الرمز بين الوجود والعدم..

صباح الهامات التي شمخت وارتفعت الى عنان السماء ، لتخط اسم فلسطين على جبين الشمس.


للقامات التي تقرع فينا على جرس الغياب للذكرى للشهادة وللشاهد الذي ضبط حياته وضبط الزمن على ساعة قلبه ونبضه وحلمه..سلام له وعليه ..سلام يا سيد الوقت الفلسطيني سلام عليك يا أبا عمار... على السر والمسيرة والسيرة، من سفر الزمن الاول الى العبور الأخير و في رحلة الزمن القادم... للخطوة والدرب والطلقة والفدائي والشريد والثائر والمحاصر والشهيد.... يا سيف الغياب الأخير في غمد الحروب الخاطفة والحروب الزائفة... الى حقيقة الزيتون الفلسطيني العتيق.... أيها الكبرياء الفلسطيني لا تهدأ و لا ترحل، أنت باقٍ على درب خلاص وموطئ قدم وسارية علم والى كرامة ووطن... عندها لا تليق بك الالقاب الرسمية والاسماء المستعاره ، بل لا تختصر برتبة قائد تنظيم ورئيس، بل تصبح إختصارنا الجميل في الحكاية الفلسطينية حينما تروى، ووجه من وجوه التغريبة الفلسطينية... لتسم مرحلة وتاريخ وتجربة ودرس فتعطيها عمرك وإسمك...

حق للغائب علينا أن نفيه، أن نقرأ فيه أيات الحب ,لكن أن نبوح بأسراره الحسنى ونحن نقرأ أسراره ونفكك ألغازه .. التى نعترف ونشهد ، بأنه تجاوز قدرتنا على إدراك فن الإحتمالات.....اسمح لنا أن نذهب إليك ونوغل في مزاياك الحصرية...من موقع مشاكس ومتمرد ومعارض ،هي سورك التى كسرت التوقع و مما زرعت أنت في جيل فلسطيني كامل ، يكبر فيك الانسان الذي أخطأ وأصاب. وظل قائدا ومتراسا لوطن معنوي إسمه منظمة التحرير الفلسطينية...

أولاً: سورة القائد اللغز والرمز

لا يوجد أشق وأقسى من أن تكون رمزاً ... لقد صرت كذلك عندما عبرت في كل تفاصيل الزمن الفلسطيني لم يبقى ذاك الحالم والعاشق فقط، الفلسطيني بالخط العريض والفلسطيني بالتقسيط المريع والتفاصيل المريره، من خيمة الى خندق ، احتدام الصراع لتجسيد الهوية عبر الخط الممتد من مفتاح البيت في عنق الام الفلسطينية في مخيم الى كوفية تكلل رأس القائد... صار ابو عمار ذاك البطل التراجيدي، والرمز، الذي صرنا نخاف على خشبة الايقونة منه كما قال شاعرنا محمود درويش ، إي الإستثناء ، " مادام الفلسطيني محروما من الوطن ، عليه أن يبقى عبداً للوطن". وهنا يكمن اللغز، تزداد الرمزية فنرفعه فوق الانسانية القابلة للخطأ، وتهبط مستوى المؤسسة أدنى من مستوى الفرد، نكون وكنا شركاء في الترميز والتلغيز والخطأ...هكذا صار يا سر عرفات الاسم الحركي لفلسطين... ويختصر مؤسسة وهيئة وحتى وطن ، بإعتبار حضور الاول شرط للثاني ، حتى أشرع باب الاختلاف الذي بقي في نطاق التصويب والثني عن الخطأ والحرص الاخوي الذي يجعل الخسارة ان وقعت،خسارة جماعية.. مما حذا برفيق دربه جورج حبش للقول: "يا أبا عمار نختلف معك ولا نختلف عليك". مسؤوليتنا ان نفيه حين نراجع رموز وألغاز الفكرة والنهج، وان نفكك لغز إستشهاد أبو عمار....كذلك وكذلك!

ثانياً: سورة القائد بين الوجود والعدم..

سر الجري الدائم ، في حقل العمل الميداني والممارسة السياسية، كأنه في عجلة من أمره ، قائد مستعجل، على وتيرة سريعه، كل شيئ قابل لاستثمار السريع وجنى القطاف والذي كان مرات عدة قبل أوانه... لماذا؟؟ هل كان في سباق مع الزمن؟ و سباق على الزمن... كنا نحذر كم تكون سياسة الاستثمار السريع خطرة وضارة..

هو لا يتعامل مع الثورة كموظف فيها.. هو صاحبها ورب عملها الوحيد وأبوها وقائدها، الثورة بالنسبة له اربعة وعشرين ساعة ليلاً نهاراً..كأن بينه وبين الوقت قصة، استثمار الوقت واستنفاذ التفاصيل ودائما بهاجس البحث عن قارب نجاة أو موطئ قدم أو مكان أمين لخطوة جديدة.. عقدة الوجود، بالجغرافيا كما التاريخ بالسياسة كما بالدبلوماسية..كأنما في تفكيره أن الوجود أفضل من العدم.. أي شيء افضل من لا شيء! كم إختلفنا على أن الخطوة الاولى ألاّ تكون هي الاخيرة.... وان تحترم الواقع ولا تغلق المستقبل.

ثالثـــاً: سورة التكتيك والاستراتيجيا

كان ثوريا تكتيكيا بإمتياز، القائد الذي يعيش ويقرر وسط ضباب من الشك، والإلتباس والإختلاف، مجازف في وسط بحر متلاطم الامواج، يستغرق في الواقع والتفصيل والجزئيات ، أب السياسة البروغماتية، وصانع المخاطرة الكبرى وهي أتفاقات أوسلو وما تركت من أثار في الجسد الفلسطيني... ليكسر لنا هذه المرة أدراكنا لفن الاحتمالات، يحيا في التكتيك ويستشهد من أجل الاستراتيجيا. وهو يرفض التنازل عن ما يسمى " الخطوط الحمر" أو الثوابت... يتحول رجل التكتيك في لحظة ما الى ثوريًا جوهرياً ، خارج لعبة التفاوض وأحجياته المقيته والعبثية ، الى شرعية ثورية من عنفوان الانتفاضة الى كبرياء المستقبل. من الواقع المر الى شهوة الحلم.....لذا كان أبوعمار يقول "نعم" ولكنه يحتاج لصرخة "اللا" وقد جاء اليوم الذي صار فيه شهيدا شهيدا لهذه "اللا" ، لم يرد للتكتيك ان ينفصل عن الاستراتيجيا ... وممنوع الهبوط عند الحد الذي رسمه بأصراره وثوريته..

رابعـــــــاً: ثنائية الغصن الاخضر والبندقية....

هي الحقيقة الفلسطينية التي تقدمت دائما بفعل الكفاح المستمر للشعب الفلسطيني وتضحياته التي فرضت حضوره وبقاؤه ... وخطاب الامم المتحدة الاول الذي ألقاه عرفات، لا ننسى رمزية الغصن الاخضر والبندقية، هي منظمة التحرير الفلسطينية التي يعترف بها العالم بوصفها حركة تحرر وطني للشعب الفلسطيني ، اي حركة مقاومة.. والخطاب الثاني للرئيس أبو مازن في الامم المتحدة ، هو استمرار للحقيقة الفلسطينية..لكن الذي أختلف أن ابو عمار أدرك بأن الاحتلال لن يبقى غصنا أخضر والجدار يقتل كل شيء أخضر والأستيطان يبتلع الأخضر واليابس وأنه لو أستطاع لقتل خصوبة الارض واقتلع الحلم ألاخضر

من قلوب الفلسطينين... ليس بعد ابو عمار الا الامانه الثقيلة... من يجيد لعبة الدولة والثورة وثنائية السلطة والمقاومة.. وهل تقوم الدولة وتجسد على الارض بغير استراتيجية كفاحية تستخدم كل طاقة و قوة ومقاومة الشعب الفلسطيني؟ في ظل اوسلو كان يخرج أبو عمار بجمل قصيرة لكن لها دلالات كبيرة وتحمل معاني وآمال كبيرة... " عالقدس رايحين شهداء بالملايين" ما معنى هذا..؟ الاحتلال اعتبرها صيحات حرب...كأنه يحدد خيار الشهادة والقتال كعامل قوة ، يدرك ما معنى ان تصنع السلام بلا القوة ، وكأنه يترجم لنا قولا مهما للاستراتيجي الشهير كلاوزفيتز: "كل شيء يعتبر حرباً إلى حدٍ ما ، حتى السلم نفســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه."

خامساً: الرقم الصعب بين السهل والممتنع.

حين أبتدع فكرة أن فلسطين هي الرقم الصعب، في معادلات الصراع ومحاولات شطب القضية الفلسطينية لم يكن يريده رقما صعبا ضد العرب، بل ان التجربة تؤكد، عندما يهون الرقم الفلسطيني يهون العرب، بل ان المقولة التي تقول ، بأن العروبة دون فلسطين، هي مجرد عشائر وطوائف وحمائل وذاهب.. وفلسطين بلا عروبة هي قضية عرضة للتقسيم والتجزئة وتحويلها الى قضايا وشعوب..

الرقم الصعب الغير قابل للقسمة لا على نفسه ولا على الوطن ولا يقسم الوطن و يستسلم للانقسام. الرقم الصعب لا يعود صعبا بلا الوحدة الوطنية ، التي تحمل مفهوم الشراكة والتنوع والاختلاف في المؤسسة وليس معها وعليها .. سر الوحدة عندما تكون فلسطيني بأمتياز ـتكون فتحاويا بإمتياز أو حمساويا أو جبهويا، أما ان أردت أن تؤكد فلسطينيتك بفتحويتك او بإنتماك التنظيمي لأي فصيل ، فالفارق بين الاثنين هو : في الاول افاق وطنية ومصلحة وطنية والثاني تعصب وإنغلاق وقسمة.. وتصير بعدها الوحدة بلا مضمون وليست الا شركة للمصالح الخاصة وليس شراكة وطنية للمصلحة العامة والوطنية... هي شروط البناء الديمقراطي التي قلنا عنه تباهيا وحصرا " ديمقراطية البنادق" كان أمانها وأمنها وناظمها رقما صعبا وممتنع ، قوامه وأساسه الغيرة الوطنية.

من المخيم ، الذي مازال يستنشق نسائم برتقال يافا، مازال على عهد الهوية ، على وعد الحلم الذي زرعه الابطال والاوائل من الرجال ، من تلك الاوتاد التي حولها ابو عمار الى أعلام فلسطينية و ثورة معاصرة وقضية شعب ، وكرامة.. أقول: سيبقى المخيم دلالة ورمزية وهوية.. ما نعيد بناؤه الان في مخيم نهر البارد ليس الحجر بل البشر ايضا، ليس الهندسة المعمارية للبيت بل الهندسة الاجتماعية والسياسية للمجتمع.. لأن المخيم هنا في لبنان ، مهدد بهويته، بأن تستلب أو تشوه أو تشيء أو تستلب.. وما يحتاجه منا لترميم هي هذه الهوية، كركن من أركان الشخصية الوطنية ومشروعنا الوطني... المخيم الذي يرفض ان يزج باي اتهام من توطين أو غيره... هو على خط الكرامة والتمسك بالحق المستند الى التاريخ هو حق العودة الى ديارنا وارض اجدادنا... ولا بديل عنه.. فحدود الحنين لا تتسع لتضاريس الدنيا لان فلسطين ليست جغرافيا فحسب ...حدود فلسطين اين تصل ارادة واحلام شعبها وستصل....

طوبى لك يا اباعمار يوم قاتلنا معا ولم نتقاتل يوم إختلفنا ولم نفترق ... سلام لك .. يوم ولدت وثرت وناضلت واستشهدت على درب رفاقك الشهداء.... طوبى لك وأنت النشيد والشهيد والشاهد....سنقرأ معاً يوما ما سورة العائد.....

...................................

نص كلمتي في الذكرى السابعة لرحيل القائد يا سر عرفات.


بيروت/ بيال/ 20-11–

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر