طاب مساؤكم ، أعترفُ لهذا الحفل الجميل، إنّي وإن استجبتُ لفخامةِ المساء فقط كي ألقي التحية وأكون الشّاهد الملك على الوقع الأوّل والتّوقيع الأوّل والمولود الأوّل، حينَ يطيبُ للأنوثةِ المُشاكِسة أن تخلع قناعها البلّوريّ لنحتفي بزنبقةٍ تشقُّ بحرَ الغواية بعصا سحريّة، فَتَشْطُرُنا إلى نصفين؛ ملائكة وشياطين.هي صناعة الحرف المهمّة الأقسى مِنَ النّحتِ بالاظافر في حواف الصّخر، فكيف إن كان شعرًا ؟ أن تخلقَ كائنًا من لغةٍ أن تكتبَ عن كاتب الشِّعر!
بين كائنٍ وخالقٍ هي عملية انتحاريّة بامتياز؛ مع أنّ الشّعر هو إعادة إنتاج الحياة، أي خَلْقٌ بكلّ ما في الحرف من معنى ومبنى ، موت وحياة .
كائنٌ وخالق، تنبت الموهبة في بيئة نقية وتربة خصبة، ترنو إلى الضّوء، خضراء لكن حائرة وغريبة يغدو فيها الإبداعُ يتيمًا بلا رعاية حتّى ينال الأبوّة وغريبا يستجدي الاعتراف، في النّشر والتّرويج والنقد.
أنتِ يا سيّدتي الحدوديّة، يا ابنةَ حولا الجنوبيّة النّائمة على هديل يمام الجليل، ترشح شعرا و تنزفُ بالقوافي ِ، كأنّ القصائد تحتشدُ لحضورِها، حتّى يبدو ما يسبقُ كلامها ليس بكلام، تحتفى مراسيم اللقاء مثل حزمة أولى من جداول الروح، والمساء يعزف للحياة في زمن حروب الشّعر الغيرة و في ربيع الحروب الأهليّة و المناطق الخضراء الشعرية والحصرية، في فصول المافيات الملوّنة و سلطاتِ التّكفير الجديدة والقديمة و على أنواعها.
ثمّةَ إرادة للفرح أيضًا؛ لأنّ فينا حلمٌ ناقص و وطن لم يكتمل، مزنر بحدود الوحشة والعزلة والفظاعة حتى لا تخسر الغربة و سرّ البقاء فيه. أو تكون منفيا لا تقدر على العيش دونه لتعترف أنَّ روح المقاومة يعني أن تنتزع من بشاعة الطغاة حلمًا جميلا لغيرك ووطنا متاحا لنفسك؛ فتسكنُ وطنَ الشِّعرِ تأسرك الثّيمة المواربة واللّغز الجميل القادر على لملمة شظايا الاحلام.
" علِّمْني أن أرقص على قوس قزح،/ اهدي عالم الفرح زبيبا وسكرا."
كم يشبه الكائن خالقه،" غواية ملاك من توتك البرّيّ " رأيت شِعرا يشبه كاتبه طبق الأصل، مسكون بالدهشة كمن يرى الأشياء لأوّلِ مرة ،مفرط بالحساسية و يهتم بالأشياء الّتي لا يفهمها الآخرون.
واقتفي أثر قصائدها فتنفجر كل الاسئلة .
" أن الخيل حين يصهل تولد النجـــــــــــــــــــــوم " أسأل نفسي بماذا تكتب ايلدا.؟واجيب جازما انها حتما لا تكتب باصابعها العشرة بل بحواسها الخمسة .
تكتب " أعطني قليلا منك / صدى رجل /عناق الابد بعمر اللحظة" وكذلك ترصد الخسارات وتستشعر الانكسارات وتجس الحس بالفقدان ! إن كان المصوّر فوتوغرافيًّا يقوم بتصوير الأشياء يلتقط الصورة ولكنّ الشاعر يلتقط الروح تلاشي أو ولادة الأشياء الجميلة داخلنا.
هل مازال هناك مجال للخرافة ؟ هل يصدِّقُ الأطفال خديعة الكبار ؟ حكاية خرافيّة كالّتي نعرفها من صادر الخيال والعبث الصبياني هذا لا ينطلى عليهم ، ثمة اعتداء على الأفق الصّغير فينا بعد أن نام حارس المدينة ."اين تذهب أحلام من يرحلون ؟ أيأكلها الصدأ؟" وبوجع وبلهفة الرجاء تقول " يعيدني شريدة الى صبيانية المتاهات الجميلة"
تبوح بهويتها المستمرة في التشّكل . تمتلك كامل الحق بأعادة صياغة نفسها .
تقول : "انني خبأتك قديسا في صدري/ احمل اسمك ، كتاب عصمةٍ." ..
يا أنتِ العابرة مثلي بين أجنحةِ الخيالِ ونزيفِ النّفسِ الأخيرة الى الغواية ومن الان حتى حواسك الموعودة .اردد درساً علَّمَنِي أياه صاحبُ فضلٍ كبير أنْ أوْصاني " اصغِ جيّدًا للقصيدة الّتي تتلى فيك ولا تتلى عليك .
" وعلى شجن القوافي وبركة الكلام أُجدّدُ التّهنئة الى صاحبة الكلمة و القلم والمناسبة .
ألقيت في أمسية ادبية بمناسبة صدور ديوان " غواية ملائكة وشياطين" للشاعرة إيلدا مزرعاني /
زوايا - الحمرا - بيروت
...
.مروان عبد العال
تعليقات
إرسال تعليق