكامل في الحركة الوطنية الفلسطينية ، بعد نكسة حزيران ، اثر تراجع المشروع القومي الناصري ، وتعززت كضرورية في مواجهة المشروع الصهيوني النقيض، كون الشعب الفلسطيني يقف في طليعة هذا الصراع ، ويوجه مباشرة الاقصاء والالغاء ونفي وجود شخصية وطنية فلسطينية، لان العلاقة مع العدو مبنية على سياسة النفي والنفي المضاد .
لقد أخطأ من بالغ بالهوية كانها نقيض للقومية. او ان هزيمة عبد الناصر هي انتصار للوطنية الفلسطينية.؟ علينا واجب المراجعة المسؤولة للتجربة لتؤكد هذه الحقيقة ام تنفيها؟ لان هناك فارق بين الوطنية التي تستقوى ببعدها وانتماؤها العروبي وبين وطنية القرار المستقل الحق الذي اريد منه باطلا... بوصفها وطنية مستقله عن العرب وفي مواجهتهم ولم تكن مستقله عن غيرهم كما بينت التجربة .
لعله الوهم الذي لم يفرق بين الهوية الوطنية ببعدها القومي وهوية قطرية منافية للقومي، علما ان استراتيجية العدو كانت ولم تزل فكفكة كل عناصر القوة للشعب الفلسطيني. ومنها ضرب الفكرة العربية الجامعه. لان كل الحروب التي خيضت ان كان بالمارينز المادي او العسكري او الثقافي ، للبناء على كل عناصر الخلل والخطأ في التجارب العربية ، والذي افضت اليه التجربة ان القطر العربي الواحد لم يعد قادر على حماية هويته لوطنية امام رياح المذهبه والتفتيت وحتى ححماية الوطن نفسه من التجزئة وهو خارج مظلة الفكرة العربية، بل ان شكل الانقسامات الطائفية والاثنية والعرقية والمذهبية ، حضرت من خلفية القطرية اولا. مثل مصر أولا ، ولبنان اولا والاردن اولا وهكذا كرت السبحه.
ولعل قيام سلطه تحت نظام احتلال دون استقلال ، والاهم ان معرفة طبيعة الاحتلال ورؤيته لنفي الاخر واقصاؤه كنقيض لهويته وربما عن طريق متدرج لنظام الابارتيد العنصري ، هو يهدف ماديا لمنع تكريس الكيان بوصفه وعاء الهوية ، بل احتجاز تجسيد الهوية على بقعه من جغرافيتها . وتدمير المؤسسة الوطنية الجامعه، كفكرة المرجعية الواحدة مثلا ، حتما تترك ندباتها المؤذية على مختلف مكونات الوطنية ليس فقط من جانبها السياسي بل من جانبها المعنوي عندما تكون مصدر السلطه لا يبني من الشعب الفلسطيني بكافة تجمعاته بوصفه مكون مادي للهوية الوطنية ، بل بقيت المشروعية مستمدة من اتفاقات مبرمه مع العدو نفسه ، فمن الناحية المنهجية، لم يكن أوسلو حتى إتفاقاً، باعتراف الموقعين عليه بقدر ما هو إعلان مبادىء، ويعالج نتائج الصراع وليس أسبابه، بدليل أن الصراع اشتدّ في ظل أوسلو، والإستيطان وقضم الأرض وحصار المدن والقرى، والجدار ليست إلّا شواهد على إحتدام هذا الصراع ولو قمنا بمراجعة سياسية لعواقب مسيرة أوسلو، والمفاوضات التي قامت على أساس إحتكار مرجعية المفاوضات من الجانب الأميركي الحليف والداعم الإستراتيجي لدولة الإحتلال ولجرائم الحرب بحق الأرض والإنسان والحقوق.
لقد لتبين أن التوصيفات السياسية الرافضة لمنهج ادارة الصراع كانت صحيحة، وإن إسرائيل عادت حتى عن رشوات إتفاقيات أوسلو، واخرها القرار 1650 ، هي تضرب هوية الشعب في الوحدة الجغرافية للسطلة نفسها ،صارت تبحث عن حلّ أحادي الجانب، يهدف إلى تدمير القضية وأهداف شعبنا وإجماعه الوطني على حق العودة وتقرير المصير والدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وبعاصمتها القدس. بل إن إسرائيل إستخدمت هذا الإتفاق لخداع العالم أنه ثمة سلام يجري ومفاوضات تستمر بلا نتائج إلا المزيد من دفع الشعب الفلسطيني نحو متاهات التشظي والتصفية والإلحاق.
للتأكيد بأن المرحلة الإنتقالية التي صممها إتفاق أوسلو، لن تكون جسراً للشعب الفلسطيني كي يعبر إلى دولة فلسطينية ، الم يكن القول بأنه كيان ناقص؟ و يسير على طريق النمو ليغذي استمرار فكرة الهوية وينتزع الدولة الفلسطينية حامية هذه الهوية ؟ ام ان شعبنا أضحى مقسّماً بسلطة مجزّئة، وترك للإحتلال يد طولى في عجزها وإنهاكها،وان تعدد الذوات والسلطات ، تجعل ان ليس هناك شعب يستحق دولة.
لذلك كان التوصيف الأكثر دقّة بإعتباره تفريطاً بالارض والقضية والمؤسسة السياسيه وبحقوق الشعب الفلسطيني ، واستدراكا ادى الى زعزعة في مشهدية الهوية الوطنية الفلسطينية. من هذا الجانب بات يلح علينا بضرورة القراءة وتقييم نتائج ما سمّي بمسار السلطه مذ إتفاقية أوسلو وما آلت اليه الامور وصولا حتى الانقسام الاخير ، حيث اصبحت كل السلطات في النظام السياسي فاقدة لمدتها القانونية المنتهية أصلاً.
ان المأزق السياسي الفلسطيني الراهن الذي يتضح من زاوية المشهد التراجيدي وعجز وتواطؤ بل وإهانة وطنية ، يشكل الاساس فيه ما تستغله اسرائيل في محاولة لحل ازمة الهوية عندها وتأكيد لشرعية وجودها ، لان وجود الهوية الوطنية الفلسطينية هو نفي لوجود هوية وشرعية لوجودها بالمعنى الاخلاقي والسياسي والقانوني ، وحل ازمة الكيان باستخدام عوامل الضعف الفلسطينية السياسيه التي تسهم في بلورة هوية النقيض التي تنفي هويتها هي .
الوقائع بهذا الاداء تقول ان اسرائيل تسعى لاستثماره بالكامل من اجل مستقبل تجنيب الدولة الصهيونية خطر ديموغرافي ، لذلك تريد حفظ هويتها المبنية على نقاوتها اليهودية، اما اصحاب الحق والشرعيه والهوية الاصيله فتحولهم الى كانتونات فلسطينية أشبه بالغيتوات في التجمعات الكبرى تسمى حكم محلي معزول ومحاصر تجيز لهم الانتخابات والممارسة الاعلامية والثفافية وعقد المؤتمرات ولكن لا حق وطني جامع يؤكد هويتهم الجمعية ، اللهم مباريات صحن الحمص والكنافة .
حين تستخدم وسيلة الرفاه والإنماء وبناء المشاريع التي لا تصطدم مع الاحتلال كمنهج بديل لاستعادة الحق ، متماهيا مع الذي اطلق عليه "نتانياهو" مؤخرا "السلام الاقتصادي" ، او باختيار بين نموذجين : نموذج "دبي" المعولم او نموذج "غزة" المنغلق، حيث يتحول البحث عن الغذاء كغاية، وعن غريزة البقاء الانساني عند اللاجئين في مخيمات الشتات من خلال إعادة تأهيل المخيمات وليس عودتها.
أما بالنسبة للتيارات الاسلامية ، فهي امام تحدي الهوية الوطنية: هل تريد لمشروعها ان يكون حركيا سياسيا مقاوما في ظل المشروع الوطني ؟ اي كأستمرار له ؟ رغم انه المؤشرات التي سجلتها التجربة في المجال الفلسطيني وخاصة ما حدث من انقسام في قطاع غزة ، يجعل من الممكن القول بأنها تحمل مشروعاً آخر، يرى الأمور من زاوية أيمانية تفرض موضوعياً ، ان تخضع لمنطق أيديولوجي غيبي ويقيني يضع العقيدة أمام السياسة ، بحيث تسعى إلى إحلال هوية الإسلام السياسي محل الهويتين الوطنية والقومية، ونموذج عزة خير شاهد على ذلك والامثلة التي لا تحصى، بحيث يرى اصحاب الرؤية الاسلامية ان الكثير من معالم الثقافة الوطنية التي تؤكد وترفد الهوية الوطنية الفلسطنية هي ثقافة دخيلة على الهوية الوطنية ، هذا ان لم يتم تكفيرها. دون ان ننسى ان العدو الذي سعى الى تعميم ثقافة "الحمولة" وثقافة "العشيرة" ووزع عرب فلسطين الى درزي وبدوي....الخ .
العدو يهمه تفكيك المشهد الوطني بصورهويات دينية. حتى لا تبقى هوية وطنية جامعه. والانقسام باشكاله السياسية والجغرافية والاجتماعية ، المبنية على التخوين والتكفير والقتل وتفكيك المجتمع الواحد الى عصبويات فئوية ومصالح سلطوية ، وتدمير مكانة تاريخ التجربة السياسية الفلسطينية كمركز روحي موحدا لما فشلت بتواصله الجغرافيا، حتى صار الانقسام قائما بالمفردات اللغة التي يندى لها الجبين ، وهي تصف الاخر كانما هو العدو مغيبا للنتاقض الرئيسي الفعلي ، حتى صار الانقسام بين جناحي السلطه يوصف من طرفي الانقسام بانه انقسام بين جناحي الوطن ! بات من يختصر فلسطين في غزة ومن يجعل الدولة العتيدة منصة انطلاقتها الضفة. لم يبق اثر الانقسام بحدود الضفة وغزة. بل تعداه الى مجمل البيت الفلسطيني. ليشكل تشويها لوجه القضية الفلسطينية .
طالما رددنا ان المخيم هو حاضن للهوية الفلسطينية وتعبير حضورها الدائم والمتواصل بين الاجيال وانه شاهد على قضية اللاجئين ودليل حي على جريمة الاقتلاع ،إنّ الوقائع الدامغة بأمثلة متعددة، تُظهر حجم الضرر الذي أصاب قضية اللاجئين وهنا اقصد ليس من الناحية السياسية فحسب بل من ناحية البنيوية المجتمعية ، تتأثر بالعوامل المذكورة كافة ، كمؤثرات خارجية ، ولكن تلعب المحددات الداخلية دورا هاما على هذا الصعيد .وجه الكارثة بقاء حالة التمزق الفصائلي وحتى المجتمعي في صميم البنية الداخلية الفلسطينية، وغياب استراتيجية فلسطينية تضع قضية اللاجئين كجوهر للصراع في قلب الصراع وكجزء من الحركة الوطنية الفلسطينية وليس على اطرافها كما يجري الان... ولا تتركه عرضة للرياح القاسية التي تعصف بوجوده وهويته واماله .
إنّ تحولاً تدريجياً قد جرى داخل بنية وذهنية المجتمع الأهلي والسياسي إلى حد ما للفلسطينيين في الشتات بالنظر أولاً إلى نفسه ومن ثم إلى الآخرين، فالمخيم بذهنية الإنسان الفلسطيني في لبنان مثلا ، تحوّل من المخيم "الخيمة" التي تنتظر الاعاشة ، ثم الى المخيم "القلعة" التي تستعد للتحرير والعودة إلى المخيم "المعسكر" في زمن الثورة المسلحة في لبنان ثم الحرب الأهليّة والدفاع عن الوجود والثورة وسيادة مفهوم " هويتي بندقيتي" حيث طغى العمل المسلح على ما عداه من اشكال الهوية الوطنية وتعبيراتها ، إلى صيغة أصبح التعبير عنها أكثر إفصاحاً، أي المخيم "المجتمع"، الذي يحاول حماية ذاته وتطوير امكاناته البشرية والسياسية والاجتماعية ، ومطالبا بالكرامة والعداله . ثم الى المخيم " المعتقل" الذي تحول الى فزاعة مخيفة للفلسطيني والمحيط. من خلال استعادة النظرة الامنية بالتعاطي معه كخطر كامن وحصارة عبر الاغلاق الاقتصادي والعسكري ايضا.
هو مسعي لتدمير فكرة المخيم ، كمضمون يدل على الهوية الوطنية الفلسطينية الى مسميات اخرى. بل يفرغه من محتواه وسكانه ان امكن للخارج البعيد تهجيرا او المدن المحيطه تمهيدا لحلول إ ندماجية . وهنا اتحدث عن مكانة الهوية الوطنية وافرق بين اعدة انتاج الفلسطيني كهوية وطنية واعادة انتاج اللجوء والمأساة وتكسير ارادة الفلسطيني، كما جرى في نهر البارد او فلسطينيو العراق. حيث بدا انه موديل جديد للاجئ "الترانزيت"، والحياة المؤقتة ولواقع الاضطرار حين يكون مذنبا كونه فلسطيني. كأنه قتل على الهوية من نوع اخر !.... ولكن بسلاح النفي. عوضا عن واقع تبدل الاجيال لفلسطيني اوروبا.
بين الجيل الاول وما يحمله من حنين للوطن ومتشبثا بهويته رافضا الاندماج. وجيل ثان نصفه فلسطيني، وثالث اوروبي من اصل فلسطيني قد لا يجيد اللغة العربية ...فكيف سيحمي الهوية الوطنية؟ اذن حركة المؤتمرات للجاليات و بكل مسمياتها هي صرخة وموقف، وكي تواكب التطورات ، كمحطة ومنبر مدعوة لصيانة الهوية الوطنية من خلال مؤسسات وطنية جامعه وراسخة ذات ابعاد ثقافية ومعرفيه وتعليمية ، ولا تكتفي بالسياسة فقط.
هذه هي "مساءلة الهوية " ، لانه في خضم تبدلات الواقع قد نخسر أمتارا أضافية من الأرض لكن تجربة المنفى علمتنا ان الانسان صانع الهوية ، وان الاهمية تكمن في عدم خسارة الانسان ، ومن خلال تبديل سلبي لقيمه ووعيه بل ان يتحول الى شئ او الرقم يفقد كقدرته على معرفة ماهيته ومعرفة الاخر ايضا وأن المسألة تكمن في منع احتلال الارادة بغض النظر عن شكل الاحتلال ، عولمة مبرمجه تسعى لاغتصاب و احتلال العقل ،بأسلحتها المالية ومنظماتها العابره للحدود والدول او مفاهيمها الترويضية لاستيعاب حركة الواقع. ووضعها في منظومة عالمية فوق وطنية.
ان تعزيز الثقافة الوطنية وبناؤها كأساس روحي ومعرفي وفكري من خلال اعمال العقل الناقد وليس الناقل، في معرفة الذات والاخر معا ، تميز التخوم بين كل ما هو أصيل وكل ما هو متخلف . كيف تتمسك بالاصاله وترفض التخلف ، وبين كل ما هو حديث وما هو استلاب. وتتمسك بالحداثة ولا تقع رهينة للاستلاب، لعلها معادله تبادليه مفروضة كأداة علمية لصيانة الهوية في علاقتها بالاخر، من خلال فتح قنوات التواصل الاستراتيجي، على خطين: الذات والاخر، لانها ان عملت على اقصاء الاخر فهي لا تقوى على حفظ الذات وتصبح رهينة الانغلاق و وتقع في خطرالتعصب. وهوية متعصبة تعجز عن التواصل مع الذات نفسها تتحول الى إستبداد واستباحة ، وتعيد انتاج التجربة الاسرائيله التي تحتجز نفسها في دائرة أزمة هوية مستدامه وعنصرية في الان معا. والعكس صحيح ايضا بل اشد خطورة ان اقصاء الذات يحول فكرة الوطن الى سوق للاستهلاك والتماهي مع الاخر الى درجة التلاشي.
كون الهوية الوطنية الفلسطينية ستبقى قضية مجتمعية وانسانية كما هي تحررية وحضارية وفي ذات الوقت هي قضية تنموية وثقافية . لذلك علينا ان ننظر لثقافة وطنية تؤسس لرؤية جامعه ووطنية ، تستند الى معرفة الذات والاخر، تستند الى الوسائل العلمية الاكاديمية والاعلامية والتقنية والمعلوماتية ، ووفق ادوات متعدده ، حيث من الممكن تشبيه الواقع الفلسطيني كرقعة الشطرنج، لكل خصوصية مكانتها في هذا المرابع ، وايضا له حركته المختلفه في الانتقال ضمن هذه الرقعه ، ولكن هدف اللاعب الاساسي هو القدرة على تحريك اللعبه بكل الاحجار للوصول الى الهدف النهائي. وهذا يطرح هل من قيادة قادرة على ادارة لعبة \ صراع مركب؟ هل ثمة عقل مركب لصراع مركب؟ من خلال قراءة الخصوصيات الفلسطينية في اطار التحولات والشروط الموضوعيه والادوار المناطه بها في سياق استراتيجية عمل قادرة تحويلها الى انساق تاريخية متنوعه و خاصه ولكنها تتجه الى القاسم الوطني المشترك، اي جعل الثنائية الفلسطينية بين شرعية واقع متبدل وطارئ وقسري ومتباين بشروطه وقوانينه، وما بين العام والاتجاه الرئيسي الجامع في تحقيق الرابط الوطني والذي حتل مكانته في الضمير الجمعي وهو شرعية الحلم.
مروان عبد العال
السلام عليكم
ردحذفلا شك في ما ذكرت عن هويتنا الفلسطينيه، المخيمات، و الجيل الأول الذي ما زال حتى اللحظه يعيش جراح النكبة و يحلم بالعوده..
أحسست ببعض الراحة عند قراءتي سطورك، وذلك لأن اختلاطي ببعض الجيل الثاني، أو الثالت لربما هو صدمة بحد ذاتها..
لا أحبذ ذكرهم كثيرا لأنهم عينة صغيرة لا نفتخر بالتحدث عنهم ..
هنا ما أقصده
http://lamees47.wordpress.com/2010/06/22/%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%aa%d9%83%d9%88%d9%86-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a%d9%80%d8%a7-%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%b0%d9%83%d9%80%d8%b1%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%83%d8%a8%d9%80%d8%a9/
تحياتي
لميس أبو تمام
السلام عليكم
ردحذفلا شك في ما ذكرت عن هويتنا الفلسطينيه، المخيمات، و الجيل الأول الذي ما زال حتى اللحظه يعيش جراح النكبة و يحلم بالعوده..
أحسست ببعض الراحة عند قراءتي سطورك، وذلك لأن اختلاطي ببعض الجيل الثاني، أو الثالت لربما هو صدمة بحد ذاتها..
لا أحبذ ذكرهم كثيرا لأنهم عينة صغيرة لا نفتخر بالتحدث عنهم ..
هنا ما أقصده
http://lamees47.wordpress.com/2010/06/22/%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%aa%d9%83%d9%88%d9%86-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a%d9%80%d8%a7-%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%b0%d9%83%d9%80%d8%b1%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%83%d8%a8%d9%80%d8%a9/
تحياتي
لميس أبو تمام