الحضور الثقافي الفلسطيني : فخامة الغياب!


الحضور الثقافي الفلسطيني الذي هو وصف ادنى من تعبير حركة ثقافية فلسطينية في لبنان لا ينظر إليه بمعزل عن ملامح وشكل كامل المشهد الفلسطيني الثقافي والسياسي سواء كان الخاص أو العام. لذلك ارى أقرب تسمية تناسب هذا الراهن في الوسط الثقافي في لبنان هو حضرة الفراغ أو فخامة الغياب . الفعل الثقافي حسب ما نعرف كان سبّاق على الفعل الكفاحي المقاوم بل أسست له ،في البدء كانت الكلمة ، اقرأ...وفعل الثورة اندلع في فعل الامر" أكتب" اي انها كانت قاطرة ، ومجرد التوقف عن اداء الدور الريادي تفقد مكانتها وتكون نسبيا في حالة تقهقر، ولأن مشهد الثقافة الفلسطينية في لبنان الذي وصل الى ذروة الابداع في لحظة تاريخية ارتبطت بصعود حركة التحرر الفلسطينية ومكانة القضية الفلسطينية. وفخامتها اقترنت بالاسماء التي اتحفتها بالحضور . عوضا عن تحدى المنفى وما له وما عليه . مسؤوليتنا استثنائية في ظل تحدى استثنائي، لأننا ننتمي الى ثقافة منفى وليس ثقافة منفية اي ان تكتب من المنفى وعينك على وطن ، ينتجها وعي جماعي شكل حاضنة وبيئة إيجابية للذاكرة والهوية والحلم . "أكتب كل شيء لاعثر على جذوري ثانية" كما كتبت الروائية ازبيل الليندي ، اذا هو تحدي المنفى الذي جعل الانسان الفلسطيني يعي معنى الثقافة امام تحدي الهوية الوطنية فكان منتجا ومبدعا ويدرك معنى الوطن فعرف قيمة فقدانه ايضا، وبهذا المعنى تحولت الثقافة الى وسيلة للانتصار على المنفى. أي مهنة شاقة هذا المنفى . بكل ما فيها من بؤس وقهر وظلم وحصار ." المنفى ان تحيا وجذورك في الهواء " على حد قول" البيرتي" . ان خصوصية الواقع الفلسطيني في لبنان ، المجتمع الاكثر تكثيفا لمفهوم المنفى القسري. والذي صاغته المعاناة واختمرت فيه التجربة ، فصار الواقع نفسه ، صورة عن نزف مستمر وعملية تآكل وتعب ـ نتيجة فعل ديناميات وتحديات خطرة. الأولى : تعميق ثقافة الكراهية بأدوات فعل سلطوية والتي تظهر مكبوتها التاريخي في تلك السياسات المبنية على النزوات والاحقاد والانعزال ، والمعبّر عنه بالخطاب الثقافي والاعلامي النمطي غير التصالحي، والذي يقوم بمهمة تشويه صورة الفلسطيني ، عبرت عن عجزها في تنقية ذاكرتها السوداء او حتى الخروج من ذهنية خطوط التماس الثقافية وواستمرت بالحرب لك بأسلحتها المسموعه والمرئية والمكتوبة . كيف للثقافة ان تنافس السياسة السلطوية الرسمية في النظرة تمييزية "عنصرية"! وتنحدر الى درجة معاداة كرامة الانسان ووجود مجتمع فلسطيني بالأساس، لنكتشف في كل مرة ان المشكلة في السياسية التي تشكل المحرك لكل عناصر السلوك السيلسي و ما يتبعه ويبرره ، بدل ان تكون الثقافة هي الرؤية الابعد والاعمق بانحيازها للعدل. والثانية : نشوء "ثقافة الغيتو" التي تأتي مستجيبة للعزل الخارجي في ظل تقاطع موضوعي مع ذهنية فعل داخلية متعلقة بالتجربة التاريخية الفلسطينية واخطاؤها في لبنان، وعلاقتها الجديّة بواقعها المجتمعي، ويظهر من خلال اتساع الفجوة القائمة بين القوى السياسية الفلسطينية والبنية الثقافية الفلسطينية بشكل عام ، حيث ينفصل المثقف تلقائيا عن ما يسميه "الوحل السياسي" او "القرف السياسي" ويترك الساحة لمن يملأ الفراغ . معفياً نفسه عن واجب ورسالة الثقافة ومسؤولية التغيير ، بالتنظير الالكتروني والفضائي والطهرانية البعيدة عن الواقع الفعلي للتغيير . بحيث تتجوف المؤسسة السياسية وتتلاشى القيمة الثقافية . والثالثة : نشوء ثقافة ذيلية ، مثقف السلطة وصدى السياسي واحيانا بوقه المسموع او المقروء او المرئي، او جزء من جهاز مفاهيمي له وظيفة تفريغ الثقافة من محتوها الوطني لتحويل الثقافة الى وسلعة، ووسيلة ارتزاق لمؤسسات ممولة دوليا ، تخرج الهوية من محتواها الوطني والسياسي الى سياق إندماجي، او تعصبي كلاهما يتنافس على تغيير القيم عبر بتشكيل جديد لشخصية الفلسطيني، ليس بناء على هوية وطنية، بل وفق تضاريس جزئية يكون المخيم فيها المختبر للدراسات والبحث ومحاولة خلق مثقفي وانتلجنسيا العولمة وفق رؤية النيو/ ثقافية تحت مسميات المدنية والتحديث . لا قيمة لثقافة تفقد رؤيتها الناقدة وسلطتها على الواقع السياسي.وهي لا تكون ثقافة ان كانت انعكاس ميكانيكي يطابق حال الساحة الفلسطينية تكتسب عيوبها ،من التهميش الى السطحية وغياب الكفاءة والنزاهة والتبعثر والانقسام و تعدد الصيغ الفصائلية والمجتمعية، تغيب الحركة الثقافية التي يكون لها "كاريزما" وطنية تجعلها فوق الاختلاف والتشرذم، لان وظيفة الثقافة ترتقي الى مستوى الوعي الجمعى والقيم الاخلاقية وروح المجتمع . الثقافة اخر القلاع التي تسقط كما يقال، لا تقارن حتى في الغياب الكبير للاطار المرجعي، يبدأ في تحويل بيئتها من بيئة حاضنة الى بيئة نابذة، وحين تتحول فيه الثقافة الى ترف،تكون البيئة السياسية السائبة التي تولّد الاخطاء بلا موانع وبلا رادع ، نتاج الغياب هو الفراغ ، افتقاد الامان والثقة حتى في ظل النسيج الاجتماعي،غياب وتراجع الحركة الثقافية هز بقوة صيغة "الكومونة الاجتماعية " الايجابية التي كرّست التعاضد الأجتماعي، ووفرتها القاعدة الاجتماعية للتجربة الثقافية والسياسية والنضالية الفلسطينية، وهذا يدفع نحو نزوح صامت ونخبوي احيانا من داخله إلى المدن الرئيسية،كما ترحل معها الانشطة الثقافية وتلحق بها المهرجانات السياسية ، لتصبح الثقافة الارقى في الفنادق الارقى،أو كما صار هناك ما يسمى بحزام المخيمات أو البقع المجاورة والمنطقة المحاذية،صارت الثقافة حزاما تمارس خارج مادتها ومحاذية لغايتها. الحقيقة اننا أمام تراجع في "الهوية الثقافية" معيار القياس يكون ويتحدد من خلال (الفعل الثقافي) للمثقف لانه يمتلك الوعي والارادة ونضيف هنا بعداً اخر هو (الابداع) فالهوية الثقافية تخرج من الاطار التجريدي الى الوجود الملموس تتجسد في ( القصيدة ـــ القصة ـــ الرواية ـــ المسرحية ــ في الاغنية والتراث والفن والاعلام و الفن التشكيلي...الخ ). ومن هنا يجب ان ندرك اهمية دور المثقف في صناعة الهوية الثقافية للمجتمع. مروان عبد العال

تعليقات

  1. لأننا ننتمي الى ثقافة منفى وليس ثقافة منفية اي ان تكتب من المنفى وعينك على وطن ، ينتجها وعي جماعي شكل حاضنة وبيئة إيجابية للذاكرة والهوية والحلم .

    ومن أوجاعنا أصبحنا مبدعين في ثقافتنا الفلسطينيه
    وكانت لنا هويه صنعت من ثقافة كل فرد يمشي في شوارع
    القدس العتيقه ويتحدى المحتل

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء