حين تكون اسطورة نفسها!

اهداء بمناسبة عيد الام ويوم المرأة العالمي .. لرموز الحرية في السجن والظلم والمخيم الى جفرا 
"- جفرا المرأة التي علمت من حكايتها ، كيف يجري زيت الزّيتون في شرايينها . وصارت تهبني الحياة كأنّها ثوب أموميّ دافئ، يقتلني بالحنين ولا يتركني لنوبة دمع في نائبات الدّهر. .


- كأني أنا من عاد اليها، قبل أن تعود إليّ هي. ولكن يا صديقتي أيّ جفرا أنتِ تنتظرين ؟

- صمتت ، وفي داخلها حزن عميق قبل أن تجيب، أحسّت فيه ذات الشّخص الذي تعوّدته في أروقة المعهد، يعمل بكلّ طاقته، دوماً يقول أن العلم رسالة، وقوّة الواجب تملي عليّ أن أعمل ما أقتنع به.

- يعتبر أنّ التفاهة مرض العصر. وأنّ جيلاً يسقط في بحر التفاهة، لا يمكن أن ينقذه من الغرق أحد. بحر التفاهة لا تقوى أن تركبه السفن بتاتا،يحاول دوماً أن يتجاوز التفاهة المستشرية في المكان، فيتمرّد على النّظام إن كان تافهاً، والإدارة إن أسقطت عليه تفاهتها. ربما لأنّ للتفاهة حاضنة إجتماعية وكأنّه أقوى من مؤسسة.

- أعجبها إصراره في تقصّي حقيقة أسطورة، وأرادت أن تؤازره في مشاعره الجيّاشة، وتنطلق إلى جانبه في محاورة المجهول للوصول إلى ما هو معلوم، وإن أخفقا تكون قد برّرت ذلك سلفاً بوقوفها معه، وتسترجع قولها:

- ( كل الذين فشلوا وإستسلموا كانوا قريبين من النّجاح )

فوجدت في نفسها بهجة متلهّفة للكلام وكأنّها صارت في قلب الحكاية.

- إنّي أنتظرها، فأنا من لحمها ودمها لكنّي أشعر بأنّ شيئاً ما يفصلني عن مخزونها الرّوحي .

- فأنا أيضاً أريدها كما أحلم، بأنانيّة لا تضر أحلامي.

كان مزهواً بجوابها، فقد أيقن أن ثورة جفرا قد بدأت. وتمنّاها ثورة تكلل بالنّصر. فتستأنف الحديث بجرأة فرضتها بشاشة وجهه.

- قبل أن تخطها على البياض.

- لو سمحت، أبلغها تحياتي، إنّي سأكون معك في فتح المستور من حياتها كما أنّي توقّفت عن التّفكير بها كقريبةٍ لي، وإنّي جزء منها، تعرف لماذا ؟

- إنها صارت داخلي ، بدأت بعناق روحي، أشعر إنّها تفكّر بي أيضاً.

أثلجث تعابيرها قلبه، وصار يتفحّص عينيها، يرى من خلالهما صدق ما قالت .

فهتفت له وهي تسلم نظراتها لعينيه:

- سأكون جفرا أيضاً. سألها :

- كيف تكونين هي؟

- أكون نفسي، عندما أعرف نفسي .

- دون أن تعرف الفتاة نفسها، تتوغّل في أعماقها المعتمة، تكتشف المخبأ أو المخفي في أدراج الرّوح، لا تستطيع أن تكون نفسها.

- كيف تحب نفسها، على طريقتها، وباختراع منها ؟

أعجبته فلسفتها . فهزّ رأسه موافقاً.

- فلهذا أريد أن تفهمي حقيقتها، وما قالته لي .

- وأنا أنتظر ما قالته لك.. ليس شكلاً ترسمه على لوحتك الموعودة. بل مضمونه ومحتوى الشّخص الذي تنوي رسمه.

- أريد معرفة نوع الرّمل الذي خرجت منه، فهي ليست امرأة في قبر. ليست مجرد إسم وشاهد. أقرّ أنّ جفرا لم تمت.

- نعم، هي ليست خيالاً فضائياً، أو قصّة إلكترونية، اعتبرتها أطياف وأطباق وذرّات هواء.

- هي بنت الأرض.

ضحكت من قلبها، لتردّد.

- إنّها بنت الأرض التي لا تكذب إلا قليلاً حين تشاء. لأن الخيال فيه قسط من الكذب. أليس كذلك؟

- كان لها فضاء حالم تحلّق فيه، فضاء لا يكذب عليها بل يحبّها.

- هل أحلامنا تحبّنا، كما نحبّها ؟؟

- أحلامنا لا تخوننا إن لم نخنها نحن.

- الخائنة من تنبش في قداستها عن معنى.

- أرني أحلامك فيها.

- أخالها تلبس طرحة العروس. ولطرحتها قماش والدة تشبهها، هي ليست كسائر الجدّات، لا تروي حكايا الشّتاء، بل تسمع حكايا عنها وهي تغلق قفلها على الليالي الطويلة.

- جدّة من صبر.. لفستانها لون أزرق كالبحر الذي تخافه، لسريرها وهو عاشقٍ يعلم تمامًا إنّها حبيبته دون أن تعلم هي لماذا تحبّه.

أجمل الحب أن لا تعلم لماذا تحبّ.

هزّ رأسه موافقًا.. كأنّه يكمل ما قالته هي.

- لكن جفرا.. تعرف لماذا حبيبها يحبّها، ونحن جميعًا نغنّي لحبٍ لا نراه ولا نعرفه. والسرّ المنقوش على خاتم مفقود، هو مثل ذاك الأمل الذي نبحث عنه لمزيد من الأمل.

- لكنّها مجرّد أنثى صدّقت نفسها.

- لماذا لا نصدّقها ؟

- لأنّها تنتظر أن تعرف أسطورة نفسها، لتكون حقيقة. همّت بالإنصراف وعلى عتبة الباب قالت:

- عدني بالخاتم، بل بسرّ الخاتم.

- سأعيد عليك بداياتها الأولى، أردّد صداها العميق من رائحة التربة وانبعاث الحب. ولكن وعدك لي، بأن تجمعني تلك النهايات لوقائع حياتها الأخيرة.

- طيّب، اتفقنا.. سننتظرها سويًا. أمّا أنا أريد بأنانية أن تكون واحدة منّي...

- تذكري جيداً يا عزيزتي، نحلم وحدنا فلن يكون هناك سوى حلم مستحيل، ولكن عندما نبدأ بالحلم سوياً ، حتماً سيكون الحلم ممكناً.

مقطع من رواية "جفرا...لغاية في نفسها"....

تعليقات

  1. حكاية ارتبطت بالأرض ليكون الحلم ممكنا

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر