"ايفان" بطل "الغيتو الفلسطيني" !! قراءة بقلم :عصام اليماني



قبل أن أقرأ رواية " ايفان الفلسطيني" لم يكن لدي اي فكرة عن مضمونها، للحظة اعتقدت ان فكرة الرواية تتناول حياة الشهيد الايطالي فيتوريو أريجوني، الذي اكتسب هويته الفلسطينية باصراره على العيش في غزة المحاصرة و مشاركة الشعب الفلسطيني نضاله ضد الاحتلال، إضافة الى تأقلمه والظروف الاجتماعية والسياسية في غزة.
لم يكن أعتقادي صائبا.. وأذ بالكاتب في " ايفان الفلسطيني" تتناول الفلسطيني الذي ارتبكت هويته ، كما في حالة صخر وارتبك هو بهويته، باحثا عن هوية بديلة كما في حالة عرب / ايفان، هذا الارتباك الذي ادى الى " الانتحار البطيء لصخر ، و انتحار عرب/ ايفان الذي تعب من البحث عن هوية تجسد كينونته كإنسان بعيدا عن كونه فلسطيني. لم يكن هذا الارتباك صنيعة صخر او عرب/ايفان، انما الارتباك كان نتيجة كونهما ضحايا اللجوء، و من الجيل الذي ولد لاجئا في المخيمات، جيلا لم يعش تجربة الوطن ، انما من خلال حكايا الاهل تسلل الوطن ليعيش في وجدانه، فصخر حلم بالثأر لوالده الشهيد والعودة او استعادة الوطن عبر التحاقه بالعمل الفدائي ، بينما إختار عرب/ايفان البحث عن وطن جاهز يمنحه هوية ، وطن لا يحتاج الى كل التضحيات و الصعوبات، وطن لا يحتاج الشهادة ثمنا.
ان تفقد هويتك وانت في الوطن اكثر مأساوية من خسارة عرب/ ايفان هويته في بلاد الاغتراب . كلها أسباب جعلتني اقرأ الرواية قراءة نقدية، من موقع لا ادعيه، موقع الناقد الذي يكتب رأيا في رواية كاتب متمرس ،روائي يكتب بريشة ورؤيا رسام، و فنان تشكيلي يرسم بقلم وخيال روائي، ومناضل سياسي يكتسب ثقة ابناء المخيم في لحظة يكفرون فيها من كل " انواع القيادات و مدعيها مهما إختلفت مشاربهم الايديولوجية و السياسية". وعليه فقد خلصت الى التالي:
اولا :اربكتني شخصية عرب الذي تحول الى ايفان، فحواره مع ايفان كان في بعض الحالات غريبا عن عرب الذي قدمته في الرواية، شابا غير مكترث بمحيطه الاجتماعي،بل متمردا على هذا المحيط ليس من منطلق "ايديولوجي " تقدمي، بل من منطلق ان محيطه الاجتماعي يساهم في قمع نزواته الشخصية التي عبر عنها بمشاهدة الافلام الاباحية و تناول الخمرة، والتردد الى المرابع الليلية اي الاقرب الى شخصية : الازعر" عديم الثقافة ، بدلالة انه ترك المدرسة ليعاون والده في مهنة القصابة. فكيف لهذه الشخصية ان تتحول الى شخصية تطرح اسئلة و وتخوض حوارا فلسفيا غاية في الكثافة. هل كان على عرب ان يكون قصابا؟ الم يكن من الافضل ان يكون بالاساس شخصية مختلفة؟!
ثانيا: عندما تطرح موضوع ازمة الهوية لجيل ما بعد النكبة بكافة مصنفاته، الا ان هذا الموضوع اغفل نماذج اخرى من " المغتربين " ابناء المخيمات والذين وان تأقلموا واسلوب الحياة الغربية، الا انهم لم يفقدوا هويتهم وحافظوا على انتمائهم و ساهموا في تأسيس الجمعيات و انخرطوا في العمل التضامني مع ابناء البلد الذي استقروا فيه، خاصة في المانيا و باقي الدول الاوروبية و دول امريكا الشمالية. فبرأيي وان كان ايفان حالة واقعية، الا انه ليس نموذجا عاما. آخذا بعين الاعتبار انها رواية وليس مقالا تحليليا عن اوضاع الجاليات الفلسطينية، الا اني اعتقد ان تناول نموذج ايجابي في المغترب كان من الممكن ان يعزز استنتاجك الروائي ان موضوع " الهوية و الانتماء" في اطار الثابت و المتحرك خيار شخصي.
ثالثا: اتفق مع مضمون الرواية ومسألة الهوية وامكانية ان نكون امام اجيال لا تعرف اللغة العربية، لكن التخوف على الهوية لا يتأتى من اولئك الذين اصبحوا " اوروبيين في سلوكهم" فالمجتمعات الغربية ، وان كانت ليبرالية و ديمقراطية الا انها مجتمعات لا تتقبل " الغرباء من حملة الجنسيات الاوروبية" واعتبارهم اوروبيين، الامر الذي يؤدي الى رد فعل " الغرباء" بإتجاه العيش ضمن " غيتوات" تجمعهم و اقرانهم، والغيتو في الغرب ما هو الا عبارة عن نموذج مخيم جديد يكل سلبياته و ايجابياته. الخوف على الهوية والانتماء الى فلسطين او العروبة يتأتى من الفكر الاصولي المنتشر في المغتربات، واولويات هذا الفكر تتجسد بممارسة الطقوس وبالعداء للغرب و قيمه من زاوية دينية لا علاقة لها بالوطن و الهوية. فالخطر ليس بتغيير الاسم من عرب الى ايفان، بل بتغيير الاسم من عرب الى ابو حفص او ابو محجن و ابو مصعب و ابو بكر الخ.....
رابعا: الحوار مكثف، ويتناول مواضيع مختلفة، يجعلنا نفكر مع كل جملة حوارية، ويجعل القارىء وكأنه يعيد قراءة بعضا من تساؤلاته الشخصية، و يجد نفسه احيانا دون ان يشعر بأنه يقف امام ذات المرآة التي يقف ايفان امامها. واعتقد ان الابداع في الحوار يكمن عندما يشعر القارىء ان تساؤلاته الصامته هي ذات تساؤلات شخصيات الرواية- الكاتب.
خامسا: ايفان الفلسطيني، رواية استثنائية، ليس في موضوعها فحسب، بل في معالجتها للموضوع الذي تتناولة، بعيدة عن النمطية، خالية من الخطابة السياسية، و ان كانت تلمح ، لا تنتهي بموعظة اخلاقية او وطنية، تترك لنا ان نستنتج و ان يكون لنا خياراتنا الشخصية.
سادسا: استنتاجي ان عرب هو الذي انتحر ، لانه لم ينجح ان يحافظ على كونه ابن المخيم، وفشل أن يكون ايفان الاوروبي.
الرواية تحتوي الكثير من الافكار، و الحوارات التي من الممكن بتقنية عالية تضمينها في اي رواية يستخدم فيها " الاسلوب الرمزي.
عصام اليماني :
2011 -09-09 في كندا

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء