الثورة فينا لم تكتمل


تاريخ المقال: 30-04-2014 01:58 AM
http://www.assafir.com/Article/10/348507/AuthorArticle

يستمر الكاتب الفلسطيني مروان عبد العال في كتابة الذاكرة الفلسطينية التي بدأها مع روايته الأولى، معرجا في ذلك على المخيم والقضية الفلسطينية، بمختلف وجوهها، التي تشكل لُحمة كتاباته. آخر أعماله رواية «شيرديل الثاني» (دار الفارابي)، تقدم مجموعة من الشخصيات التي تدور في كوكب مناخاته والفضاءات التي عرفناها في أعماله الماضية. هنا لقاء مع الكاتب.

يفترض عنوان روايتك «شيرديل الثاني» أن يكون هناك شيرديل الأول، من هو شيرديل في العمق؟ ثمة الكثير من سماته تحيلنا على كثير من الشخصيات مجتمعة.
^ «شيرديل «الاول» موجود في ذاكرة شيرديل «الثاني» ونفسه وأعماقه، هو لا ينكر انه بدأ من النقطة التي توقفت عندها حياة الأول، والغريب أننا في اللحظة التي نبدأ فيها بالتعرف على الثاني لنكتشف بمرارة أننا كنا نجهل أن هناك أول، ويحمل ذات الاسم، وسار على ذات الطريق وكان لشيرديل الثاني مهمة تعريفنا على الأول. تعودنا على ذاتية وخديعة للنفس أن يعتبر هؤلاء أنهم «الأولون»، في كلّ تاريخ هم البداية وكأنه لا يوجد ما قبل وهذا غير صحيح.
حين التقطت اﻻسم وغرقت في ملامح اﻻول شدني بقوة اﻻضطرار لأستحضره من أسرار شيرديل الثاني، المقاتل الشجاع والمنفي طوعاً من ضفاف نهر قارون ليصب في بحرنا ويصبح جزءاً من ملحنا، واليوم هو اﻻنسان الجميل القادم من زمن جميل غير بعيد، رغم أنه حاصرني بسؤال جارح عن الانتماء في وقت تتلبد فيه الهوية وتحتل اللغة وتتبدل طقوس الثورات. ولم يخذلني لأنه البطل الحقيقي ووجوده حتى الآن بين ظهرانينا هو بحد ذاته انتصار على البطل الوهمي، مهما كان غريبا عن حياتنا وطقوسنا وأبجديتنا، لسانا ودينا، شيرديل الثاني كائن حي ومخلوق خرافي في آن واحد، تسير إلى جانبه ومعه شخصيات أخرى مثل الساموراي الذي يجسد رمزية الفدائي الياباني أو الأجنبي الذي عاش أو مات نصيرا ومن اجل قضية فلسطين، وكذلك أبو حرب الذي انتهى به الحلم إلى مكان ينعدم فيه التوازن والجاذبية.. ونساء رافقن التجربة من أم عسكر إلى بتير وكنّ على الطريق في الموقع الأكثر تقدما لحرية المجتمع والوطن وهنّ في القلب منه. هم جميعا الاسم الحقيقي للفدائي المجهول، بقايا محارب حقيقي، وكما نوهت في الرواية هم ليس مجرد خيبة ترتبط وشائجها بعلاقة عشق مجوسية، تشعل النفس في حروب صغيرة وكبيرة، بل تحلق بأجنحة روح عصية على الخرافة، حتى لا تظل الحياة مجرد حلم زائف.
شخصية شيرديل في هذه الرواية وكأنها تقف على نقيض مع شخصية «إيفان الفلسطيني» في روايتك السابقة، لن أتحدث عن تناقض، لكن لِمَ هذا الشخص المضاد، إذا جاز القول؟
^ سؤالك يضيء على مقاربة مهمة بين شخصيتين في روايتين مختلفتين، هل هي استكمال أو تضاد؟ إن كان استكمالا فإنها بهذا المعنى تظل الرواية الأخيرة تبقى رواية ناقصة وبأنصاف أبطال، هل هذا تقليل من قدر الأبطال أم إنصاف لهم؟ اعتبر ذلك أن المسألة اقرب ما تكون إلى فكرة الاستمرارية، حيث ان الثورة فينا لم تكتمل وان اكتملت يتوقف فعل التغيير، والأحلام كذلك لا حدود لها، وفي معالجة شخصيات أي رواية دائما أحس بنقصانها، لذلك حكمها النهايات المفتوحة أو التي تطرح أسئلة. ومع ذلك فان أبطالي دائما قريبون جدا ولكنهم غرباء جدا، لذلك هم متشابهون بأحاسيسهم. بينهم قاسم مشترك ومتعاكس، هكذا بين ايفان الفلسطيني الذي اسمه عرب بالولادة، والذي وصل كافتراض إلى ذروة اغترابه في عيار ثقيل من المنفى إلى حد تغيير أسمه كرمزية لطرح إشكالية الهوية من وجهة نظره كبطل سلبي،.هنا تلعب الرواية الدور النقدي ، لكن في شيرديل هو سؤال الهوية. إن اشكالية الهوية لا تحدد بمكان الولادة فقط، بل هي تجسيد لفكرة الانتماء لقضية أيضا، هنا تقول إنها اقوى من لغة اللسان، والدين.

القضية

تختلف روايتك هذه عن رواياتك السابقة، من حيث هذا الهمّ في خلق عالم يقترب كثيرا من الأسطورة. بأي معنى يقترب هذا العالم من القضية الفلسطينية؟ لنقل كيف أسست القضية لأسطورتها الخاصة؟
^ كما يردد عادة الرواية هي كائن حي، ولكن أحيانا بمخلوقات غريبة وخرافية، البطل هنا كائن طبيعي يستعرض شريط الحياة كلما استشعر بالاقتراب من حافة الموت في حياته التي ظلت مليئة بالمغامرة، ويستعيد البداية في استرجاع تاريخي يذهب إلى الفيلسوف زرادشت حكيم فارس كما يقال له، ولا شك أن هذا الكائن المخيمي أتت به الثورة الفلسطينية إليها، لتكتشف أن العشق المجوسي يكون امتداداً في الحب من الدنيا إلى الآخرة بشيء يشبه الخيال. وكذلك انصهاره في القضية والنضال من اجلها حتى الموت. ولا اشك في انه ما زال أكثر من ينتمون لها بأشياء خادعة ووهمية ورمزية حتى. هذا البطل ليس مجرد رقم وحكايته ليست حبكة بوليسية لزوماً لعمل درامي، هي حياة مشوبة بالواقعية بتاريخ أسطوري، لكنها جزء من تكوين شخصيته وخبرته أيضا، وحين تحضر «ألف ليلة وليلة» بوصفها حكاية عربية. شيرديل الثاني هو ليس لحظة النهاية في زمن يخلع الأسماء ويدوسها.
قلت لي مرة إن الأدب الفلسطيني الحديث لم يهتم كثيرا بالسرد. بأي معنى تقصد ذلك؟ هل تشير بذلك إلى ذاكرة ما قد ضاعت بسبب ذلك؟ وكيف ترى ذلك بعلاقتها مع الحقيقة التاريخية؟
^ قد يعتبر مبالغة لو قلت إني صرت اخشى ألا يبقى هناك ذاكرة جماعية. مهمة الأدب الحديث منه أن لا يبقى مجرد اجترار للماضي بل حل لغز الذاكرة ضمن صوغ جديد حتى تخرجَها من الإقصائية أو التضاد، إلى علاقة تواصل واستمرارية بين ذاكرةٍ كلاسيكيةٍ وأخرى حديثة، عمودية وأفقية، زمانية ومكانية، وإن الذاكرةَ القديمةَ سُجلت بواسطة السرد التسجيلي المعيش الذي وُجدت له مكانة ما زالت تورّث وتخلّد في الذاكرة الجماعية، قد تنتهي مع انتهاء الجيل الذي جاء من ذات المكان، من الوطن، وبين ذاكرة حديثة مبنية على أمكنة متعددة كأننا أمام جيلٍ لم يعد بحاجة إلى معرفة كل شيء بل من كل شيء شيء، يحاول ابتكار ذاكرته الخاصة التي ليس لها علاقة بالأصل. إن النموذج الصحيح يكون من بوابة تحويل العواطف من ذاكرة جامدة إلى ذاكرة حية، كتجربة الأدب الفلسطيني المقاوم شعراً ورواية وفكراً، عندما تحولت بياراتُ حيفا وبرتقالُ يافا وحجارةُ القدس وعنبُ الخليل، وزيتونُ جبل النار إلى حركةٍ عقلية تنويرية، وثم إلى فعلٍ مقاوم، لذلك وظيفة أدب المقاومة ليست ذاكرة الندب والفقدان والبكاء على الأطلال، أو الاستمرار بصيغةِ المبالغة بالوجع ووصف الألم، هي ذاكرة النكبة وتحويلها إلى وعي جمعي، يكون دائما إلحاحاً أعظم في ذاكرة الإنسانَ الفلسطيني عبر نقلها من السلبي إلى الإيجابي، يعنى ليس كلما كان الجرح أكثر نزفا نكون فلسطينيين أكثر، بل الأكثر وعيا هو ما يجعل العالم أكثر تأييدا وتفهما لنا، وحتى بتغيير نظرة الإنسان لنفسه.

أجرى الحوار:
إسكندر حبش

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قلم أخضر

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء