هكذا قالت الصورة!

هكذا قالت الصورة :أنا من هنا . عندما  جعلتني أفكر دائما لو لم أكن أنا نفسي. في الصُور التي تسللت من تراب "الغابسية" كلما ألقيت نظرة فيها ،كأنما تحدق العيون بالعيون ، وهناك صدى يجيب:


في أي واقع سأكون بين الصورة والمُخيّلة. كل شيء قابل للتخيُّل ، المكان الزمان ،ما كان وما سيكون وكيف سيكون ـ وهل الواقع المتخيل كاف لمعرفة أسماء كل المفردات والمشاعر؟عندما تختلط في مزيج غريب ، لا يعد لها بطاقة تعريف تنطق باسمها .. تسبغ علينا براءة اختراع اسمها وكنهها. أن صرت غيرك..هل للنفس الاخرى ذات المخيلة التي تنتج الاحلام و حتى لتحقيق الأحلام؟؟؟ الصغيرة أو الكبيرة. تخيلت هل سأكون أنا نفسي حلمًا زائفًا؟

فضيلة الصورة انها أختصار الحقيقة ، ودليلٌ عينيٌ للبقاء ، في صراع مشتعل مع الاوهام .هل سأكون فارساً للخرافة؟ أخذتني الى استنتاج أنه عليّ الاعتراف بأني لا أحتمل ذلك.

كدت أختنق من الاسئلة المتناثرة كأعواد الثقاب .

بين إتنصار أوإنتحار الحقيقة ، ترتدي الخرافة ثوب الاسطورة ، تصير مخبراً سرياً يلهث كي يلقي القبض على قوة الفكرة.. الروح التي تستنطق الاشياء ، وتعطي بعداً للصمت وتستعيد من الصدى هوية المكان. أما ذاك الشبح المختفي كالوهم خلف المشهد ، على لسانه  ادعاء بلغة أخرى عن رواية مختلقة ، الصورة لا تكذب حين تكتب الحنين مكاناً أقوى من الممحاة .....كأن  الحياة تسري فيه ، وأنه  يستحيل استنساخ اللحظة الاصيلة غير المكرره .
انتحار الحقيقة ليس عملا ً تلقائياً، عندما نلتقط صورتنا الاصلية ولكن بعدسة يريدها ويرى فيها الآخر، قد يكون الآخر النقيض. هي لحظة انتحار الحقيقة. بوصف الانتحار هو عمل واعي أيضا ولا يتم بدون ارادة بشرية ، وهو لا ينطبق بأي حال على الفعل الحيواني كما قال" البير كامو".

الصورة داخلي  تشتعل مثل بصيص جمرة في قلب فكرة ، هي أن أجد نفسي ملقيًا هنا دون أن أستطيع أن أفعل شيئًا. مررت بأصابعي المخدرة على على الصورة ،بينما أعد حبات الرمال التي تراكمت بين نسغ الشجر وبذور الحياة التي سرت يومًا  في عروق الارض . لحظتها كان إصبعي يتحسس زناد البندقية  ، ومعه تعود  الذاكرة مثل أزيز الطلقات تتابع دورانها في رأسي كطنين ذبابة ، تتوالى الرصاصات الحارة في إيقاظي حين تقذفها  اللقطة المميتة مثل حكايات الخلايا  التي ولدت هنا ترعرعت ونمت وناضلت وماتت هنا ، مليئة بالسعادة   حيث أنها الى التراب عادت !.جذور تمتد فينا تبحث عن ضوء شمس. طيف حياة مثل هذا النخيل  الذي قاوم الجفاف وانحنى لعناق الحجر...

أنا من هنا. هكذا يصرخ الحجر.ينطق برواية غير قابلة للتزيف  ولا للطمس ولا حتى للاغتيال ، وما الرواية؟ لقد أجاب كافكا :" هي المكان الذي تسطيع فيه المخيلة ان تنفجر". لذا قلت لك حدثني عما تبقى هناك، قل لي أيها الفتى ما يجري الآن بينك وبين قبور أسلافي ، عن أُفق ٍ لي،  يصعد على جدار السماء......



مروان عبد العال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء