غسان كنفاني سلطة المثقف
يعج غسان كنفاني المثقف بسرديات
النبوة ، وبالكلمة التي شبهها بالبندقية ، يصف فيها الأحرف كأنها مشط محشو بالرصاص
، و الحبر الى دم . يعلمنا أن الأدب هو فن
الثورة ، ريشتها وقلمها وقلبها ولسانها،
ومن روحها و عمقها يولد "جيل
الانقلاب". لندرك ولو بعد زمن أن أبدع الثقافة
أفعلها ، كالتي لا تمتلك اي زمن، ولكنها تؤثر في عصر كامل و زمن، حين
يصبح الوعيٍ قوة
تسطو على كل الزمن . لذا ما زالت
سلطة ثقافته تطغى على أي حضور.هي السلطة
التى لا ولم تنته مدتها الزمنية ولا صلاحيته
القانونية أو السياسية.
سلطة المثقف عند غسان تعلمنا ، بان السياسة تتفرغ من محتوها عندما تترك بيد
السياسيين حصراً ، وعندما يغيب عنها المثقف بصيغته العضوية كرقيب مجتمعي يعكس حضور
الضمير المنبه والموجه في ذات الوقت . السبب أن احتكار السياسة لفئة تمتهن اللعب بالزمن الجماعي وتطويعه على مقاس زمنها الفردي . أما رجال الفكر فينحتون زمنهم الفردي على مقاس الزمن
الجماعي. شخصية غسان كنفاني التي جسدها في مسيرته الفكرية ونتاجه المبدع وكقائد
سياسي بينت بشكل لا يقبل الجدل بأن الثقافة
هي جسر الضرورة بين الفكر والسياسة..
هو المثقف المعني بالسياسة ، الذي عاش سباق في كل كلمة وكل دقيقة وكل فعل
بروح السياسة ، ومعني بمنهج العمل السياسي
، فهو غسان كنفاني المنتمي ، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
،الناطق بإسمها ورئيس تحرير مجلتها المركزية " الهدف" . كما كانت رواية وقصة ودراسة ومقالة غسان معنية بالثورة لأنها فنها
وصوتها ، وبالقدر الذي كان فيه ساخراً
وناقداً لا يهادن البتة منهج استخدام السياسي للثورة أيضا . احتياج غسان كنفاني للسياسة وهو يتنفس هواء المأساة والتشرد و كان احتياج الضرورة
له كمثقف ثوري ، لكن احتياج التنظيم السياسي للمثقف الثوري الذي
كان غسان كنفاني عنوانه الساطع هو
احتياج بقاء.
"لماذا هزمنا ؟" سؤال غسان بعد نكسة حزيران ، قد يكون السؤال ثقيلاً على
انظمة الهزيمة التي أرسلت تهديدات متكررة للجبهة ولغسان كنفاني. وربما ولدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من رحم
السؤال نفسه عام 1967م أدرك رجالها كيف يتحول السؤال عند السياسي الى جواب .
لكن كم كان متعباً غسان كنفاني ! كان لا بد ان يتحول الجواب الى سؤال جديد . لأنه يدرك أدراك
المثقف إن السياسي يفقد مبرراته ان لم
يحسن الاجابة عن الاسئلة ولكن المثقف يفقد شرعيته بدون فلسفة السؤال .
بين فكر يومي لسياسي مياوم يسعى
لسلطة الحاضر فأضاع المستقبل، ومثقف يستشرف المستقبل لضمانة الحاضر، هو الفارق بين
مثقف السلطة وسلطة المثقف. في قلب السياسة كان الأدب دوما . تعرض الأدب الى الرجم الحزبي
والرجم السياسي والرجم الظلامي. بل للحظر المسبق من قبل السلطة ، كرمز للمنع
والقمع، بغض النظر أي كان لونها أو شكلها ، سلطة جهل أو سلطة قمع ! كأن يقول قائل
: كيف يعمل بالسياسة وهو يؤلف كتب؟؟؟؟؟ طبعا قال كتب وليس حُجب؟؟ تحار هي إدانة للسياسة أم أدانه للكاتب؟؟؟؟ هنا
يكمن اساس الاستبداد ومنع التفكير ، الذي هو التكفير للمختلف عن ما هو سائد.
غسان كنفاني المبدع لا يحب التكرار
حتى في إحياء ذكرى استشهاده ، كان ينحاز للميلاد وليس للموت ، سيدلنا على الابتكار
، كأن الثقافة هي فعل الثورة الأول ، ليعود العنصر الثقافي هو نقطة التقاطع الفردي والجماعي.
في زمن تتمزق فيه الجغرافيا والسياسة ، لكن الجريمة ان تتمزق فيه الهوية الثقافية، تلك التي تسمو على اي اختلاف
او تعددية سياسية.
غسان كنفاني الحاضر بيننا يشد على أسنانه مؤكداً ، ان تكون مهمتنا الثقافية هي متابعة سؤال الثقافة الوطنية . باعتبارها مقامومة
ثقافية في معركة الوعي الجمعي ، التي تحل فيها سلطة الثقافة كأساس وكقاطرة لمواجهة
الثقافة الاقصائية والالغائية والظلامية ،
بثقافة احتوائية و استيعابية وتنويرية جامعة ، تصون مقومات الهوية الوطنية من خلال تفاعل ثلاثية مشهد الوطن و مشهد المنفى والمشهد الكوني وما فيهما من تفاعل وتطورات جذرية على المستوى الانساني.
مروان عبد
العال
تعليقات
إرسال تعليق