الفلسطينيون في لبنان وتحدي الوجود
مقدمة : تحية لمركز
الزيتونة لتناول هذا العنوان وبإهتمام الحضور في مسألة تتعلق بتحديات شاخصة على خطر
الوجود.. معيار الجدية لأي بحث يعتمد على تحديد وظيفة وغاية النقاش وادرك ان الهدف
.. يكمن في تحديد الرؤية .. تلك التي ندفع جميعاً كلفة تضييعها ، لكن الاخطر من غيابها
هو حالة الفصام أو التفكيك للمنظومة الوطنية والصيغة الجمعية تمهيداً لتفتيتها ، يبدا
بإفتعال تناقض بين المستوى الفكري والسياسي من جهة و مع حاضنتها وهي التربة الاجتماعية
.. تمهيداً للقبض عليها.. واستخدمها في زراعات بديلة تتحول فيها الكتلة البشرية الى
جماعة عاجزة ومهددة في صميم وجودها وكيانها وهويتها.
ومعيار النقد، ليس فعل الندامة أو كرسي إعتراف أو
بكائية نذرفها بعد كل تراجع بل هو صياغة متجددة لقيم المتبادلة بين الفكرية والمسؤولية
الاجتماعية والممارسة العملية، وهذا بدوره كان العامل الأساس والأهم الذي يقف وراء
تفشي حالة الأزمة والعجز وغياب الإرادة. وإلا فأن النقد الموضوعي هو فاتحة المراجعة
التاريخية نحو المرجعية الفاعلة والاستراتيجية الجامعة والرؤية ..
خلفية تاريخية:
تقدم الشعوب يقاس وفق معيار تصاعدي نحو الاكثر رفاه والاكثر رقياً .. والخ.. في قياسات
الشعب الفلسطيني المعيار تنازلي نسأل عن التجمع الأسوأ ، اي الأكثر قهراً وبؤساً ،
ومحاولة لاظهار الفوارق بين شتات واخر.. لكن الوجود الفلسطيني في لبنان ينظر لنفسه
بوصفه اللاجئ القابل للتكرار .. وابن النكبة المستدامة. وهي متاج لمسألة موضوعية وضعته
ضحية نكبة اولى وهي الاقتلاع، وضحية بنية نظام طائفي ، فرض عليه حالة طوارئ في مخيماته
ثم انتفض الفلسطيني على السلطة عام ٦٩ ودخلت ثورته طور العلنية واشترك في الحرب الاهلية
اللبنانية حتى بدتية ١٩٩٠ وحمّل اوزارها واسبابها من مخيماته وناسه وقضيته..
المرحلة الاولى
:التسوية الداخلية اللبنانية انطواء الوجود العسكري الذي كان قد طغى على المشهد حتى
انتهاء الحرب الاهلية رسمياً.. وبفعل متغيرات إقليمية ودولية، تبدأ من انهيار الاتحاد
السوفياتي وحرب الخليج وحصار العراق وانطلاق مؤتمر مدريد..المفاوضات العربية/ الصهيونية..
الوجود الفلسطيني دفع ثمنها ، انطواء زمن الوجود العسكري ، تفكيك البنية العسكرية ،
انكفاء الى المخيمات ، لجنة الوزيرين، وتبعها إلغاء اتفاق القاهرة من طرف واحد دون
صيغة بديلة.. وكل ما قدمه الفلسطيني ليحظى باعتراف بحقوقه الوطنية لم تجد اذان صاغية.
المرحلة الثانية:
مسار التسوية على الصعيد الفلسطيني ، اشاع وهم حل القضية الفلسطينية وجرى التفاؤل بالمتغيرات
الدولية ، بما فيها قضية اللاجئين التي جعلت لبنان ينظر بحذر الى امكانية ايتغلاله
كحلقة ضعيفة وحل قضية اللاجئين على حسابه، وتنصل من اي حديث عن الحقوق المدنية مبرر
ذلك بوعود دولية، فاكتفى بتأكيد الموقف اللبناني من الوجود الفلسطيني بما ورد في اتفاق
الطائف " لا للتوطين" وهذا مبدأ وليس سياسة... تماماً كما استغرق الموقف
الفلسطيني الرسمي بالمفاوضات وان الحل النهائي لقضية اللاجئين على الابواب، والموقف
الرافض بالتمسك بحق" العودة" وهذا مبدأ ايضاً وليس سياسة.. الشرط الضروري
ولكن غير الكافي..
خطر الوجود من الخطر
المحسوس الى الملموس:
١) يرتفع مؤشر القلق
على الوحود بشكل تدريجي ، عبر الاحساس العميق للفلسطيني في لبنان باليتم الوطني ، بعد
خروج الثورة من لبنان وبدأ مفاوضات التسوية وانشاء السلطة الوطنية وحيازتها على اولوية
تفوق منظمة التحرير التي تراجع دورها وتآكلت مؤسساتها ، وبعد ذلك مسار التسوية وتأجيله
قضية اللاجئين او العمل على خلق تفاوض حولها وصولا الى التصريحات الرسمية الفلسطينية
التي تقبل بتجزأتها ..الخ وكذلك التعاطي معه كأحتياط او حديقة خلفية وليس بحفظ مكانة
سياسية لحركة الشتات الفلسطيني في القرار الوطني ولدت مشاعر التخلي عنه ونكران حاجته
الى الامان السياسي والحرص على مستقبله .
٢) المأزق الذي
تعيشه المنطقة العربية والتي تتعرض الى زلزال قد يعيد صياغتها من جديد، اعادة تكرار
لذات المتغيرات والتأثيرات التي عكست نفسها على واقع الفلسطينيين في لبنان، وخاصة تلك
التي طالت سوريا وعصفت في لبنان منذ مقتل الرئيس الحريري، لقد ادرك الفلسطيني ان تصفية
الوجود قاب قوسين او ادني.. كانت نكبة مخيم البارد ليس بمعنى جرح في صدر الوجود الفلسطيني
فحسب بل سكل نمذجاً سلبياً لدفع ثمن التناقضات القائمة وكذلك لا ننسى مخيمات سوريا..
٣) تقاطع الدور
الدولي وخاصة افلاس متصاعد للانروا ، سيف ديموقليس المسلط على رقبة الوجود الفلسطيني،
من سياق ان وجود الانروا لحل قضية اللاجئين ، بينما حل قضية اللاجئين يحل وجود الانروا..
الا اذا مفهوم الحل هو التصفية.. الدول المانحة تدفع نحو تعريب المسؤولية عن اللاجئين
وتحميل الدول المضيفة مسؤوليتهم.. من خلال ، اجبار العرب تحمل الموازنة، و الشراكه
لجزء من خدمات الانروا مع مؤسسات اخرى تعليميه او صحية او مهنية، او لوزارات الدول
المضيفة، حتى الذهاب بطلب تعريف من هو اللاجئ! للعلم فإن الوكالة تعكف على دراسة قانونية
اجتماعية لفصل حق استحقاق الخدمات عن حق تسجيل اللاجئين، وبذلك يصبح اللاجئون فئتين:
لاجئ مسجل ولاجئ مسجل ومستحق، وهذا يعني أن ليس كل لاجئ مسجل في سجلات «أونروا» يستحق
الخدمات التي تقدمها الوكالة، من تعليم وصحة وإغاثة..
٤) تقاطع الدور
المحلي عبر الحياة الممنوعة ، حسب الاية الكريمة " على شفا جُرُفٍ هارٍ..."
الذريعة فزاعة التوطين ، ترفض حقوق الانسان تحت مسمى الخطر الديموغرافي والذي هو دينو
غرافي واعادة انتشار اللاجئين.. وتحميل الانروا مرةً مسؤولية بؤس المخيمات ومرة اخرى
الفصائل الفلسطينية لاسباب عديدة.. هروب من تحمل المسؤولية كدولة مضيفة.. واخر ما سمعناه
من احد الوزراء " ما إلكم حق عنّا" ..
٥) المخيم او الفلسطيني
الفزاعة، من اجواء التفكيك والفتن المذهبية ، المخيم في قائمة الاستخدام المدمر كمادة
تفجير وعندما لا يضيع حق وراءه مطالب لذلك يجري تشويه وتغيير هويته ودلالته ورمزيته
الوطنية وشيطنة المخيم كمطالب ومناضل من اجل الحق.. الفعل الارهابي يرهن المخيم للمجهول،
ويحول الفلسطيني الى رقم أمني في المعادلة لا حل له الا بمستوى أمني..؟فيتحول المخيم
الى نابذ للمحيط ولأهله، لتسمع بعد ذلك من مؤسسات دولية ، لماذا الفلسطيني فقط من هو
يعيش بالمخيم! ؟ يمكن ان تكون خارجه وتظل فلسطينياً..
٦) تضاعف الخطر
على الوجود بتراجع الدور الوطني والانتماء السياسي وانتشار فطر المؤسسات واجتياح الدراسات
الممولة وجماعات ممولة بمؤسسات ملتبسة تبني فكرها على التحشيد المذهبي، ومراز احصاءات
وغيرها..الاستنزاف من داخل المخيم لوجودها المادي ككتلة بشرية، صرنا نناضل لحفظ الوجود
الشاب في مجتمعنا.. وهنا سياسات لتسهيل الهجرة ومنها اقتراحات منح الجنسية الفلسطينية
للجالية الفلسطينية في لبنان ... التي سمعناها من مؤسسات دولية..
ماذا بعد...
ان انتفاضة الجيل
الجديد على ارض فلسطين، انه لا بحتاج لنا بقدر حاجتنا له، هو بثابة اوكسجين جديد للهوية
الوطنية الفلسطينية. نشعر فيها كيف تجدد الامل في شبابنا هنا وتستعيد الاعتزاز بالانتماء..
لكن هذا يتطلب سياسة
فلسطينية اساسها:
*المصلحة الوطنية
العليا والتي لا تتصادم مع سياسه البلد المضيف : حفظ الوجود الفلسطيني في لبنان وتوفير
كل الشروط الواجبة لذلك..
* مرجعية وطنية
بمضمون جماعي يوحي بالثقة والكفاءة والمسؤولية ، لا تتصوف الفصائل كتنظيم لذاته بل
يؤدي دور وطني اساسه حفظ الهوية الوطنية..
* الحياد الايجابي
عبر الانحياز للسلم الأهلي للبنان وللوجود الفلسطيني.. الكرامة والسيادة، والكيان والهوية،
الجمع الخلاق بين النضال لنيل الحقوق المدنية في العدالة النسبية والعيش الكريم والحقوق
الوطنية في النضال لتحقيق حق شعبنا في العودة..
مداخلة :
مروان
عبد العال /
حلقة بحث ونقاش: مركز الزيتونة للدراسات-
بيروت ..
29/10/2015
تعليقات
إرسال تعليق