الضاحية الساخرة


(نص كتب  خلال حرب تموز عام  2006 كانت  قامة الضاحية تعلو  فوق صواريخ الطائرات الصهيونية ، اعيد نشره في تموز 2013)

ضاحية المدينة المعلقة على جهة الجنوب ، خرجت اليوم  تسخر من جلادها المنتفخ حقدا . ضحية تأبى الاستكانة ، متمردة على الجلاد ، تمتطي صهوة الشمس ، وهي تهزأ من غطرسته التاريخية المسربلة بالغرور. .هي الضاحية الساخرة.. تنادي قمرها، تعال وانظر.. فلا تقاسيم الوجه حجبته الأتربة ولا عبق الأغبرة، تصارع جنون البارود وسواد الحرائق.
من هنا مر الوحش العابر لحدود الإنسانية والأخلاق، فأبدع جريمته الذكية بتصاميم سريالية.. رصيف يتكوّم فوق الشارع الفسيح، ومبنى استكان لنومة هادئة، وآخر تمايل فوق شقيقته الجاثية على ركبتيها، مجزرة مبان بلا أطراف وبلا أعناق وبلا رؤوس، كأنها هيكل واحد في مسلخ أو متحف القتل الصهيوني البشع.
تدخلها فتدخل في أوصالك، وتناجيك كي لا تحزن، دمارها ثمن الحرية، ورمادها عربون التحدّي وبحور الكبرياء.. ووسام الشرف.
هي الشامخة في ليل الغارات، تحت النار تزداد طهراً، كي تصير العواصم كلها ضاحية كبرياء تقتفى خطوات الضاحية الجنوبية.. وهي تشير إلى قلادة في عنقها، اسمها صبرا وشاتيلا، كي تذكّر علها تنفع الذكرى.
الضاحية زينة المدن ، تسخر من فراغ الأبنية المليئة بالضجر والصخب وبالسهر وهي تغط اليوم بنومها، ومن جيوش خنعت، أدمنت التثاؤب في مربعات الفحش.
هي الضاحية، بلا جدران أسمنتية، تهاوت الأبنية تحت أطنان النار، لكن جدار الكرامة فيها صار أعلى، الوطن المجبول من إرادة الجبابرة صار أقوى، وجدارها الغيور صنعه ثبات المقاومة.
هي الضاحية، تشير إلى صدرها المعتمر بزلزال النصر، الأقوى من كل التحجّر في الجسد المهترىء والخطابات الحجرية، لأنها من سلالة العنقاء، تتجدد وتنتصر، وتوزّع نشوة القلب على عطش الأحرار.
هي الضاحية الجنوبية، هنا مربّع المقاومة، وصار في كل أفئدة الملايين مربّعاً  للمقاومين .. ولأنها الضاحية، تنام على وسادتها، وحتماً تنشد مع فيروز" هي من روح الشعب خمر" وتكمل غزة أنشودتها –تتباهى بأنها مثلها  ضاحية فلسطين الجنوبية- ومعها " آه عانقيني، فأنت لي.." كأنها تقول: سقط الجدار بيننا، فتعالي كي نتبادل القبل.

_________________                                               

مروان عبد العال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء