اننا محكومون بالألم وبالأمل وبالمقاومة
شهادة الكاتب والمناضل السياسي مروان عبد العال...
محكومون بالألم والأمل والمقاومة
( كنت منغمساً بنشاط معتاد في مركز الكرمل الثقافي الواقع على شاطئ البحر في مخيم نهر البارد، وفجأة دخل شاب مذعور، كان كل شيء فيه يصرخ، لا يقوى على إلتقاط انفاسه، مازلت اذكر تفاصيل وجهه الأسمر وذرات العرق التي تبلل جبينه ولن انساه " أبو العيس" الشاب القصير القامة، كنت اعرفه شاباً من ابناء مخيم شاتيلا، لازالت كلماته تتدحرج بقسوة الحجارة وغزارة الرصاص في ذاكرتي وتحفر في رأسي تلك الكلمة الموجزة المجلجلة بصدى مميت : " مجزرة" ! كنت قد سمعت هذه الكلمة على لسان والدتي التي لم تنس دير ياسين .. لكن لم اكن ادري انها تعيد نفسها ونتوارثها أب عن جد ...
تجمع الناس حوله وهو يقص ما رأى، نظرات التعجب والصدمة وحتى الى عدم التصديق تعتلي وجوه الجمع، كأنه شاهد حي على فيلم رعب. او انه مجرد هارب خائف يريد تهبيط المعنويات..!! لم نصدقه لأنه يصف مشهد خرافي لا يصدق ، رغم انه قادم من عين الفاجعة ..جاءت عائلات ناجية الى المخيم، ولكن بعدها جاء صوت مذيع راديو مونتي كارلو .. عبر نبرات صوت المذيع " نبيل درويش" وهو يقرأ تقرير مراسل فرانس برس وكيف يعد الجثث المرمية فوق الشاحنة التي لم تتمكن من الفرار والجثث التي اختبأت تحت الشاحنة ! لكنها بقيت منتفخة على الرصيف.. يومها قمنا بتسجيل تلك النشرة المفصلة المخصصة بوصف المجزرة بحذافيرها الشنيعة اثناء اعادتها على شريط كاسيت، وصرنا نذيعها بدورنا في مكبر الصوت ليسمع مخيم ينتظر انين مخيم اخر يذبح ..
شريط الكاسيت المسجل سمعناه عشرات بل مئات المرات وبقي في الارشيف في مركز الكرمل حتى دمار مخيم نهر البارد عام ٢٠٠٧..
من يومها ادركت اكثر اننا محكومون بالاعدام معنويا وفيزيائيا، طالما المجرم مازال طليقا والعالم لا يسمع ولا يريد ان يسمع لأننا نتمسك بالحق فعلينا ان نتعلم مزاولة عد الجثث...!! لكن الحقيقة ابقى وبها نصون الحق و نجدد الأمل..)
تعليقات
إرسال تعليق