أبحث عنك في القارة السادسة


لديمومة المنفى في النفس شبه لخلود الفردوس ، كالجنة الموعودة. كانت جملة نطقها بكل أسى : أنت تحسد الاغاني عندما تسافر عبر الحدود بلا جواز سفر. المنفى في جغرافيا الشوق، يكون القارة السادسة ! وهو في فيزياء الحنين قد ينتمى لعلم الفلك ، عندها سيكون الكوكب السادس ، زُحل، الأشبه بكوكبنا ولكنه يلفظك كغريب ولا يتسع لحياة آدمية.

باغت الماء ملامحي كالوحشة. حدثني زائري البرازيلي عن القهوة وكرة القدم وغابات الامازون، وعن دعم قضايا الشعوب، وأن بلاده أخيراً قد استوردت مخيماً . أدركت أننا نمتلك بضاعة فائضة وقابلة للتصدير، وأننا نتجول كالبطريق في وطن افتراضي ، ونسافر في منفى مشروع، يتسرب بين القارات كقارة مجهولة.

أحسست لحظتها اني أزاحم طيور البطريق هناك ـ عند جبل مجدب شاهق يطال كبد السماء، في جو خريفي وتتمايل بإناقتها ولا تخشى البته كل الحيوانات البرية المفترسة، وفي عباب الماء كانت أشكال مريبه من عجل البحر والحيتان الزرقاء وطيور النورس والطيور الجارحة، تلوح في أفق سفرنا المريع ، وأواسي نفسي بأمل أن معظم طيور البطريق تعشق الحجارة ـ

عند المساء كانت الشمس في حالة نحيب على وداع دائم ويومي، تبعثر خيوطها الذهبية كخصلات شعر غجري فوق الأديم ،أبحث عنك في القارة السادسة، بعد أن توقف رهام المطر خجلا من طلوع الفجر، حملت نفسي وسرت الى حديقة جانبية، كانت القطرات الباردة مازالت مخبأة بين أوراق الشجر.

المنفى مصنوع من كوامن الشوق وصباحاته تفيض بالوجدان، المشاة في المدينة كطيور البطريق ، تمضي كيفما تشاء وأينما تشاء، فانا في منفاي المشروع وقارتي الهلامية ، اتبع حبات الماء المستلقية على الشجر، أطل معها كنسمة ريح شقية، تتربص بخطواتي كي تنهمر.

مطر في حضن الصباح، داهمني حرف ضائع في المغيب ، عرفت انه تسلل من وسادة دافئة، محشوة بشتى أنواع الحبق، منفى يلمس النفس وهو يختنق من كثرة ما أدمنا نسائم وطن بعيد، مصلوباً عند مداخل البيوت في المخيم، يلّوح لي بيده المرتعشة وعبر ابتسامة خجولة، تلتفت شطر وطن يفوح شوقاً ويبوح حنيناً ، يلعق علقم الغربة مثلنا كل نهار.

مروان عبد العال

تعليقات

  1. كل علقم تذوبه أناملك، بنبضات قلبك القابضة على أغصان الزيتون، لنا وطن وله محاربون، ماداموا صامدين لن ينسوه.
    كن صامداً ولا تمل، ولا تستكين.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر