الخروج من "جناح السرطان"
مروان عبد العال*
كل
الامتنان لدعوتكم في لجنة مسيرة العودة الى فلسطين و منظمة الشبيبة الفلسطينية ، بما تعنيه في الزمن الاستثنائي بأن شكل ومضمون الثقافة مرتبط بشكل وثيق بالهوية
الوطنية روحا وجسدا، وهي تنويه من خلال
هذه اللقاء للمهمة الاستثنائية المناطة
بالمثقف الفلسطيني خاصة والعربي عامه
للقيام بدور ريادي مؤمول ازاء
المجتمع ، بُغية اعادة الحياة الى الثقافة
وسط
بيئة الخراب الذي نعيش ، ان لم ننتقل من الدور الذاتي الى الغيري ومن المسؤولية المجتمعية والجماعية
، بإعتبار ان انتزاع مساحة للثقافة الوطنية الفلسطينية التي هي اوسع من الحدود الجغرافية والسياسية ، وعلى
سبيل التذكير ان الاستراتيجية الغائبة هي فريضة
الثقافة كأمتداد للادب المقاوم بالمعنى الوجودي والحضاري والانساني السابق على اي خطاب سياسي مباشر ، على الاقل ليظل
لنا محل من الإعراب بل لتبقى القضية في الحياة وبأرادة الحياة بكل ما فيها من قيم جمالية.
" بعد العملية صحوت في حالة كنت فيها بين المُخدّر والصاحي ارتخاء
يسربل جسمي كله . شعور لذيذ يكتنفني ، اسبح
في عالم اخر . اطير في سماء واسعة " ص 144 هذا من
ثيمة الرواية التي سجلها د، فايز
رشيد على مدار 319 صفحة
من رواية " عائد إلى الحياة " الصادرة عن دار الاداب في بيروت
2014، اضافة جديدة الى الساحة الابداعية
تميزت بمونولوج انساني يفترش سرير الوجع
بسرد
داخلي يعرض مبارزة مريرة بين الامل
واليأس ومع الحزن والفرح وعلى حافة الموت والحياة ، بأسلوب بسيط ورشيق وشفاف ، كأنها حالة تنفس ، شهيق وزفير على مدار زمن المرض الذي هو زمن الرواية ، تحار بشخصية الرواية المحورية بين البطل والراوي و الكاتب والطبيب . هل يكتب بالألم أم يكتب بالقلم ؟ وقد يكون بالاثنين معاً وما كان الكاتب حيا بيننا لو لم يتمسك بسلاح الامل.
قلم الكاتب يختار الكلمات ومتى يحذف او يثبت ما يريد، تكون فيها المخيلة تصنع الحدث، لكن الألم هو الذي يكتبنا ولا يكون الطبيب حرا في صناعة الحدث ، يصبح هو المريض في صراع
معه وفي سباق مع الزمن من يكتب النهاية يكون الفائز ، وما بينهما كان
الفائز فائزا. بصفة الراوي يوم سجّل إنجازاً في سرده والطبيب الذي انتصر في علاجه بتحالفه مع مريض يمتلك أمل الشفاء ، وما بين هنّات القلم وعنّات
الالم وصراع يراوغ الموت ، ليكتب بلسان
الحالة في لحظتها بكل ما فيها من حس
انساني ، نشوة الفوز على لعنة الموت الفردي ولكن دون ان يغفل فكرة الموت في الحالة
الفلسطينية ، الذي يشبه بالخلود ان كان في
الوطن وموت ان كان بالمنفى حين يقول " الموت هو خلود فمهما اختلفت ظروف
الوطن يظل الجسد مدفونا فيه" ص 100
لماذا كتب فايز سيرة مرض خبيث؟ ما المتعة في استحضار لحظات
مخيفة عاشها ، ما هي الحكمة التي أراد إيصالها من خلال هذا العمل الابداعي الجديد ؟
، وما الجديد فيها ما لم يقله ؟ ولكني
عثرت على المغزي في رسالتين:
الرسالة الاولى : تكون الهزيمة عندما يتحول الوهم نفسه الى مرض ، الوهم
نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر
أول خطوات الشفاء. تذكرني بالكاتب الروسي"
سولجنستين" في روايته " جناح
السرطان " التي تترك للقارئ المتفحص
سؤال حول حقيقة المرض ان كان واقع ام خيال ، حقيقة ام وهم ، اي منهم المريض ؟ انسان
ام البيئة التي يعيش بين ظهرانيها ،صحيح
ان سولنچستن دخل الى المستشفى فعليا وأجريت له عملية إزالة
ورم .. لم يشخص وقتها على أنه سرطان . ربما كتب معاناته المرضية وإقامته في جناح
مرضى السرطان في المستشفى هما المادة الخام لكتابة روايته ( جناح السرطان ) .
هل اراد القول اننا جميعا ضحية الوهم؟ ام انه حوّل الوهم
الى مرض ؟ وقد وجد وصفا للمجتمع الموبؤء يشبهه بجناح السرطان ، ابطالها هم المرضى وكلهم متعاون مع الآخر لكن في مجتمع يائس بإنتظارا الموت. الرسالة
ان الموت بالجملة ليس بسبب السرطان ، الاغتصاب سرطان
و"اسرائيل" غدة سرطانية كما هو الجهل
موت مجاني والتخلف اسوأ من انتحار ذاتي ، الموت في الأخلاق والموت في الأقتصاد
والموت في السياسة ، كلها ممرات مميتة لخروج
العباد من البلاد بل من التاريخ ،
ومن المستقبل ومن الحياة.
أما شر البلية ، عندما يقع مجتمع ضحية لمرض الوهم ، والأسوأ ان يزهو المخدوع فرحا بالخديعة عبر نفاق ذاتي منقطع النظير ، يطلق خلالها ملايين المرفقعات إحتفاءً بالمرض ذاته وليس بالشفاء منه .
أما شر البلية ، عندما يقع مجتمع ضحية لمرض الوهم ، والأسوأ ان يزهو المخدوع فرحا بالخديعة عبر نفاق ذاتي منقطع النظير ، يطلق خلالها ملايين المرفقعات إحتفاءً بالمرض ذاته وليس بالشفاء منه .
الرسالة الثانية :
تكون ارادة النصر عندما يتحول
المرض الى وهم ، حتى لو كان من طبيعة المرض المخيف "
اللي ما بتسماش " او من هذاك المرض ، شرط ان
يواجه بشجاعة عبر معرفته ، مبدأ اعرف عدوك تعرف نفسك ، وليس بالتجاهل يمكن ان تهزمه "من اخفى علته قتلته "، كما اكد شاعرنا
محمود درويش :" في حضرة الموت لا نتشبَّث إلا بصحة أسمائنا". لا حياة ولا مقاومة
مع اليأس ، بل المقاومة في ذاتها هي الامل
، سواء كانت مقاومة بالمعنى الضيق
والبسيط كإزالة عائق امام
الذات كي تسير الحياة الى الامام وضد العوز او المرض او لتأمين سبل العيش او المقاومة بالمعنى الواسع والمركب في سبيل الوطن والوجود والقضية .
لقد آمن انه
في البدء كان الامل ولم يستسلم للالم ،
يقول في الرواية " انا بطبعي عاطفي
لكن بعد مرضي ازدادت عاطفتي اشتعالا او
هكذا هو العمر ، نكبر فيه من دون احساس
بالايام " ص 303 نعم يا عزيزي هكذا هو العمر والحب لا يعرف الموت ، ان كان للعمر حد فالحياة مستمرة ، لذا قيل ان الحب هو وقود
الحياة ، خطها عشق الشباب في جبل
المكبر واخرهم سكين حمزة في قلب العدو
بابتكار جريء يقول : ان الخوف في الحياة ثلاثة أرباع الموت. ونحن ندرك الانسان الحي هو
الذي يبحث دائماً عن شيء يستحق الموت من
أجله ، ككوكبة الشهدء الذي أضاء دمهم سماء فلسطين
على مشارف القنيطرة من اجل حياة هي
الاكثر من حياة وابعد من حياة ، وانت تظل
على جناح الحياة ولست عائدا اليها لأنك لم
تغادرها اصلا ، لكن الخلاصة ايها العزيز فائز يكون بتحذير الخالد (ابو فائز) غسان كنفاني الذي يشي باستمراية المقاومة في سبيل الحياة الكريمة ايضا بقوله : "ليست نصرا، الحياة
مهادنة مع الموت " .
*كلمة في
لقاء اليونسكو / بيروت
حول رواية :"عائد الى الحياة" للدكتور فايز رشيد. الجمعة في 23/1/2015
تعليقات
إرسال تعليق