"إيفان الفلسطيني": الشخصية الإشكالية
بقلم :أنيس محسن
"إيفانُ الفلسطيني" تشبهُ كلَّ الفلسطينيين، بل كل المقهورين الباحثين عن مكانة بعد فقدان المكان.
إنها خامسُ رواياتِ الأديبِ والكاتبِ والفنانِ التشكيلي الفلسطيني والسياسي القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مروان عبد العال، لكنها تختلف عن أقرانها، وعن كثير من الروايات الفلسطينية، بل العربية، من حيث تناولها شخصية إشكالية مغرقة في السلبية، ومعالجتها كحالة إنسانية واقعية لها افراحها واتراحها ومشاعرها.
"إيفان" هي القضيةُ التي دخلتْ تفاصيلَ حياتِنا وذاكِرَتِنا، من لعبةِ النملِ الأسودِ والنملِ الأحمرِ التي يعيدُنا الكاتبُ معها الى لعبةٍ صبيانيةٍ فيجعلُ جحافِلَهم تتقاتلُ كأخيارٍ هم نحن وأشرارٍ هم "اليهود".. الى لحظةِ انتحارِ إيفان.
أما ما بينهُما فهم أشخاصٌ نعرفُهم، هم نحن.. أقاربنا، هم المُصْطَفّونَ امامَ مراكزِ التموين التابعةِ للاونروا من اجلِ بعضِ الحصصِ التموينية، هم المدرسةُ في المخيم والخيمةُ قبلها، والمنزلُ المتداعي، والحياةُ اليوميةُ الصعبةُ، ودخولُ الفدائيين الى حياتِنا المحطمة والشعورُ بالانعتاقِ ونسماتِ الحريةِ والعودةِ الى الارضِ المقتلعةِ والحياةِ المسلوبة... لكنها انكسارنُا ايضا وايضا، بل ان انكسارَنا هو الخيطُ الذي تسيرُ عليه "ايفان الفلسطيني"، تتخلصْ من البطلِ النمطي الذي يقاتلُ وينتصرُ او يُستشهدُ، وهي ميتة فيها من العز والفخر كي نتمناها، وتتعاملُ مع البطلِ التراجيدي الواقعي الذي يمتلكُ مشاعرَ انسانيةٍ وانكساراتٍ انسانيةٍ وانانيةٍ هي جزء من تلك المشاعر. تنتقدُ حتى التجربة الأولى للعملِ الفدائيِ الذي تفوحُ منه رائحةُ الأحذيةِ (وهنا اقتباس بتصرف عن حوار يخوضه إيفان في سياق الرواية)، ليس تبرءا للكاتب من العمل الفدائي انما نقدا لسلبية إيفان من جهة، وكذلك لسلبياتٍ عاصرت هذه المرحلة ايضا.
لكن البديلَ المختارُ ليس أحد من الشخصيتين الرئيسيتين في الروايةِ، ايفان وصخر، فلا الهروبُ من الانتماءِ (أي تغييرُ الإسمِ والهويةِ عند ايفان)، ولا الهروبُ الى الخمرةِ والسُكْرِ عند صخر هو الحل. الحلانْ انتحارٌ:
• الاول بفعلٍ مباشرٍ من الباحثِ عن انتماءٍ جديدٍ لا ينالُهُ وانتماءٌ قديمٌ لا ينساهُ... فينتحر.
• والهاربُ من هزيمتِه الذاتيةِ والموضوعيةِ، في مرحلة العمل الفدائي، نحو الانعزالِ ومعاقرةِ الخمرةَ، ينتحرُ أيضا ببطءٍ.
أما البديلُ، فلا يقترحُهُ الكاتبُ، ليس هربا او تقصيرا، انما للابتعادِ عن الفَرضِ والقطعِ، فالبديلُ باتَ بمتناوَلِ اليدِ، وعلى من يريدُ ان يختارَ البديلَ أن يقومِ بذلكَ بنفسِهِ وليس عبر تلقينٍ من شخصٍ اخر، أو عبر رواية.
أما أسلوبُ الكتابةِ في الروايةِ، فهو أشبه بريشة ترسم لوحاتٍ متنوعةٍ: من الطبيعةِ كما يراها فنانٌ تشكيليٌ، الى الأشخاصِ ليس كأجسادٍ فقط أنما كحالةٍ انسانيةٍ باضطرابِها وهدوئِها وبكلِ خَلَجاتِها.
تعليقات
إرسال تعليق