نداء ... نداء... نداء: إلى الصديق البعيد القريب مروان عبد العال

بقلم: نصار إبراهيم


في يوم ما استَشْهدَ (ليس المقصود أنه مات أو قتل المقصود اقتبس... بعيد "الشر...!!؟" وسلامة روحو) صديقي مروان عبد العال في إحدى تعليقاته بمقولة لإميلي ديكنسون، تقول: "أنا لا أحد. من أنت؟ / وهل أنت لا أحد، أيضاً؟ / إذن نحن اثنان لا أحد. / لا تخبر أحداً - فهم سيطردوننا، كما تعلم..." وقد أعجبني ذلك جدا...
من أين لك هذا يا هذا...؟ تقرأ خفية عني... ها؟وكأني بك شيطان رجيم... كما لا يبدو عليك، وهذا واضح من عينيك ... أنك لم ترسل ما طلبت منك... فلم تصلني روايتك بعد... وفقط أتابع... تهويماتك... من هنا وهناك،  أرسل الروايات وأية إصدارات تراها جديرة بي وأنا جدير بها من لبنان... فأنت تعرف  أن أهم وأجمل هدية لي هي كتاب.... (مش طقم فناجين قهوة).. وطبعا لا بأس بين وقت وآخر بكيلو غرام من البن الأفضل... فهنا، يعني عندي حيث أنا، مشكلة مع القهوة... ذلك لأن فنجان القهوة لا يفارقني وكذلك السيجارة (محسوبك أصبح خبيرا في السجائر... والسؤال المحوري واليومي الدائم عندي هو: كيف أجد وأصل وأميز أفضل وأروع وأطيب سجائر "واطية"... يعني أحسن نوع زفت [ حتى أن بائع السجائر قبل يومين احتج علي... شو بيقول: يا استاذ إنت بتدخن كثير...تخيل...! طيب هو شو دخل أهلو... كمان السيجارة يريدون تقييدها واغتيالها في يدنا...قال شو.... صحتك..! ولماذا نريد الصحة؟
[ استدراك: هذا يذكرني بحكاية أنطونيو الطلياني،تقول الحكاية: أنطونيو شاب مهنته حجّار، طوال نهاره وهو يحطم ويكسَر الحجارة...فمر عنه صديقه جيوفاني يوما وبعد التحية سأله:
-        ماذا تفعل يا أنطونيو؟
-         أكسر الحجارة...
-        ولماذا تكسر الحجارة؟
-        لأنني أريد نقودا
-        ولماذا تريد النقود؟
-        كي أشتري معكرونة (سباغيتي)
-        ولماذا تريد المعكرونة؟
-        لأنني أريد أن يكون جسمي قويا
-        ولماذا تريد أن تكون قويا؟
-لكي أكسر الحجارة 
-
ولماذا تريد أن تكسر الحجارة...!!!! وهكذا تستمر الحكاية.. أنتهى الاستدراك]
إذن متعتي... هي كتاب وفنجان قهوة وسيجارة وقلم وأوراق بيضاء... ذلك هو عالمي الأبهى والأشهى... (أو سأصبح أنطونيو ... الفلسطيني،أو الأردني، او السوري أو باختصار العربي كي لا يغضب مرة أخرة حنظلة ناجي العلي فيشتمني... خاصة وأنه قد حذرنا من التسرع في إطلاق المواقف والتوصيفات).
 فكما تعرف يا صديق مروان (عبالعال – رية وسكينة) أنا من فصيلة القرود التي إذا لم تأكل موزا تكتئب... وأنا إذا لم أقرأ جيدا لا أكتب جيدا... فأكتئب، والأكتئاب شئ مريع... لا أحبه ولا يناسبني، ولهذا أنتزع البسمة من بين الأشواك ببراعة جندب... وعلاقتي معك تاريخيا، ومنذ أيام دمشق، ركيزتها الفرح والضحك وأفقها البقاء.... لهذا  لا تبالغ ولا تذهب بعيدا... فمآسي لبنان طويلة...فهل تذكر؟ والآن بعد أن عدت إلى وطني وأنت بقيت حيث انت في لبنان العزيز، فقد أصبحت الجغرافيا قاهرة جدا، وهذا ليس بيدنا، إلا إذا تغيرت الظروف، ولكن لا مؤشرات في الأفق على ذلك بعد، ولهذا فإنني دائما أزور بعقلي المدن والعواصم وأنظر في أعماقها وأزقتها ووجوه ناسها الغلابة، هذه عادة عندي... ومع ذلك فإنني لا زلت  أتصرف وفق ذات المعادلة... فافعل أنت... فمعرفتي بوجود مروان الذي عرفته وخبرته تريح... وافكارك تنير وتضئ فتغري بالكتابة والخلق... ففرح  الإبداع وحيويته  يجب أن يستندا لقوة إيجابية تغذيهما... ولهذا علينا دائما التصرف كي لا نسقط في اليأس والأسى... فنحن لا نملك يا صديقي لا من ناحية العمر ولا من ناحية الدور ترف أن نكتئب... محظور علينا ذلك! ولهذا نتساند لكي نبقى ونبدع... وهذا بذاته يشيع السكون ويشد العزيمة ويضئ الوجوه...
 إذن خلاصة القول وفصل المقال... أرسل لي "موزا".... فرحلة الكتابة والإبداع ، وأنت ككاتب مبدع تعرف، كم هي رحلة شاقة... فقد كانت أمي "الأمية" فضة يعني سيلفيا –رحمها الله – تقول لي : "يا نصار يمّا ، يا حبيبي بدك تصير مثل شلوخوف، أو تورغينيف، أو غوغول، أو هيمنغوي، أو إليوت... تولوستوي... بوشكين، ماركيز،كويللو...  نجيب محفوظ... مثل مروان عبد العال...يا حبيبي بدك تتعب كثير... كثير... ولازم تقرا كثير كثير... يما يا روحي.. لازم تتعب  ولسة يا طول مَشْيَك في البراري حافي تتصير كاتب يا نصار.."... معك حق "يما" معك حق... طيب بدي نقود حتى أشتري البلاوي إللي حكيتي عنها... حينها تجيب: "شو رايك تقوم تنقلع من وجهي.... إن شالله ما عمرك قريت... وتضيف: قروا ولاد يعبد ولا عمرهم ما قروا.... إنت يما الظاهر  إنك مثل حمير عارة... مية حا تتمشي... وبس تقولها هي.... بتوقف (وهي تقصد هنا أول مقطع صوتي في كلمة "هيش" التي نستخدمها لإيقاف الحمار)...
فيا صديقي الروحي.. تصرف...  أريد موزا.. أو موزا أريد... لا أريد منديلا...أريد كتبا وقهوة... وسيجارة منشان ربك! ( ملاحظة أرجو من الأصدقاء اينما كانوا أن لا يعتقدوا أن ندائي إلي مروان يعني وكأنني أطلب منهم ذلك بصورة مواربة... بصدق وحسم فالنداء هنا بخصوص القهوة والسجائر يعني تماما مروان عبد العال،  أي مروان بذاته وبصورة شخصية، أما الكتب فلا مانع لدي...حتى لو أرسلتها الشياطين)!
ولأنهي بلفتتة لطيفة إليك الطرفة التي وصلتني من أحد الأصدقاء من الجولان العربي السوري المحتل وهو د.غسان أبو جبل (من بني معروف... أقحاح العرب وأحفاد سلطان باشا الأطرش)...  تقول الطرفة (ولكن قبل ذلك، أرجو فقط التعامل معها بحدودها الأدبية فليس لها أية أبعاد أخرى مطلقا... وسترون.. إنها تتعلق ببراءة الطفولة التي خربناها):
تلميذ "مسلم" في أحدى المدارس.. في الصف الرابع الإبتدائي... كسول جدا... يعني مخو مسكر ع الآخر... كل علامتو صفر يعني زيرو...وقد بذل والده كل ما هو ممكن لدفعه للتقدم... فلم ينجح... فحار واحتار... فهو لا يريد أن يضيع مستقبل الولد... ولهذا أخذ يسأل أصدقاءه وجيرانه... ماذا يمكن أن يفعل... وفي إحدى المرات نصحه أحد الأصدقاء: يا رجل انقل الولد على مدرسة"مسيحية" بيقولوا التدريس هناك ممتاز  فربما.. يتغير... وفعلا هذا ما قام به الأب (وبدون أية حساسية كما يحصل في هذه الأيام)... وأرسل الولد إلى المدرسة... بعد شهر لاحظ الوالد أن علامات الولد أصبحت كلها 100%... مش معقول...!! علامات كاملة في كل المواد... وكل الامتحانات...  كان يتوقع مثلا أن يتحسن الولد ولكن ليس بهذا الشكل... كان يتوقع أن يتحسن بنسبة 50% يا أخي60 ، أو 70 %... بس مرة وحدة 100% ... فنادى على الطفل: يابا حاب أسألك بدي أعرف شو صارلك...؟ كيف صرت مبدع هيك؟ نظر الولد في عيني والده ببراءة الطفولة وأجاب: والله يابا ما في شي... بس لما أخذتني أول يوم على المدرسة.. وتركتني.. وأنا دخلت الساحة  شوفت في وجهي في آخر الساحة... "واحد مصلوب"... ! فقلت لحالي...  خلص...هادول ما في عندهم مزح.... وعشان هيك صرت أقرا ليل نهار... هاد كل شي...!
أرجو ما تفهموني غلط... هي فقط طرفة تحمل فكرة ذكية وبسيطة... لا أكثر


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر