بين سؤال السياسة وتحديات الحكم
تحية لكم على هذه المبادرة الجدية، التي تطلق نقاشاً وطنياً صريحاً وجريئاً، حول قضية مهمة وحية ومؤثرة في النسيج الاجتماعي الفلسطيني هي قضية اللجوء ومكانتها في الصراع المفتوح وهو المخيم الوجع القديم المتجدد، المخيم الفلسطيني، الذي دخل قاموس السياسة العربية، منذ هزيمة 1948 رديف " النكبة " ونتاجاً للهزيمة، وأضحى بعدها كتعبير عن حالة جديدة في المجتمع العربي، هو كناية عن شعب اقتلع من ترابه، ليزرع في أمكنة متعددة معانداً إنكار المكانة من جهة والاغتيال المكان من جهة أخرى.
لقد فقد الفلسطيني البيت والبيارة والشجرة والحقل، ليجد نفسه تحت خيام قدمتها وكالة الإغاثة الدولية في ضيافة اخوته العرب، أسير تجمعات بقيت جزراً من البؤس والحرمان والقهر، تشكلت في هياكل جديدة وحملت على مدار سنوات اللجوء اسم "المخيم". انتصرنا على النكبة الأولى ومفاعيلها بحفظ الهوية والكرامة والتمسك بالحق والحلم واستمرار المقاومة، ونحن في النكبة الثانية، كيف ننتصر على مفاعيلها ونضمد الجرح الذي لم يبرء حتى اللحظة؟
كان لتشكيل لجنة المتابعة العليا الفلسطينية العليا لإعادة إعمار نهر البارد، ضرورة فرضتها طبيعة السؤال وثقل المهمة حينما تكونت من فريق عمل فلسطيني يتوحّد على قضية بلسمة جراح مخيم البارد ومعها الفصائل الفلسطينية كافة في الشمال واللجان الشعبية والهيئات المجتمعية. من مواقع اختصاصية مختلفة ولكن وفق غاية واحدة. ووفق مستويات عدة:
المســتوى السـياسـي:
إن قضية النظرة السياسية التاريخية للوجود الفلسطيني في لبنان بشكل عام، كرّست نوعاً من الالتباس، حين ندرك معنى التفاهم المرتبك والإجراءات المعطلة والعجز الإداري في التعاطي مع وضعية نهر البارد، الذي من المفترض أن يكون منطلقاً يتجاوز تجارب الماضي ويؤسس إطاراً ونموذجاً واضحاً لعلاقات سليمة لبنانية - فلسطينية، وقفزاً عن محاولات النفخ على جمر هذه العلاقة ، حيث أن هيئة الحوار اللبناني الفلسطيني هي هيئة حوار لبناني - لبناني في الشأن الفلسطيني، ولكنها غير مقرره فيه، لا يمكن أن تتجاوز المشكلات لمجرد تشخيصها، وإشباع الواقع بالدراسات بدون إيجاد مخارج وحلول لهذا الواقع.
حصر مهمة هيئة الحوار بمخيم نهر البارد فقط:
فما زال التفاهم السياسي الفلسطيني اللبناني حول مستقبل المخيم أمر مفقود رغم أنه ضرورة تفترضها العلاقات الأكثر أخوية ورسوخاً، وفق مفهوم الشراكة الوطنية القائمة على احترام الكيانية اللبنانية، وفي نطاق السيادة والكرامة للفلسطيني في إطار حفظ الهوية الوطنية الفلسطينية. هي السياسة العليا والمصلحة المشتركة التي تنظّم وتسنّ الإجراءات اللازمة لتطبيقها، لأن السياسة لا تختصر بالمناشدات ولا تحل بالشكوى والنيات الطيبة فقط بل بصياغة السياسات.
النموذج الاستثناء - نهر البارد:
أن إلقاء الخطب والمحاضرات على أشكالها حول أحجية "إدارة المخيم " ووضع التصورات الأمنية والقانونية والمجتمعية، ومن افتراضات لصيغ قانونية قهرية ومرفوضة عبر عقود ملكية البيوت في المخيم المعاد إعماره إلى مكان المخفر في وسط المخيم إلى التصاريح إلى دور اللجان الشعبية تبقى قاصرة دون فهم وحل منطقي يكون المحدد السياسي للعملية برمتها، والذي يحتاج إلى حوار فلسطيني - لبناني وتفاهم مشترك.
تنامي الشعور بالاضطهاد والتمييز، حين قامت الهيئة العليا للإغاثة اللبنانية بالتعويض للمتضررين اللبنانيين في المخيم وحوله واستثنت الفلسطيني ابن المخيم، ملقية تبعات ذلك على الأنروا التي عملت على الاستفادة من إعلان الدولة اللبنانية باعتبار أن المخيم الجديد منطقة لبنانية يسكنها فلسطينيون، مما حذا بها العمل باعتبار أن وجودها فيه هو وجود مؤقت وطارئ إلى حين انتهاء العمل في القديم.
لقد أقرت الحكومات اللبنانية المتعاقبه وببيانها الوزاري بحتمية الإعمار كالتزام أخلاقي وسياسي أمام المجتمع الدولي، وتسهيل ذلك، لما فيه من مصلحة لتعزيز العلاقات الأخوية اللبنانية - الفلسطينية. ولتنقية الأجواء من رواسب الحدث الذي كان الفلسطيني وابن المخيم ضحيته.
إن المنطق يفترض التعاطي السياسي وعدم تغيبه حتى كمرجع للقضايا الأمنية، ومنها إيجاد حل لقضية التصاريح، أو القانونية لجهة استخدام القانون 2001 المجحف للفلسطينيين بخصوص منع التملك كسلاح في وجهة إعادة إعمار المباني المهدمة وحتى إلى مستوى التشكيك بقانونية بيوت المخيم الجديد، إن الالتزام بتسريع ترميم وإعمار ما تهدّم يقتضى استثناءًا سياسياً واضحاً بتشريع بناء المباني المهدمة في المنطقة المحاذية والتي يسكنها أهل المخيم، ودفع الوزارات المعنية لتقديم الخدمات فيه، إن لناحية إعادة الهاتف الثابت أو لإسقاط أكثر من 500 سيارة احترقت في المخيم وما زالت على أسماء أصحابها يدفعون ضريبتها، تم تقديم كشف بها أكثر من مرة، علماً أنها مشفوعة بموافقات الوزير ورئيس الحكومة. وما زالت بدون حل حتى اللحظة.
المســـتوى الاجتماعي الشــعبي:
وظيفة السياسة هي بناء المجتمع أيضاً وحفظ هويته ومكانته والمخيم عموماً هو الاستثناء الذي يكمن في مجتمع افتقد المكان الأصلي ومخيم نهر البارد بعد نكبته الثانية صار استثناء في الاستثناء، المكان بوصفه حاضنة لنسيج اجتماعي فلسطيني، وهو ركيزة اضطرارية ووعاء يعيد تشكيل صورة الفلسطيني ومكانته وبأشكال متجددّة من هوية اللاجئ الفلسطيني. الذي حمل فيها نسخة مفترضة عن بلدته، تفاعلت عبر سنوات النكبة في إدارة شؤونه الحياتية في شبكة من العلاقات الاجتماعية والتقاليد والعادات والذكريات وحتى الأحلام المشتركة.
ماذا نريد وكيف نرى إدارة المخيم ؟ لقد أنضجنا فكرة لتشكيل مجلس شعبي فلسطيني، تنبثق عنه لجنة شعبية فلسطينية فاعلة، تستمد قوتها التمثيلية وروحها وكفائتها من نبض المخيم وعبر مشاركة مختلف القطاعات المهنية والإجتماعية والوطنية تسهم في بناء المجتمع الفلسطيني واستعادة نسيجه الممزق وتقوم بوظيفتها الإنمائية والخدماتية على كافة الصعد.
إنّ الواجب ليس في التسريع بإعادة الإعمار وبلسمة الجراح بل في منع تمزيق المجتمع عن طريق تشتيت النسيج الاجتماعي، باعتبار أن المخيم شاهد حي على نكبة وجريمة ارتكبت باقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وحافظ للحسّ الجمعي. على مستويين المكانة والمكان، ففي المخيم تعمل 30 جمعية غير حكومية، وتتشكل عشرات الجمعيات المطلبية، جمعيات التجار، أصحاب المباني المهدمة، أحياء المخيم الجديد، هيئة العمل الشعبي، وهيئة مناصرة الإعمار، ولجان النازحيين، وأصحاب الأملاك النهرية .....الخ.
وفي المكان، ولما تمّ تحويل المخيّم إلى فراغ، وتحت إلحاح البناء وإعادة الإعمار من الصفر، في " المخيم القديم " دخلت الاستراتيجية في إعادة صياغة المكان أولاً، في إحداث تقسيم رقمي للحارات والأحياء والأجزاء، في محاولة لبتر الذاكرة الشعبية حتى عن المسميات المخترعة التي تشكّلت عبر سنوات النكبة. مما يؤثر في مكونات المخيم ككتلة اجتماعية. فالخارطة الاجتماعية تبين التالي أن مجموع عدد سكان المخيم حوالي 35 ألف نسمة، منهم 18 ألف في مساحة المخيم، وينقسم المخيم إلى قديم ومخيم جديد أضحى اسمه المنطقة المحاذية للمخيم، في القديم ثمانية رزم، وأحياء الجديد حسب الأحرف الأبجدية الأجنبية وكذلك خمس مجمعات مرقمة للبيوت الجاهزة " البركسات "، تأوي725 عائلة. وهناك 250عائلة خارج الشمال، وعدد العائلات التي تعتبر بلا بيوت وهي مستأجرة داخل المخيم وخارجه 3350 عائلة. ثم هناك حي المهجرين الذي يحوي 102 منزلاً سيعاد بناؤه في القسم الجديد. وأما الأحياء التي لم تسلم وهي مملوكة لأصحابها فهي منطقة A برايم التي تحوي بحدود 35 وحدة سكنية، ومنطقة الأملاك النهرية المتحفظ عليها حتى الآن باعتبارها مشاع نهري، فهي بحدود 30 وحدة سكنية. كذلك مشكلة ما يسمى بعقار 39 و AO وهي مناطق متشابكة وملاصقة بين الجديد والقديم، هذه المشكلة تتجسد بفارق الارتفاع بين المنطقتين. إضافة إلى مشكلة المباني المدمرة تدميراً كلياً، وهي بحدود 232 مبنى ممنوعة من الترميم.
إنّ التغيير المبرمج لمحتوى المخيم ولإعادة تشكيل الشخصية الفلسطينية لما لها من دلالة تعكس روح الانتماء وإنتاج الوعي الجماعي بالذات يمرّ عبر آليات تغيير يعاكس هويته، هو أمر لا بدّ من تركيز الضوء عليه، فثمّة فارق كبير بين المخيم الوعاء الثقافي والوطني، والمخيم الفزّاعة المخيفة وتحويل الوجه النضالي إلى وجه قاتل، بوصفه بؤرة للبؤس والإرهاب معاً. ولعلّ استثناء مخيم نهر البارد كنموذج ما زال ماثلاً للعيان، فهو مخيم منتج اقتصادياً، قبل التدمير صار مخيماً يعيش على الإغاثة وكأنّ إعادة الفلسطيني إلى المربّع الأول لسنوات النكبة كمتسول على أعتاب الدول المانحة، أي بمفهوم الضحيّة السلبية.
حين يتحوّل المكان إلى بقعة خارجة عن القانون، يكون المخيم قد أُدخل في ذهنية الآخر بوصفه مسبّباً للجريمة وليس ضحيتها. لذلك تدمير روح المكان، يتم عندما يتحوّل المخيم إلى دائرة مغلقة أمنياً يصبح المكان فيه يقارب مفهوم " الغيتو " ، ومن خلال عملية تنقيح الداخل إليه والخارج منه، هذه تعبر عن سياسة ترسم صورة الفلسطيني بوصفه مشروعاً للفتنة بطبيعته، إلى درجة تحويل المكان نفسه إلى لعنة على ساكنيه.
لذلك فإن تصوّرنا لما نريد، وما نراه يشكل أساساً لحفظ المخيم مكاناً ومكانة ويصون السيادة اللبنانية والفضاء الوطني الفلسطيني، ويشكل نموذجاً إيجابياً للعلاقة الصحية والصحيحة بين المخيم والجوار ويقوي أسس العلاقات اللبنانية - الفلسطينية. من خلال الاعتراف باللجنة الشعبية الفلسطينية، كإطار تمثيلي شامل. يعنى بالخدمات الاجتماعية والأهلية وينظم شؤون وحياة الناس في المخيم بالتنسيق الكامل مع البلديات المحيطة وإدارة الأنروا والدولة اللبنانية.
المســتوى الــفني:
إنه جانب الإعمار والإغاثة هو من مسؤولية الأنروا، مع شركاء من طرف الحكومة اللبنانية و الطرف الفلسطيني بتكوناته الرسمية والوطنية، والقوى المحلية من الاجتماعية والسياسية والأهلية، وذلك وفق قرارات الدول المانحة للإعمار في مؤتمر فينا، إن ما تم توفيره من المبالغ المخصصة للإعمار والتي تسلمتها الأنروا بلغ حتى الآن 344.7 مليون دولار أمريكي وهو ما يكفي لإعمار ثلاث رزم من أصل ثمانية رزم. وأن الأموال اللازمة لاستكمال الإعمار 210 هي مليون دولار أمريكي. في حين أن المبلغ المتوفر لا يشمل إعمار المدارس، لكنه عرضة للتناقص كلما طال أمد مدة الإنجاز. ولنعلم أنه بعد إزالة الركام والأجسام المشبوهة واستملاك الأرض، أعلن عن الشروع بالإعمار إعلامياً ورسمياً من خلال وضع حجر الأساس تم في: 9-3- 2009م والموافقة على المخطط التوجيهي للبناء تم في : نهاية أيار عام 2009م والإعلان الثاني عن بدء الإعمار فعلياً تم في : 29 – 6 – 2009 م ، وتم وقف الإعمار بقرار من مجلس شورى الدولة بسبب مشكلة الآثار لشهرين، وبدأ الإعمار فعلياً في أواخر 2009 بداية 2010 ، على أن يتم التسليم للرزمة الأولى نهاية 2010 م وتجاوز التأخير الشهور الثلاث. ومن المنتظر عودة أهالي القطاع الأول من الرزمة الأولى خلال أيام، حيث يبلغ عدد العائلات 231 عائلة مقسّمة كما يلي 99 عائلة في N1 و 132 عائلة في N2...حيث ما زالت عملية التشطيب مستمرة من دهان وتبليط وأعمال الصحية.
لأن هناك شكوى مستمرة من التأخير، من أن لا يكون التسريع على حساب المواصفات، ومشاكل الغش والفساد ومساحات البيوت وتطبيقها وفق خرائط التحكيم وقبولها من الأهالي والطعون المقدمة، والمتابعة الفنية والرقابة، وتجاوز المشكلات الهندسية التي تظهر في كل مرحلة، فهذا يتطلب بالضرورة ضرورة استعادة الهيئة الأهلية بوصفها الأداة الفنية والمهنية والإستشارية الصرف، في إطار علاقتها مع الجهات الثلاث، الفلسطينية والحكومة اللبنانية والأنروا.
إن الأمر يتطلب مسؤولية عالية ومعالجة سريعة لكل الخلافات داخلها وصولاً إلى هيئة إدارية فنية جديدة، تضع بعين الإعتبار المصلحة العامة فوق أي مصلحة أخرى.
إنها روافع مطلوبة لمرحلة جديدة تحمل على عاتقها تحقيق توجهاتنا القادمة والتي رفعت كنقاط للجهات المعنية وهي:
1- التمويل، لإستمرار الإغاثة واستكمال الإعمار، والتسريع فيه ما أمكن، والتعويضات عن خسائر الممتلكات والتجار.
2- حل القضايا القانونية المتعلقة، بالبناء المهدم، والدعوة لإعادة إعمار وترميم مباني المخيم الجديد بلا استثناء، كما كانت ووفق وعد الحكومة السابقة.
3- اللجوء إلى محاكمة عادلة للموقوفين من أبناء المخيم وتبرئة البريء أو إدانة المذنب.
4- إستعادة الحياة الطبيعية والمدنية والإقتصادية للمخيم، برفع الحالة العسكرية، بحكم أن الأسباب التي استدعت ذلك قد أنتهت.
5- اعتبار ان إعادة إعمار البارد وترسيخه كنموذج في العلاقات اللبنانية - الفلسطينية هي عملية سياسية تتطلب تفاهم مشترك ومدخلاً سياسياً للحوار مع الحكومة اللبنانية
مروان عبد العال
قدمتا في ( مؤتمر نهر البارد ....أولوية الإنقاذ والإعمار) الذي اقامه مكتب شؤون اللاجئين – المنعقد في بيروت بتاريخ 31-4-2011
لقد فقد الفلسطيني البيت والبيارة والشجرة والحقل، ليجد نفسه تحت خيام قدمتها وكالة الإغاثة الدولية في ضيافة اخوته العرب، أسير تجمعات بقيت جزراً من البؤس والحرمان والقهر، تشكلت في هياكل جديدة وحملت على مدار سنوات اللجوء اسم "المخيم". انتصرنا على النكبة الأولى ومفاعيلها بحفظ الهوية والكرامة والتمسك بالحق والحلم واستمرار المقاومة، ونحن في النكبة الثانية، كيف ننتصر على مفاعيلها ونضمد الجرح الذي لم يبرء حتى اللحظة؟
كان لتشكيل لجنة المتابعة العليا الفلسطينية العليا لإعادة إعمار نهر البارد، ضرورة فرضتها طبيعة السؤال وثقل المهمة حينما تكونت من فريق عمل فلسطيني يتوحّد على قضية بلسمة جراح مخيم البارد ومعها الفصائل الفلسطينية كافة في الشمال واللجان الشعبية والهيئات المجتمعية. من مواقع اختصاصية مختلفة ولكن وفق غاية واحدة. ووفق مستويات عدة:
المســتوى السـياسـي:
إن قضية النظرة السياسية التاريخية للوجود الفلسطيني في لبنان بشكل عام، كرّست نوعاً من الالتباس، حين ندرك معنى التفاهم المرتبك والإجراءات المعطلة والعجز الإداري في التعاطي مع وضعية نهر البارد، الذي من المفترض أن يكون منطلقاً يتجاوز تجارب الماضي ويؤسس إطاراً ونموذجاً واضحاً لعلاقات سليمة لبنانية - فلسطينية، وقفزاً عن محاولات النفخ على جمر هذه العلاقة ، حيث أن هيئة الحوار اللبناني الفلسطيني هي هيئة حوار لبناني - لبناني في الشأن الفلسطيني، ولكنها غير مقرره فيه، لا يمكن أن تتجاوز المشكلات لمجرد تشخيصها، وإشباع الواقع بالدراسات بدون إيجاد مخارج وحلول لهذا الواقع.
حصر مهمة هيئة الحوار بمخيم نهر البارد فقط:
فما زال التفاهم السياسي الفلسطيني اللبناني حول مستقبل المخيم أمر مفقود رغم أنه ضرورة تفترضها العلاقات الأكثر أخوية ورسوخاً، وفق مفهوم الشراكة الوطنية القائمة على احترام الكيانية اللبنانية، وفي نطاق السيادة والكرامة للفلسطيني في إطار حفظ الهوية الوطنية الفلسطينية. هي السياسة العليا والمصلحة المشتركة التي تنظّم وتسنّ الإجراءات اللازمة لتطبيقها، لأن السياسة لا تختصر بالمناشدات ولا تحل بالشكوى والنيات الطيبة فقط بل بصياغة السياسات.
النموذج الاستثناء - نهر البارد:
أن إلقاء الخطب والمحاضرات على أشكالها حول أحجية "إدارة المخيم " ووضع التصورات الأمنية والقانونية والمجتمعية، ومن افتراضات لصيغ قانونية قهرية ومرفوضة عبر عقود ملكية البيوت في المخيم المعاد إعماره إلى مكان المخفر في وسط المخيم إلى التصاريح إلى دور اللجان الشعبية تبقى قاصرة دون فهم وحل منطقي يكون المحدد السياسي للعملية برمتها، والذي يحتاج إلى حوار فلسطيني - لبناني وتفاهم مشترك.
تنامي الشعور بالاضطهاد والتمييز، حين قامت الهيئة العليا للإغاثة اللبنانية بالتعويض للمتضررين اللبنانيين في المخيم وحوله واستثنت الفلسطيني ابن المخيم، ملقية تبعات ذلك على الأنروا التي عملت على الاستفادة من إعلان الدولة اللبنانية باعتبار أن المخيم الجديد منطقة لبنانية يسكنها فلسطينيون، مما حذا بها العمل باعتبار أن وجودها فيه هو وجود مؤقت وطارئ إلى حين انتهاء العمل في القديم.
لقد أقرت الحكومات اللبنانية المتعاقبه وببيانها الوزاري بحتمية الإعمار كالتزام أخلاقي وسياسي أمام المجتمع الدولي، وتسهيل ذلك، لما فيه من مصلحة لتعزيز العلاقات الأخوية اللبنانية - الفلسطينية. ولتنقية الأجواء من رواسب الحدث الذي كان الفلسطيني وابن المخيم ضحيته.
إن المنطق يفترض التعاطي السياسي وعدم تغيبه حتى كمرجع للقضايا الأمنية، ومنها إيجاد حل لقضية التصاريح، أو القانونية لجهة استخدام القانون 2001 المجحف للفلسطينيين بخصوص منع التملك كسلاح في وجهة إعادة إعمار المباني المهدمة وحتى إلى مستوى التشكيك بقانونية بيوت المخيم الجديد، إن الالتزام بتسريع ترميم وإعمار ما تهدّم يقتضى استثناءًا سياسياً واضحاً بتشريع بناء المباني المهدمة في المنطقة المحاذية والتي يسكنها أهل المخيم، ودفع الوزارات المعنية لتقديم الخدمات فيه، إن لناحية إعادة الهاتف الثابت أو لإسقاط أكثر من 500 سيارة احترقت في المخيم وما زالت على أسماء أصحابها يدفعون ضريبتها، تم تقديم كشف بها أكثر من مرة، علماً أنها مشفوعة بموافقات الوزير ورئيس الحكومة. وما زالت بدون حل حتى اللحظة.
المســـتوى الاجتماعي الشــعبي:
وظيفة السياسة هي بناء المجتمع أيضاً وحفظ هويته ومكانته والمخيم عموماً هو الاستثناء الذي يكمن في مجتمع افتقد المكان الأصلي ومخيم نهر البارد بعد نكبته الثانية صار استثناء في الاستثناء، المكان بوصفه حاضنة لنسيج اجتماعي فلسطيني، وهو ركيزة اضطرارية ووعاء يعيد تشكيل صورة الفلسطيني ومكانته وبأشكال متجددّة من هوية اللاجئ الفلسطيني. الذي حمل فيها نسخة مفترضة عن بلدته، تفاعلت عبر سنوات النكبة في إدارة شؤونه الحياتية في شبكة من العلاقات الاجتماعية والتقاليد والعادات والذكريات وحتى الأحلام المشتركة.
ماذا نريد وكيف نرى إدارة المخيم ؟ لقد أنضجنا فكرة لتشكيل مجلس شعبي فلسطيني، تنبثق عنه لجنة شعبية فلسطينية فاعلة، تستمد قوتها التمثيلية وروحها وكفائتها من نبض المخيم وعبر مشاركة مختلف القطاعات المهنية والإجتماعية والوطنية تسهم في بناء المجتمع الفلسطيني واستعادة نسيجه الممزق وتقوم بوظيفتها الإنمائية والخدماتية على كافة الصعد.
إنّ الواجب ليس في التسريع بإعادة الإعمار وبلسمة الجراح بل في منع تمزيق المجتمع عن طريق تشتيت النسيج الاجتماعي، باعتبار أن المخيم شاهد حي على نكبة وجريمة ارتكبت باقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وحافظ للحسّ الجمعي. على مستويين المكانة والمكان، ففي المخيم تعمل 30 جمعية غير حكومية، وتتشكل عشرات الجمعيات المطلبية، جمعيات التجار، أصحاب المباني المهدمة، أحياء المخيم الجديد، هيئة العمل الشعبي، وهيئة مناصرة الإعمار، ولجان النازحيين، وأصحاب الأملاك النهرية .....الخ.
وفي المكان، ولما تمّ تحويل المخيّم إلى فراغ، وتحت إلحاح البناء وإعادة الإعمار من الصفر، في " المخيم القديم " دخلت الاستراتيجية في إعادة صياغة المكان أولاً، في إحداث تقسيم رقمي للحارات والأحياء والأجزاء، في محاولة لبتر الذاكرة الشعبية حتى عن المسميات المخترعة التي تشكّلت عبر سنوات النكبة. مما يؤثر في مكونات المخيم ككتلة اجتماعية. فالخارطة الاجتماعية تبين التالي أن مجموع عدد سكان المخيم حوالي 35 ألف نسمة، منهم 18 ألف في مساحة المخيم، وينقسم المخيم إلى قديم ومخيم جديد أضحى اسمه المنطقة المحاذية للمخيم، في القديم ثمانية رزم، وأحياء الجديد حسب الأحرف الأبجدية الأجنبية وكذلك خمس مجمعات مرقمة للبيوت الجاهزة " البركسات "، تأوي725 عائلة. وهناك 250عائلة خارج الشمال، وعدد العائلات التي تعتبر بلا بيوت وهي مستأجرة داخل المخيم وخارجه 3350 عائلة. ثم هناك حي المهجرين الذي يحوي 102 منزلاً سيعاد بناؤه في القسم الجديد. وأما الأحياء التي لم تسلم وهي مملوكة لأصحابها فهي منطقة A برايم التي تحوي بحدود 35 وحدة سكنية، ومنطقة الأملاك النهرية المتحفظ عليها حتى الآن باعتبارها مشاع نهري، فهي بحدود 30 وحدة سكنية. كذلك مشكلة ما يسمى بعقار 39 و AO وهي مناطق متشابكة وملاصقة بين الجديد والقديم، هذه المشكلة تتجسد بفارق الارتفاع بين المنطقتين. إضافة إلى مشكلة المباني المدمرة تدميراً كلياً، وهي بحدود 232 مبنى ممنوعة من الترميم.
إنّ التغيير المبرمج لمحتوى المخيم ولإعادة تشكيل الشخصية الفلسطينية لما لها من دلالة تعكس روح الانتماء وإنتاج الوعي الجماعي بالذات يمرّ عبر آليات تغيير يعاكس هويته، هو أمر لا بدّ من تركيز الضوء عليه، فثمّة فارق كبير بين المخيم الوعاء الثقافي والوطني، والمخيم الفزّاعة المخيفة وتحويل الوجه النضالي إلى وجه قاتل، بوصفه بؤرة للبؤس والإرهاب معاً. ولعلّ استثناء مخيم نهر البارد كنموذج ما زال ماثلاً للعيان، فهو مخيم منتج اقتصادياً، قبل التدمير صار مخيماً يعيش على الإغاثة وكأنّ إعادة الفلسطيني إلى المربّع الأول لسنوات النكبة كمتسول على أعتاب الدول المانحة، أي بمفهوم الضحيّة السلبية.
حين يتحوّل المكان إلى بقعة خارجة عن القانون، يكون المخيم قد أُدخل في ذهنية الآخر بوصفه مسبّباً للجريمة وليس ضحيتها. لذلك تدمير روح المكان، يتم عندما يتحوّل المخيم إلى دائرة مغلقة أمنياً يصبح المكان فيه يقارب مفهوم " الغيتو " ، ومن خلال عملية تنقيح الداخل إليه والخارج منه، هذه تعبر عن سياسة ترسم صورة الفلسطيني بوصفه مشروعاً للفتنة بطبيعته، إلى درجة تحويل المكان نفسه إلى لعنة على ساكنيه.
لذلك فإن تصوّرنا لما نريد، وما نراه يشكل أساساً لحفظ المخيم مكاناً ومكانة ويصون السيادة اللبنانية والفضاء الوطني الفلسطيني، ويشكل نموذجاً إيجابياً للعلاقة الصحية والصحيحة بين المخيم والجوار ويقوي أسس العلاقات اللبنانية - الفلسطينية. من خلال الاعتراف باللجنة الشعبية الفلسطينية، كإطار تمثيلي شامل. يعنى بالخدمات الاجتماعية والأهلية وينظم شؤون وحياة الناس في المخيم بالتنسيق الكامل مع البلديات المحيطة وإدارة الأنروا والدولة اللبنانية.
المســتوى الــفني:
إنه جانب الإعمار والإغاثة هو من مسؤولية الأنروا، مع شركاء من طرف الحكومة اللبنانية و الطرف الفلسطيني بتكوناته الرسمية والوطنية، والقوى المحلية من الاجتماعية والسياسية والأهلية، وذلك وفق قرارات الدول المانحة للإعمار في مؤتمر فينا، إن ما تم توفيره من المبالغ المخصصة للإعمار والتي تسلمتها الأنروا بلغ حتى الآن 344.7 مليون دولار أمريكي وهو ما يكفي لإعمار ثلاث رزم من أصل ثمانية رزم. وأن الأموال اللازمة لاستكمال الإعمار 210 هي مليون دولار أمريكي. في حين أن المبلغ المتوفر لا يشمل إعمار المدارس، لكنه عرضة للتناقص كلما طال أمد مدة الإنجاز. ولنعلم أنه بعد إزالة الركام والأجسام المشبوهة واستملاك الأرض، أعلن عن الشروع بالإعمار إعلامياً ورسمياً من خلال وضع حجر الأساس تم في: 9-3- 2009م والموافقة على المخطط التوجيهي للبناء تم في : نهاية أيار عام 2009م والإعلان الثاني عن بدء الإعمار فعلياً تم في : 29 – 6 – 2009 م ، وتم وقف الإعمار بقرار من مجلس شورى الدولة بسبب مشكلة الآثار لشهرين، وبدأ الإعمار فعلياً في أواخر 2009 بداية 2010 ، على أن يتم التسليم للرزمة الأولى نهاية 2010 م وتجاوز التأخير الشهور الثلاث. ومن المنتظر عودة أهالي القطاع الأول من الرزمة الأولى خلال أيام، حيث يبلغ عدد العائلات 231 عائلة مقسّمة كما يلي 99 عائلة في N1 و 132 عائلة في N2...حيث ما زالت عملية التشطيب مستمرة من دهان وتبليط وأعمال الصحية.
لأن هناك شكوى مستمرة من التأخير، من أن لا يكون التسريع على حساب المواصفات، ومشاكل الغش والفساد ومساحات البيوت وتطبيقها وفق خرائط التحكيم وقبولها من الأهالي والطعون المقدمة، والمتابعة الفنية والرقابة، وتجاوز المشكلات الهندسية التي تظهر في كل مرحلة، فهذا يتطلب بالضرورة ضرورة استعادة الهيئة الأهلية بوصفها الأداة الفنية والمهنية والإستشارية الصرف، في إطار علاقتها مع الجهات الثلاث، الفلسطينية والحكومة اللبنانية والأنروا.
إن الأمر يتطلب مسؤولية عالية ومعالجة سريعة لكل الخلافات داخلها وصولاً إلى هيئة إدارية فنية جديدة، تضع بعين الإعتبار المصلحة العامة فوق أي مصلحة أخرى.
إنها روافع مطلوبة لمرحلة جديدة تحمل على عاتقها تحقيق توجهاتنا القادمة والتي رفعت كنقاط للجهات المعنية وهي:
1- التمويل، لإستمرار الإغاثة واستكمال الإعمار، والتسريع فيه ما أمكن، والتعويضات عن خسائر الممتلكات والتجار.
2- حل القضايا القانونية المتعلقة، بالبناء المهدم، والدعوة لإعادة إعمار وترميم مباني المخيم الجديد بلا استثناء، كما كانت ووفق وعد الحكومة السابقة.
3- اللجوء إلى محاكمة عادلة للموقوفين من أبناء المخيم وتبرئة البريء أو إدانة المذنب.
4- إستعادة الحياة الطبيعية والمدنية والإقتصادية للمخيم، برفع الحالة العسكرية، بحكم أن الأسباب التي استدعت ذلك قد أنتهت.
5- اعتبار ان إعادة إعمار البارد وترسيخه كنموذج في العلاقات اللبنانية - الفلسطينية هي عملية سياسية تتطلب تفاهم مشترك ومدخلاً سياسياً للحوار مع الحكومة اللبنانية
مروان عبد العال
قدمتا في ( مؤتمر نهر البارد ....أولوية الإنقاذ والإعمار) الذي اقامه مكتب شؤون اللاجئين – المنعقد في بيروت بتاريخ 31-4-2011
تعليقات
إرسال تعليق