وما زال الشريط شائكاً


تدلع لسانك الدامي، يقطر من جرح غائر تركته صورتك المرعبة كل يوم على شفاه الصباح؟ مهما استعرت من كنايات ، كن ما شئت ، السلك الحديدي او الحزام الآمن، الحاجز أو المعبر أو الخط الحدودي... لا فرق ، في كل الحالات ، تلاحقني كتعويذة أبدية، كمأساة تعربش على مسائي الوردي ، تتوقف عجلات الطرق وأنت لا تزال مستمرا ً. سيدي الشريط لا تزاحم ثيابي مع حبل الغسيل، ورقبتي مع ربطة العنق، أيها الشريط الشائك لا تتربص بي خلف النافذة.
ما زال عهدك يتفشى ، ونظامك يأبى السقوط ، تجهر بصمتك الرخيم يذيع أسرارنا وينشر أرشيف مسيرتنا بين السريس والبلان الى ما بين الاقحوان وشجر الرمان . سيدي الشريط الاعمى الذي ظل شاهدا يرخي ستائره السوداء على جسد الوطن، تركته يتجلى خلفك لنراه بكل الحواس.
هناك سمعت قلبي يقرع كرنين جرس الماعز ، يسبقني كقبرات البيادر، يبحث في أكوام الحصاد عن مونة بيتية. لن يطاوعك قلب العاشق حتى تجتاز خلفي جغرافيا المسافات، يستفزني وجه "هولاكو" فيك حين يقفل بوابة التاريخ على غزوة همجية ، تستأنس بأنيابك الجارحة حتى اشعار آخر.
كبرت معنا وانت تكتب على اقدامنا خطوط الطول والعرض و تسقي تربة الحنين بكل الالوان. شريط ساخر للخط الاحمر هنا وآخر وهمي للأزرق هناك . شريط لجديَلة طفلة وآخر يفصل ما بينها وبين أرجوحتها. شريط يحمل حقائب سفرنا .
وطن مصلوب على شريط شائك ، شريط جديد يطل من الافق، يشق القلب والوردة والشارع ونسمة المساء وباحة الدار، تمزق أعشاش العصافير وتبعثر قبلات العاشقين ، شريط يحلق في سماء "ارم ذات العماد". كل يوم يخدش اهدابي شريط انيق واليف وقاتل يلتف على المخيم ، يتجدد ويتمدد كأفعى افريقية رقطاء.
الشريط الشائك والحرية خطان متوازيان لا يلتقيا.
متى ستحمل سيفك وترحل ؟ تلقي التحية على جرحنا قبل البحر بقليل وتفارقنا... تتحول أكوام الحديد في قلبك الى فقاعة ماء دافئة ، تنغرس كرمح في عين الصحراء ، تكتوي وتكتحل بالرمل وتحمل بقاياك على بساط الريح...
قد تعثر هناك على أشرعتي، عالقة على سعف النخيل، تتدحرج مع حجارة روحي على خشبة مسرح عابر، سأقول أنك أديت دورك "الدكتاتوري" ببطولة ملحمية...وتذكر كم مرة غمرنا البحر الى حد العبث... شريط جديد يطل من غمامة السماء كمشنقة استعمارية ، تعلن أعدام الشاطئ وتقص رأس الصيف وتمنعني من العبور لزيارة أضرحة الشهداء..
الى حين يجدنا وطن ينتظر على محطة سفر قابل للحب وللعودة . وطن من موج يغسلني من وسخ الطرقات ويروض أحلامي الوحشية بزبد النشوة المالحة . من بلدة تسكن تحت ظلال زيتونها وتسهر فينا ، كي تستعيد عيون صبية غافية تحت خدر الشفق الجميل. نشرب معاً ، ذنوب الليل فكرة فكرة و نجمة نجمة. ونطبع مع القمر أول قبلة على جبين المساء..
هذه أوراق الصفصاف، تراوغ ساحة القرية وبئر الماء و لا تجرح الريح ، وانت الاكثر قساوة من جلاد يغرسك شوكا وحقدا في عيوننا، يا ليتنك تدعني وشأني ، وترحل! يا ليتك تنسى انك شريط شائك يزنرني ويعتقل خاصرة الوطن ،وتصدمك موجة الشوق عندما يلعق عطشي ثدي السماء بعشق ترابي النكهة. سأنزع أضراسك السامة ولن أخدش أعراس البلابل ...
يا ليتني شريط للعزف الشجي على وجع الدروب، كي تنسحب أنت من دمي ، تجر خلفك أذيال الهزيمة واخرج أنا من زمن "الإلياذة" الى صحراء التيه، ولن أقترف بحضورك الشرعي أي ضلال،وقنديل الروح يزف لموسم الجفاف كل هذا المطر.
مروان عبد العال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء