"المقاومة الثقافية" ضرورة إنسانية ليظل لنا مكان من الإعرب.


حوار في الثقافة والادب والسياسة ، اجرته الكاتبة (سالي نوفل) للمنبر الثقافي في مجلة التوحيد اللبنانية، ختمه بالتحدث عن رواية جديدة له بعنوان: "إيفان الفلسطيني" بوصفها تجسيد لشتات الهوية.



مروان عبد العال:"المقاومة الثقافية" ضرورة إنسانية ليظل لنا مكان من الإعرب.
من تقديم المجلة :
.....(لعله آلة الحرب. لعله الألم . لعله ...هموم شعبه وقضية وطنه. أشياء كثيرة تدق موسيقى الحرب على ارض مغتصبة. فتصدر رواياته وكأنها اتية من ذاك الوجع. من تلك الالام ومن ذاك التراب المقدس والتاريخ العظيم لامة قسمها المحتل ولكنها بقيت في اذهان ابنائها كما هي : فلسطين

هي روايات يستعيد خلالها اثار ونتائج النكبات المتتالية، لتشكل مرآة تعكس الشكل الحقيقي للمعاناة. تحاول وضع النقاط على الحروف.والاضاءة على أماكن والألم بطرق متتعدة................

................كأنها أحلام او رسومات اطفال تمر الالام مع حبر قلمه، ليصورها بالشكل الذي تستحق مع لفحة ادبية مميزة. منبر التوحيد حاورت الروائي والرسام والسياسي مروان عبد العال . وتنقلت معه بين حكايا رواياته ).

فكان الحوار على الشكل التالي :

- هل استطاع الفلسطينيون مواجهة محاولات تهويد فلسطين من خلال رفض تهويد الثقافة؟

الثقافة الفلسطينية جزء أصيل من الثقافة العربية. وأمامها تحد أكبر لانها معرضة للالغاء ولكن امكانية تهويدها مسألة مستحيلة، ففي معركة "السرد" مازال الفلسطيني يحمل رواية اصيلة أكثر تصديقا لانها محفورة في المكان والزمان. فمثلا تقوم فكرة "الهولوكوست" لتوحي بان اليهودي ضحية ، تتأسس عليها هوية وذاكرة سوداء، لكنه ضحية ليست في هذا المكان اصلا، بل انها في هذا المكان تأخذ شكل الجلاد. تحاول فيه اقصاء نفسها عن تاريخ وواقع وحياة المنطقة، كونها فكرة مغلقة ترفض وتقصي وتنفي الاخر.

- الصراع على فلسطين هو صراع حول الهوية ما هو دور المثقفين في المحافظة عليها ومنع العدو من تحقيق أهدافه خاصة مع الجيل الجديد؟

كلمة"الهوية" في الحالة الفلسطينية فيها الكثير من الالتباس ، فهي أشكالية بحد ذاتها. كونها تحتفظ لنفسها باستثنائية. حافزها الاول روحي ووجداني يجعل من الثقافة ان تكون متراسها المتقدم ، وهي التي حمت حضورها وبقاؤها في وجه الالغاء والطمس، فكلما برزت الهوية الجامعة صارت اكثر خطرا على العدو من اي شيء اخر ، وكلما تعرضت للمصادرة تصاعدت أليات الدفاع الذاتي عنها. مثلما تشبث فلسطينيو عام 48 بالحرف العربي ، هي تسجيل رمزي لمعركة صيانة هوية. لذلك الجيل الجديد أمام مسئولية اولى في وعي الواقع الفلسطيني المتجزئ وخطر خلق هوايات مشتتة وطارئة، ومسئولية ثانية تمسك بشتات ممتد زمانيا ومكانيا من خلال حفظ الحلم الجماعي و الحس الجمعي الفلسطيني.

- كانت عاصمة القدس العام الماضي عاصمة الثقافة العربية. كيف استطاع الفلسطينيون الاستفادة من الحدث؟

لقد أخذ الموضوع حيزا في الاعلام أكثر من الطابع الثقافي. وهي مسألة صراعية ويجب ان تبقى مستمرة مستمرة وليس مجرد احتفالا سنويا طقوسيا مقررا. ان كنا نستحق القدس بشرا وحجرا ولا نغفل القيم والدور والمكانة لما تتعرض له من تدمير، في فعل ثقافي يستحق منا ان نحولها هي الثقافة الاصيلة و البديلة للسائد في الثقافة العربية، اي تكون مهمازا جادا لتفعيل ثقافة تأصل الصراع وتضعه في مكانته الحضارية ويعيد صناعة صورة الثقافة الوطنية والقومية بدل الثقافة المتهافته في أكثر من ميدان داخل المساحة العربية.

لتكن القدس أم الثقافة العربية وبديل حقيقي للسائد.

- ماذا يكتب المثقف الفلسطيني ؟

كل كاتب له اقانيمه وطريقته في ايصار المعاناة والفلسطيني في فعل وأشغال الثقافي، ويسهم في اعادة انتاج فلسطينيته مهما ختلفت اشكال المعاناة لكن الفلسطيني اينما كان لديه شعور بنقص المكان. اي الوطن الذي يحيا فيه بحرية وكرامة، والاعم كأنما الفلسطيني مازال يعيش في إغتصاب انساني مستمر في حكاية يومية لا تختلف فيها حالة الانسان الفلسطيني كثيرا ، سواء ان بعدت المسافة عن الوطن او قربت.

- تحاول "اسرائيل" سرقت فلسطين من خلال سرقة تاريخها وتراثها ، هل مواجهة ذلك تكون ثقافية؟

المهم ان لا نهزم ثقافيا. الهزيمة العسكرية تحدث اختلالا ، لكن هزيمة العقل تعني هزيمة الانسان ذاته وتطويع لارادته واغتيال لروحه، فالاولى يمكن تعويضها ولكن في الثانية يستحيل، لذلك علينا ان لا نستهين بسلاح الفكر،يمكن للجيوش تهزم لكن الافكار فلا.... الفكرة الاسرائيلية تستند على طمس المكان وتلفيق التاريخ. اي القول بان اسرائيل جزء من تاريخ المكان ، عبر محاولة تزييف شرعية دينية وتاريخية كعمليات التنقيب عن هيكل سليمان واين في المسجد الاقصى . لماذا ؟ للقول ان للشرعية التاريخية أساس يهودي. او في تاريخ" الماسادا" المعروف انها نشيد الدولة الاسرائيلية ، وتخليد لضحايا الماسادا، الذين ابو الاستسلام فحرقوا انفسهم ، لقد تبين في البحث ان " الماسادا" كي لا تكون اختراعا، افتعالا، جرى تلفيق المكان ، ففي البحث التاريخي تبين ان القرية هي " مسعدة " الفلسطينية.. اذا الصراع الثقافي ليس ترفا كما يعتبره البعض . هو جوهر ولب الصراع وربما سلاح المعركة الثقيل، الذي يحتاج الى تنظيم ومشروع ومؤسسة ثقافية بالنسبة للعدو الثقافة ليست ترف ابدا لقد نجحت في فرض تعليم الهولوكوست على المدارس الاوروبية. وسفاراتها نشط في اقامة مؤتمرات اكادمية وعلمية واعلامية، طبعا في ايطاليا على سبيل المثال ، تقوم السفارة الاسرائيلية بمجهود على شتى المستويات بما يفقوق عمل 22 سفارة عربية ، على حد وصف كاتب ايطالي طبعا.

- نلاحظ ان معظم كتاباتك تعبر عن ألم وحرقة، هل هو ألم ناتج عن وجع شعب ام انكار الحكومات وتواطؤها ضده ؟

الكتابة الادبية بالنسبة لي اعمق من السياسة، لان طابعها انساني وأشمل من موقف وحدث ـ ومهمتها رصد تجليات الالم واختلاجات الروح وتراكمات وتحولات تقدم سرد استرجاعي واستشرافي لدائرة واسعة من التفاعلات لا يمكن ايجازها بحالة واحدة بل بحزمة متداخلة من الاطياف والانعكاسات والتأثير والتأثر والكامن والظاهر، ولا تستسلم للالم بل ترنو وتنشد للتغيير ،رغم أني امام المشهد التراجيدي ، أجد نفسي " لا أكتب بالقلم بل بألألم" بما يسهم في زراعة للأمل .

-كتبت مرة مقالا بعنوان " ان كان لا بد من كلمة" اليوم وعبر منبرنا ؟، ماذا يقول مروان عبد العال ان كان لا بد من كلمة يقولها؟

ان الصراع لا يحتاج الى "ثقافة المقاومة" فحسب بل يحتاج الى "مقاومة ثقافية" فقط كي نكون ، ومن اجل ان يظل لنا مكان من الاعرب.

- ماذا عن رواياتك التي تميزت بأنها تحمل وجع الفلسطيني بكل الوانه؟

الرواية الاولى" سفر أيوب" هي رواية واقعية لاشخاص اسطوريين وملتقطة من جيل لم يعد موجودا، مثل جدتي التي هي اول روائية في حياتي. وتتضمن الرواية مقاربة لبعض الاحداث التاريخية بقالب بطلها الذي يطرد من عدة دول عربية وتنهي الرواية بسؤال صارخ على لسان البطل " هل يمكننا ان نبقى ننتظر النبأ العظيم؟

وبعدها كتبت " زهرة الطين" . هي كناية عن تلك الزهرة التي كانت تنبت عفويا بعد اول زخة مطر فوق السطوح الترابية والطينية لمنازل قريتنا في الجليل. وهي حقيقة زهرة البابونج، وعلما اني من جيل ولد في الشتات وانا ولدت في المخيم في لبنان ، والرواية تتحدث عن شخص فقد ذاكرته بعد انتشاله من الغرق ، وبقي تائها بين الدول يبحث عن نفسه، طبعا مرفقا بالسؤال الاحجية: هل من يفقد ذاكرته يستطيع ان يعرف طريق عودته الى دياره؟

والرواية الثالثة كانت "حاسة هاربة" التي ولدت بشكل انفجاري بعد كارثة مخيم نهر البارد. ولحظة الحصار واحتاجزي داخله اثناء المعارك التي ادت الى سحقه. حاولت احصاء مشاعري لحظتها ورصد احاسيسي كفلسطيني يأويه مخيم ونشأ على هوية المكان المستنسخة من هوية فلسطين، كانها تجديد ملموس لرواية النكبة التي حصلت قبل ستون سنة وأكثر. وسمعتها ولكن في الحدث الاخير كأنني عشتها. بذات الاحاسيس التي نطق بها الكبار وحتى كيفيات الندم والفقدان ، كيف نسينا ابوابنا مغلقة وكيف احتفظنا بمفتاح البيت ومن فقد جنى عمره و؟أم نست طفلها وحملت الوسادة، كان الرواية سرد داخلي عميق ومحزن. لذلك أعتز بما قالته كاتبة مغربية حين وصفتها بأنها" أدب التوتر الفسطيني بأمتياز" دون ان تنسيني لحظة الحزن ضرورة القاء القبض على الحاسة الهاربة ، وهي حاسة الحلم الفلسطيني الذي لا يغيب ولن ينكسر.

والرواية الرابعة هي " جفرا....لغاية في نفسها" التي نعرفها كأغنية شعبية من التراث ، لكن في الحقيقة هي قصة عشق فلسطيني، كانت قبل النكبة واستمرت بعدها كأغنية، غادرنا الوطن ولم تغادرنا الاغنية، اردت من خلالها خلق جفرا في المخيم. جفرا لاجئة وعاشقة، وعاشقها يبحث عنها ، في امتداد للنضال الفلسطيني ، بين الداخل والخارج قبل النكبة وبعدها في رحلة بحث عنها من اجل وعد،هو ذاك الخاتم الذي انتزعه من أصبع يهودية، اقد انزعج بعض القراء لان النهاية ليس كما يرغب القارئ، ظل باحثا عنها ووعد الخاتم مازال وعدا على الطريق.لم يجده لاننا يجب ان نبحث عنه جميعا ، وهو حلم جميل كما فلسطين لكنه ليس في السماء ولا تحت ارض بل فوقها.

- وماذا عن جديدك الروائي ؟

لقد إختمت قبل أيام كتابة الفصل الاخير من رواية جديدة ،وكلي أمل ان تصل رسالتها و تكون تصويرا حقيقيا يشكل ذروة اللجوء في الشخصية الفلسطينية وتفاعلتها وتناقضاتها والتي تجسد غربة النفس وشتات الهوية ، احاول فيها ان اقدم الرواية بما يجعل القارئ يشعر ويدرك بان الحياة اكثر تعقيدا مما يظن. وهي تطرح وعي ما يدور في النفس وما حولها. هي رواية بعنوان " ايفان الفلسطيني" عندما يضطر الفلسطيني ان يقوم بالهجرة بعد اللجوء ثم يجبر على تغيير اسمه ، وفيها تتصارع تفاعلات الغربة والهوية والانتماء. تخضع الشخصيات فيها لعملية تشريح داخلي خارج مهمة التأريخ وحتما هي داخل الفعل النقدي لهذا التاريخ.

حوار : سالي نوفل




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر