عبد العال يَكشف لـ«الجمهورية» أسبَار «شيرديل الثاني»

رُحّل أيوب عبد العال من فلسطين عام 1948 على أمل أن يعود إليها بعد أسبوع. إنتظر سنوات وحُلم العودة لم يفارقه يوماً. رحل الجد، فأراد مِن بعده حفيده المثقّف والسياسي مروان عبد العال أن يحرس الحلم، فخَطّ «عصارة القلب براعم كلام» لأعمال روائية نَسجها من وجع حكايات نساء المخيّم الذي يرى فيه «صورة الوطن المؤجّل»، والطريق إلى وطن لم يعِش فيه.
فلسطين، حُلم يقف عبد العال على ناصيته ويتطلّع إلى أن يقبّل تراب أرضها يوما ماً. أرادَ أن تكون أعماله الروائية بمثابة سجلّ يؤرّخ نكبة شعب وشاهد على قضية عادلة ومحقّة جَذبت مناضلين عرب وأجانب على حدّ سواء للدفاع عنها.

وها هو في روايته الأخيرة "شيرديل الثاني" التي صدرت عن دار الفارابي، والتي وقّعها أمس في "معرض بيروت العربي الدولي للكتاب" في البيال، يعترف "بالجميل لعاشِق أسطوري قاتلَ من أجل قضية وإن تخلّى عنها نَفر منّا ". وهذا نصّ الحوار الذي أجرته معه "الجمهورية":

- لماذا أطلقت تسمية "شيرديل الثاني" على روايتك الأخيرة؟ وما هي الرسالة التي أردت إيصالها من خلالها؟

ظلّ ردحاً من الزمن يتجوّل في الذاكرة وداخل الوجدان قبل ان أفتح له الباب ليخرج من العتمة الى الضوء. "شيرديل" شخصية في اللاوعي سَكَنتني طوال سنوات، وتردّد صداها في نفسي، وعندما نضجَت تقاسيم الروح وحضرَ الصوت الداخلي، أدركتُ أنّ الشخصية قد ولدت، فشرعتُ في كتابته. "شيرديل" كائن جميل وبطل حي، واقعي جداً ولكنّه خرافي جداً، يتجاوز الموت في حلقة مُتصلة من الحياة.

إنّه مزيج جميل من الخيالي والواقعي والنضالي والانساني، ترتجف لأنك تعجز عن تصنيعه كما تشاء، والأهمّ أن تخترق الواقع لتكتشف حجم الاسطورة القابعة فيه. هو محارب مقاوم يؤمن بالانتماء إلى الفكرة على غرار كلّ المناضلين الأمميين ضد الفاشية، والذين نمجّدهم بعد موتهم طبعاً. هو كائن حي وبطل، بلاده أرض الخرافة التي تدور حول حياته، وتحفل بكلّ الكليشيهات الملتصقة بالبطولة، لكن كظلال إنسانية ترافقه. إنّ الرسالة التي أردتُ إيصالها هي ألّا يبقى مستتراً.

والشخصية النكرة والمُستلبة والمسروقة، لأنّها خارج دائرة الاهتمام والتصوير والاستثمار اللامبدئي، هي صرخة أنّ الثورة لم تكتمل بعد، وتحذير من الثورات الناقصة، فكانَ قامة عالية وشُجاعة في مقابل زمن الأقزام والنفوس الضعيفة والقلوب الناقصة، والرواية دعوة إلى الخروج من دوائر الخديعة والنكران بل من قيَم نَكْث العهود وعدم الوفاء.

- بماذا يختلف هذا العمل الروائي السادس عن "سفر أيّوب"، "زهرة الطين"، "حاسّة هاربة"، "جفرا": (لغاية في نفسها) و"إيفان الفلسطيني"؟

لا شكّ أنّ لكلّ عمل حيّزه الزماني والمكاني، ولكنّ المشترك بين هذه الأعمال هو الانساني، بين شخصية الفلسطيني المقهور في "سفر أيوب" وحنين الذاكرة في "زهرة الطين" والبطلة العاشقة في "جفرا" ثم رواية الألم والشتات في "حاسّة هاربة" وسؤال الهوية في "ايفان الفلسطيني" الى "شيرديل الثاني" في شخصية إيجابية تكمل شخصية شيرديل الاول، أي استكشاف لحقائق في أزمنة مختلفة، وعلى أطرافه تنمو شخصيات متنوعة. لكنّ شيرديل يعاكس "ايفان الفلسطيني" تماماً. كتبَ تاريخه بحرية كشفَ فيها كلّ الوان البطولة والشجاعة والخيانة والجبن، لأنّه صار بطلاً رُغماً عنه.

- في روايتك تُعيدنا إلى عصر "ألف ليلة وليلة" لتظهر أنّ فرحة الحرية لا تكتمل من دون وجود امرأة… هل في ذلك عرفان بنضال المرأة الفلسطينية أم صرخة للتنبيه من تراجع دور المرأة وَسط المدّ الإسلامي السائد؟

هذا مونولوغ يَستلهم الخرافة ويحذّر من سقوطها. كان يتابع عرضاً سينمائياً يتحدث عن "سقوط ألف ليلة وليلة"، على اعتبار ألف ليلة وليلة ثورة أصيلة ممتدة في مخيّلة شعوب الشرق، وعبقريتها تكمن في قدرة "شهرزاد "على استخدام حنكتها في هزيمة شهريار، أي إسقاط الطاغية، فالحرية بلا امرأة هي حرية ناقصة"، ولطالما كان رمز الحرية امرأة في الفن والشعر والنحت. لأنّ الثورة لا تكتمل من دون أدوات ثورية وتقدمية ترتكز الى الوعي، لا الى التخلّف والجهل.

- ما هي مكانة فلسطين في مفهوم الحرية؟ وماذا يمكن أن تضيف رواية "شيرديل الثاني" إلى هذا المفهوم؟

هو الخيط الحكائي الممتد من عشقة المجوسي لِفَتاته الفارسية الاولى "لوتس"، حين فرّ هارباً من استبداد ملكي قديم ومقيت موطنه الاول الى ظلاله بين المخيمات الفلسطينية لرفيقته التي تسمّى "بتير"، والسرد المتعرّج الذي يتسلسل في حكاياتها عن يافا المحتلة.

يربط بين فك قيود سجنه الداخلي من الاستبداد، ليُطلق نار روحه وشرارات جسده واشتعال فكره من أجل كسر سجن كبير، يعبّر عنه بوجود أقدم احتلال لا يحتلّ وطناً بل يقيّد كل شعوبها بالحروب وتداعياتها أيضاً، وتجسّدها الحرية كعنوان قضية فلسطين، هي فكرة اكتمال الحرية أيضاً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء