كرت أحمر لجلسة ملتبسة!

مجلة النداء اللبنانية  العدد 272 تاريخ الجمعة 18 أيلول-بيروت
مروان عبد العال

كشفت التطورات الاخيرة حجم المأزق الذي يعصف بالواقع الفلسطيني وحالة التردي  والتصدعات  التي تتحكم بالمشهد السياسي الفلسطيني . ظهرت معالمها في حالة التخبط والارباك التي سادت  عبر دلالة حركة الاستقالات المعجلة لرئيس واعضاء اللجنة التنفيذية  في المنظمة، ثم فبركة الجلسة المعجلة للمجلس الوطني الفلسطيني وبعدها الموافقة المعجلة من رئاسة المجلس لعقدها  ثم التأجيل. بذريعة عدم التحضير الكافي ، كلها إشارات تعكس طبيعة الازمة التي مردّها الحقيقي الى وصول استراتيجية المفاوضات الى طريق مغلق.. وخصوصاً هناك حكومة يمينية لا تريد مفاوضات ولا تريد فلسطينيين.. ولا دولة فلسطينية.  كذلك عدم  قدرة استراتيجية المقاومة ان تفعل فعلها وتمكينها من تشكيل البديل الفعلي وفق استراتيجية تحررية متعددة ولكنها واحدة.
علينا ان نعترف ان الأزمة تطال مجمل الحركة الوطنية الفلسطينية  التي لازالت عاجزة عن تجديد ذاتها رؤية وبنية ،أدوات وقيادة ، بل أن أزمة الشرعية الفلسطينية هي نتاج لعملية تعطيل شاملة اعاقت امكانية تجديد شبابها ومدها بالروح الجديدة وما تحتويه من طاقات واساليب عمل حديثة، حتى بمعنى الشرعية الانتخابية فكل المؤسسات انتهت صلاحيتها ومدتها القانونية، الشرعية الوطنية  تمر بحالة الشيخوخة، افراد ومؤسسة، تشمل نواحي الحياة السياسية والكفاحية والتنظيمية . تجلياتها الفشل، أقله والبديهي الفشل في تحقيق المصالحة الوطنية ! وتحول الانقسام الى حالة مستدامة  مستشرية وتتعمق افقيا وعموديا.
 لذلك مطلب تجديد الشرعية  عبر تجديد كل مكوناتها الفصائلية والتنظيمية والمؤسساتية وهي اضحت اليوم ضرورة وطنية محقه. تجديد الشرعية  يكون لا طعم ولا لون ولا قيمة له ان لم يكن مدخله شرعياً  أولاً، يستند الى الأصول ولا يخرقها. وجماعيا وطنياً يتسلح بوثيقة الاتفاق الشامل الذي اقر في القاهرة عام 2011 ثانياً، ويبدأ بالمراجعة  ثالثاً، مراجعة  سياسية موضوعية ونقدية و جريئة ، لأننا لا نريد تجديد الاشخاص وتخليد السياسة الخاطئة والمسألة ليست بتغيير الاسماء فقط .
 ان جذر المأزق هو في الخطيئة السياسية التي صنعتها معاهدة أوسلو ووادي عربة واتفاق باريس الاقتصادي ، والذي احدثت بمجملها  تشويها مقصودا للوعي وتحريفاً لمفهوم  الصراع وتبديدا لعناصر القوة وتفريطاً بالحقوق.
يحتاج الشعب الفلسطيني أكثر من اي وقت مضى الى خطوة  جدية وليس خطوة مرتجلة ، تؤسس لبناء المؤسسات وطنية يشارك  فيها مكونات الشعب في الداخل والشتات وكل ألوانه السياسية  بصيغة  الجبهة الوطنية العريضة تستعيد فيها المنظمة  دورها التحرري والوطني والكياني كالمرجعية العليا للشعب الفلسطيني، والخروج من الخلل الهيكلي المفتعل وحالة الفردية والفساد وغياب المؤسسة الذي صار بحد ذاته نظاما وهميا وعرفاً يتلاشى تدريجيا ، لكنه متكلس و ثقيل وقائم .
رفع الكرت الأحمر من اجل حماية و تطوير وبناء منظمة التحرير بضم الجميع إليها وتنظيفها من الاعشاب الضارة والشوائب والاخطاء والثغرات وإعادة صياغة  أدوار الهيئات  فيها على المستويات النقابية والتنظيمية والاجتماعية والكفاحية والمالية وعلاقتها بالسلطة التي  انتهت شرعيتها و تتراجع فيها المؤسسات  الادارية لمصلحة الملفات  المتفرقة.
كرت أحمر في وجه المفاجأة السياسية الموعودة! على ابواب الجلسة الملتبسة والوشوشات في الغرف المغلقة عن ان وراء الأكمة معلومات تشي عن مستقبل السلطة، وان جهابذة السلطة  يقترحون مخرجا انقاذيا عجيبا ، طبعا المفاجأة ليس لتغير وظيفة السلطة ولا حلها ، بل ان هناك من يسعى لإحلال منطمة التحرير الفلسطينية  مكان السلطة !!  وبعدا يصبح المجلس الوطني تلقائياً هو برلمان الدولة العتيدة والتي لم تقم على الجغرافيا بعد والتنفيذية  ستكون حكومتها!
كرت أحمر يشهره شعبنا  المكلوم بضرب وحدته المعنوية  الجامعة والتي تبدأ من اقصاءه عن المشاركة ، ان ينتزع  حقه بالاقتراع  ما امكن ووفق نظام التمثيل النسبي، ليكن تحدي في وطني ليس فقط امام  طاولة الحوار وعبر لجنة  تفعيل منظمة التحرير واطارها القيادي المؤقت والاعداد لجدول أعمال يشمل كل الأسئلة المطروحة. من يريد القفز عن الاسئلة أو يتغافل عن وجود السؤال ، وتحديدا فيما يتعلق بمصير المشروع الوطني، دولة واستقلال ولادئين وغيرها ، فأنه يسقط في الاجابة. بل في التحدي. لذلك هي تحتاج لكرت أحمر من الشعب  الذي أعطى وقدم وضحى ولا يزال يدفع الثمن ،لأنها مسؤولية التجمعات و القوى والفصائل ، لا قيمة لأستراتيجية  وطنية شاملة لا تحشد كل عناصر القوة المتاحة وتتمسك بفعل المقاومة والشرعية الكفاحية.
لذلك كان لا بد من الكرت الأحمر  في وجه الاستهتار والاستئثار من احترام الذات والرأي الاخر والاحساس بالمسؤولية الجماعية ، من اجل دورة  تاريخية وليس دورة طارئة وبمن حضر !! الواقعية تتطلب ان لا نكابر ونضرب رأسنا بالجدار والحقيقة تقول اننا تحت سقف الاحتلال . كيف ندعو للتخلص من الاحتلال وفق برنامج مقاوم ونحن  في قفص الاحتلال؟.
للمكان دلالة ، حضوراً وتمثيلاً وقراراً،  لذلك نرفع كرت احمر لجلسة متسرعة  تمأسس الانقسام القائم وتعتمده كصيغة نهائية إن لم تحدث فيه مزيد من الانقسامات المتفرعة . قد يكون ذلك بوعي أو بدون وعي، ويجعل من اقصاء الشعب عن القرار أمراً مكرساً ،عبر الانتقال من الصيغة الوطنية الى الفصائلية ثمة الى الفصيل الواحد وبعدها  تمجيد رغبة القائد  الفرد ، اي انتاج  الديكتاتور بنسخته الفلسطينية ،  هو وسلالته  وحده ولا شريك له وكذلك لا ضرر بلا نظام او تنظيم.

كرت أحمر في وجه  يسار فقد لونه الحقيقي واثبت أنه حاجته لتجديد شرعيته كحاجه الغريق للهواء، تجديد وليس تأبيد أشخاصه وأساليبه المكرره، مما افقده تمايزه عن المنهج السلطوي، لا دور يؤديه بل  يبحث عن دور ان سمح له، وظهر ذلك  بعد ان  تحقق التأجيل وثبت ان القوى والشخصيات الثقافية والقانونية لعبت دورا فاعلا  في مرور المهزلة وعطلت هذه الرغبة الضارة بالكل الوطني ، قد سجلت حقيقة جديدة أن مازال هناك يسار حر ومحترم وان وحدة القياس تكون في القدرة على حفظ لونه وشخصيته ان لا يكون مجرد ملحقاً باللعبة . أو ان يمارس عكس ما يقول  حين يضحي بمصلحة التنظيم في سبيل المصلحة الفردية، او كالذي يضع مصلحة التنظيم فوق المصلحة الوطنية .على اليسار الحقيقي اليوم تحدي ان يكون لاعباً وفاعلا وشريكاً في ادارة قواعد اللعبة أيضاً بحرص شديد، هو دور مأمول .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر