أعترف أنك كنعانية


هناك في رواق داخل نفسي، ثمة أجزاء مني تتوقع قدومها وهي تلهج بك، تدخل ألى بيت في وطن يسكن في قاع نفسي . قد تراوغ نفسك في العودة الى الغد الآتي ، كم مرة أيقنت انك قد عدت ثانية وأنك أنت الزمن المستمر الذي لم ينقرض ، كم سنة وكم صمت أضاعك ؟ هكذا نحن ننفذ بجلدنا لنجري عملية فحص فلسطيني دقيق لخلايا الزمن.
كنعانية كالصباح ممرغة برائحة الخبيزة ، في حرجها ينام المساء . لقد حانت ساعة السنونو ، عند غروب خريفي ، كان قد فاتها ان تتنفس قسطها من الهواء، تمردت أعشاشها لتكتب ما تشاء من دوائر عشقه اللامتناهية . ربما ! هي أمر نسبي ولكنه الجنون عندما يمارس أحلامه المكبلة في الهواء الطلق .
كنعانية محررة من أي لقب. صباحك حدائق من جنة الروح. اخجلتني كلماتك، فانحنت لها سجايا القلب، كي تقبل تراب تحبو عليه حروفك الابجدية. تدهشه انثى الصلاة خلف خطي الوهمي.
كنعانية تقول : لا يليق بي أن أتيك مزينة بلقب هو ليس جزءا من وجع الحروف وهو يدخلها تحت جناحيه ليصنع من حروفه طائرات ورقيه ، ويوزع قبلاته العنقودية على وجنات القلب الصغير.
تتعرى الأسماء فتزداد غواية. تتوزع أحرفه على اصابعي كي اكتبه. وفي كل لحظة أحس بجفاف يناجيني متلهفا يتنقل بين الشفتين كي أنطقه.
لك ان تنطقه بلغة بيضاء ناصعة بالصمت ، فالاسم لنا وليس ملكنا هو ملك الاخر وعندما يكون الاخر على سعة نجومك يصير للاسم نغماَ كاهمس الفصول ، في الشتاء سقوط المطر فوق سقف "الزينكو " في الصيف قرع ناقوس الكنيسة ومع نسمات الخريف رنة الخلخال وتزهر مع الربيع زقزقة البلابل . وأبقى انطق تراتيل اسمك، لتسمعني البلاد ، فيعاودني صداه ويخترقني بمعناه.
أعترف أنك كنعانية حتى الخصب، بلون القمح وطعم الفاكهة الصيفية، وحدودك تكون أينما تصل في الأرض مواسم العصافير. نلتقي عند " مغارة عيشة" ، نعثر فيه على القصيدة الضائعه . أنا أعيد ترميمها وأنت تغرقين بتطريزها، كلينا نلبسها من وصايا منقوشة على حجر ونحن نرسم وحدتنا بوجود ألآخر فينا.
ارسمي عشق عذري عند "جورة التفاح" في مسالك الزمن الذي لا بداية له وخذيني طفلا يولد ثانية، نحو زمن شفوي، ومكان حسي ، حيث يتوسد أرجوحتك على شجرة " السدر". تعبرني سنونوات أحلامك. و مسالك الزمن ترسمني هيكلا أبديا نقيم فيه طقوس الغزل عند نبع العسل.
مسالك الزمن ، شهية كالسفر و سرمدية كالحياة ، يغريني جناح الطائرة ، يورطني في غفوة على بساط الريح فوق رحلة وثيرة وآمنة ودافئة كأريكة بيتية ، يرقص الجناح الاخر معك وبك على نبضات تشبه إيقاع إيحائي ... يصهرنا معاً في إناء يتلألئ تحت أشعة ما فوق القلب البنفسجي ....
امباح لي أن أسكن مسكب النعناع الذي في بيتك?? أن تخبز التنور وتنتظر وتشرب تعبها كمرارة الشاي الثقيل...حين يهطل من خديها عبق القرنفل ويتسلل الى مسامها نهر خائف من ضفاف التوابل.
لا تخف ما بيينا خبز المعنى وملح الكلام و جرح النعناع حين يتكئ على طراوته يسكن مسكبه ويتدلى أخضرارا ، وهي تتدلل على فخارها مثل حروف الماء، لتصير قصيدة تخاف أنت لفظها لأنها لك. ننحاز لساعة السنونو دائما..حين تلعب في حارات المساء كعجقة أولاد الحارة .
ظل السنونو بالنسبة لي طائر ملائكي، قيل أنه يرافق ارواح الشهداء وانه يؤدي مناسك الحج... وفي كل خريف قبل ان تقتات الطيور زادها تلفت للتحليق صوب جنوب ، وطالما انت هناك ، لذا فإن جنوبها هو جنونها.
يكفى ان امرر يدي على صباحها حتى يكللني عطرها على مدى النهار. وانا امضغها في عتمة الليل كي تشرق نجومها رقصا فوق مسرح السماء
ما بيننا عطر وأنامل , تقف على عتبة البيت ، تتمرغ الاحواض برحيق الياسمين . ها أنت تفرض حصارك القسري على أرغفة الخبز، تكسرني مرايا اللون حين تضع كمائنك بين الكلمات، وفي ذروة الإعصار، يبقى هناك الخيار، ان أخط بعصارة القلب براعم الكلام.
مروان عبد العال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء