لفافات بائتة


لفائف من أوراق و حزمة رسائل و نصوص بائتة.... نعم بائتة لكن قيمتها انها كانت خبيئة في حقيبة يد... كانت بمثابة ثلاجة حفظتها من أشياء كثيرة ومدحوشة في زاوية خزانة ، فنجت بريشها من الحريق الذي إلتهم البيت بعد ان وضعت حرب المخيم أوزارها ذات صيف لم يكن باردا مطلقا... مضى عليها زمن وهي بائتة ولكنها لم تيبس أبدا... شعرت بدسمها الفكري ودفئها الوجداني ورقتها الادبية فقررت اعادة طهيها من جديد... لنشرها في سلسلة رسائل تبدأ منذ عام 1995 لذا اعتبرتها بلا زمن... طالما انها ترنو تفاؤلا نحو زمن قادم ... ولم تغب عن الحاضر مثلك أنت يا صديقي الغائب.

(1) رسالة الى غائب



صديقي الغائب دائماً والمثقف جدا ، مازال لسان الحال يردد: ( لو فكرنا كذا وفعلنا كذا لكان الأمر كذا ...) السؤال الذي طرحته بالامس "لمصلحة من يجري الزمن ؟" يحمل في طياته مضمون فلسفي يتعلق بقدرة الانسان ودوره في الصراع وعلاقته بالزمن ، وانه ليس لعبة بيد التاريخ بل صانعه ، لأنه لو فعل لخلق زمانه، حاضره ومستقبله . السؤال عن حركة الزمن هو سؤال إستشرافي ، يؤسس للجواب أو لرؤية مستقبلية تدرك مجرى حركة التطور التاريخي ، ويوضح دور الصدفة و مكانة الحدث وأهمية الارادة البشرية ، كقوة دفع تستطيع السيطرة على الحدث وتقوم بفعل التدابير المضادة للصدف....أي معرفة كيفية السيطرة على الصدف.. وتوظيف عملية التحكم بالأحداث وتطورها أيضا. نعرف كيف ولمصلحة من يجري وفقا للزاوية التي يتم النظر منها . ووفقا لعدسة منهجية، مثل:

الحتمية: كمنهجية تفكير رهنت التطور الى مجرى موضوعي تلقائي قائم على نفي ممرحل لحقبات تاريخية ، واعطت لتتبابع عملية التطور وان كان شكلها حلزوني، الا انها تسير حتما الى الامام، كحركة تقدم تنتكس وتتقدم ، هسكذا هي حركة التاريخ بالضرورة تجري لمصلحتنا كظاهرة حتمية...

القدرية: الاعتقاد ان التطور ظاهرة قدرية، وفق مشيئة غيبية ما فوق بشرية، وعلى الانسان الاستبصار والايمان بالحدس والقدر. وان المصائب ليست الا حالة عقابية والخروج منها تتطلب فعل هداية. وان مشيئة التاريخ رهن بيد خالقه. لذالك فالزمن مرتبط بقدرة فوق طاقة البشر وهي تجري لمصلحة تقررها الخرافة .

البرغماتية: تؤمن فقط بدور الحدث في صناعة حركة التاريخ، بل اعتبار ان الحركة ذاتها هي الكفيلة بخلق أهدافها، بل تقديس الحركة بأعتبارها كل وان الاهداف لا شيء. بل ان الخطوة العملية التي تقدم المصلحة على المبدأ. وان الزمن يجري لمصلحة من يحقق مصالحة أولا بدون التعلق بنهايات الحركة.

كلما جرى اهتزاز في حركة التاريخ علينا مراقبة مجرى الزمن ، هو إستشعار لخطر جماعي، حينما أرتجت مواطئ الاقدام من تحت الأرجل، تصبح مهمة الفكر اعادة فحص الواقع . ومسائلة للفكر عند مدى امساكه بالواقع .متى تبعث الحقيقة من جديد و تنتصرعلى الخرافة. إن رجال الفكر هم الاقدر على الاجابة عن سؤال الزمن. الذين يصنعون الثورات يعيدون الاعتبار للسياسة ذاتها من خلال تفكير جديد ومبتكر، بأقل قدر من الصخب .

يكون الفكر عميقا حينما لا يأخذ بالاعتبار الاسباب فقط بل الغايات أيضا. لا يهتم بالوسائل بل بالاسباب التي تناضل من أجلها. المشكلة لا تنتهي بمجرد وضع أقواس حول المعضلات النهائية. وتأجيلها لا يعني تأجيل المشكلة بل تأخير الحل. لا بد من رؤية تركيبية تشكل سلاحها المعرفة تجعلنا نعرف ونتحكم بمجرى الزمن :

أ) قراءة عميقة لحركة التطور التاريخي، تحديد واقعها، وجوهرها وأصل الصراع في ظرفي الزمان والمكان، وديناميات المجتمع وحركة توسعها المفترضة وكيف تنشأ وتسير عناصر الحقيقة الذاتية، ضمن اتجاه حركة التاريخ والاحتمالات كفرضيات والمولدات الداخلية كمحددات موضوعيى، والمؤثرات الخارجية .

ب) وعي حركة الاحداث، وفهم دورها في التحكم وتوجيه العمل بصورة ملائمة لحركة التاريخ، فهي أما تكون محرضاً للتطور، أو حاجزاً له ، أو أن يعمل على حرفه عن مجراه. اي يُعدّل مجرى التطور...مما يجعل من استراتيجية العمل المباشر أشبه بمولد للتاريخ.

ج) الارادة الانسانية. بوصفها صانع التاريخ، تصبح قوة الدفع البشرية المبنية على تقاطع بين خط الميول الفردية وخط الدوافع الجماعية في نقطة مبنية على المصالحة والوعي وحتى الخيال الجمعي .

الزمن يا صديقي يجري لمصلحة من يملأه ، ومن يود أن يمتلك الزمن عليه أن يكون في الزمن عبر وعيه أولا ، يستشرف الزمن كي يمتلكه، من خلال رؤية مستقبلية لحركة التطور وقراءة لهضم واستعياب الواقع ، وفعل تغييري يتبع خط تراكمي ،يستند للبطل الجماعي و بقيم الحلم المستقيم الذي لا يخاف أبدا من تعرجات الواقع و مشقة الطريق ولا من مجافاة الزمن .

أرقى التفكير وأبدعه الذي لا يمتلك اللحظة بل هو يسعى كي يمتلك الزمن ، ويصل الى حدود المجال الانساني ويسود عليه. هنا تزداد وظيفة الفكر حينما تصبح هناك حاجة قسوى للاستراتيجيا ليس بوصفها الرؤية الفكرية البعيدة المدى فحسب بل وعي العمل الاني والقريب والذي يعتبر نطاق عمل الاستراتيجية ، يشكل فيها الوعي أساس متين للعلاقات الناظمة لمجمل المهام والافعال والوسائل المختلفة للعمل، أي توحيد النظرة المركبة ولكنها البسيطة والشاملة ، الموحدة والمتعددة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء