أيّها اللّصيق، متى تملّ الطريق ؟


يا صاحبي الأليف، أيّها الظل اللصيق بي، متى تمل الطريق ؟ أكتب أحلامك بالخطوة السريعة، واسمك بالخط العريض، رغم أن هناك شارة حمراء كتب عليها "ممنوع المرور" لكني مازلت أتبعك. لا تلتفت خلفك، قد أكون أمامك، فوق الهامش القاتل بقليل، وتحت السطر المائل، أتسلق خط الهاتف، أزحف على كعب بندقية مصوّبة في عيون تشبه فوهات الكهوف، هذا اليوم صلبت على الشريط الشائك، أختطفت لمحة من وجهها الكئيب، المنشور على حبل غسيل، خلف بيت متاخم للمخيم، ويطل على الحاجز الإلكتروني، حين أسترق الحنين إلى براعم الزهر المليئة برحيق المعنى، وأحدّق فيها من أقرب نقطة.

ملامحك تشبهني حتى لو أدمنت التخفي، وتنكّرت بوجه أكثر قبحاً من نشرات الأخبار، تلازمني تحت جناحي الشمس وتتسلل في جسد شاسع كبلاد تنام بين حدود الماء، تمتزج بطين أسود، وتسبقني بحيلة خبيثة مع دمائي التائهة في قلب الأمكنة.

يبتلعني الظل كلما لبس النهار بزة المساء، كي يكون أنا . يتبعني مثل شجيرات الخروع تستر عورة الدور، يعشق الدمار منتشياً برائحة التراب . ينتحل شخصيتي ذاك الظل، يحمل بطاقتي الممهورة بندبة عميقة بلون النكبة، لا تغريك وجبة دمي اليومية التي تشمخ فوق جسارة أعمدة الصحف اليومية، أنا هامش للمعنى، استلقى في هجران إلهي، أمارس صلاة الانتظار الباهظ وراء سواد الأفق .

أنا ظل للشيء، لصيق مثلك بالأصل، أبقى على تخومه غريباً ولكن ليس فيه، ملاصقاً كظل للأشياء، مذ كنت على تخوم الوطن وليس فيه، في مخيم على تخوم المدينة، يلاصقها كظل، فتغسل جسدها منه، ولأكتشف أني بت على تخوم مخيم يسمى المحاذي، فأهجره إلى الرصيف الملاصق للشارع الفسيح. أكتب على الهامش المحاذي للصفحة، أتيت للتّو من وسط أشواك البراري، كي أجاور حائط الإنسان الحجري كحوض ياسمين في بهو الدار.

ليس مهم أن تكون فلسطينياً بالجملة العريضة يا صاحبي، الأهم أن تكون كذلك بالتقسيط المريع، وبالتفصيل الممل، يا ظلي الوفي، أن تذبح على وتر الأغاني في كتاب الاصفهاني ونحيب يحز الرقبة على نغم فيروزي، ووجع شريد يراودني مع وقع زقزقة طربة لكنارٍ هارب من عصر أندلسه الذهبي، وتصفح عنك البطولة بعبور بحر الإنسان في حنايا الرجاء، لتفسير ذاك المؤجل الكامن في سر الرحيل الجاحد، والمتماهي بالبقاء مرة وإلى حدّ الذوبان مراراً.

أحلامك تجتازني ولا تدع للسماء نهاية مفترضة، وأنا مكبل بزنزانة مسورة بحدود مخيم محاط بالممنوع، وروحي تسأل إن كان ثمة ميناء أخير لهذا الضياع. لألقي استباحتي الجديدة كمرساة تستقر بأشرعتي عند أول شاطئ. جسدي مظاهرة غاضبة تسير على ما تبقى لي من قدمين. تقودني إلى وطن يتحسّس جلده في جريان الموت ويفيض بموسم الجنائز.

لا تفترس صاحبك أيها الظل، متاح أن تقتفي أثر القوافل الزاحفة فوق موج الرمال، فأنا أخيط ثوب هويتي من نسيج الروح، أنذرها لبقية القبائل القريشية، علها تعثر على عنترة العبسي في معلقات التاريخ الجديد، حتى تنجو بقية أفخاذها من أنياب وحش العدم، ولا تزبد بشدق الندم المغمور بطعم الملامة المرة . من أجل الذين يتعثّرون في التثاؤب الصباحي. أنت ظلي الراقص في رغوة القهوة، منتشياً في نكهة الغياب.

عندما تعلن التعب، أيها اللصيق الأبدي، توقف عن مطاردتي وانتظرني عند زاوية حادّة من مفترق الهامش، ولا تدع أقدامي تسابق الطريق حين تستهويك مطاردة الشّمس لأنك ظلي وخط السير المباح.





بقلم: مروان عبد العال

7/9/2010

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء