ندوة أدبية حول رواية "60 مليون زهرة "

في إطار فاعليات اليوم السادس من معرض الكتاب العربي والدولي الـ 59، نظمت دار الفاربي ندوة حول رواية "60 مليون زهرة" للكاتب مروان عبد العال، شارك فيها الدكتور طارق عبود، الإعلامي اسكندر حبش، الأستاذ سلمان زين الدين، وقدمته الأستاذة إيلدا مزرعاني بحضور حشد من المهتمين والمثقفين، وذلك يوم الخميس في 3-12-2015، في قاعة المحاضرات بالبيال، وكانت الشاعرة إيلدا مزرعاني قد افتتحت الندوة بعد النشيد الوطني اللبناني، حيث قالت: يلون الكلام على إبداع النص، وأشكال الحياة، فإبداعه لغة تنسكب فيها طرقات الأرض، لتتلون بين أصابعه، نافخا فيها من روح فلسطينية تشبه الحلم على واقع، فلا تتوقف لغة مروان عبدالعال على أناقة تعابيره، وحيوية مفرداته، وسبك جمله، بل تتعداه إلى عجن طينة الأشخاص من روح الأرض والواقع، ففي رواياته، نجد المزنرين بعطر الزهر، ورونق البيلسان، مؤرقي الحواس والإحساس، أبناء الأرض والشتات موشومين بلغة الأرض أينما حلوا في أرض الله الضيقة على حلمهم، وأؤلئك المعذبون بخيانات الأرض، يلفظهم المجتمع قبل حكم النفي الجماعي، و في روايته، "ستون مليون زهرة"، يزرع الكاتب فينا لغة جديدة للمدينة المحاصرة، ليس كل ما فيها أسود، فيها عطر بحر، وأزهار لا تموت ولن يقتلها الحصار. ثم كانت كلمة نقدية للكاتب والأديب والناقد اسكندر حبش، قال فيها: كل رواية مروان عبد العال تقع في هذا الشرط، كيف يمكن إضفاء هذاالبُعد الإنساني على لهذا المناضل، على هذا الجندي، على هذا المكان. نعرف جيدا أن قسما كبيرا من الأدب الفلسطيني، كان ولفترة طويلة، مقيدا بشرطه التاريخي. ثمة تفاصيل لا يمكن التخلي عنها، إن جاز القول. الواقع المطلق يفرض ذلك. لا أقول إن مروان عبد العال تخلى عنه، أي عن هذا الشرط التاريخي، وإنما حاول أن يبحث له هنا عن مقترب آخر، عن مفهوم آخر. لهذا جاء المتخيل كوسيلة حقيقية ليطرح هموم الوطن والناس والنضال والحرب. تمرّ عملية البحث هذه، عبر حيوات متعددة، وعبر مصائر متنوعة. لكل فرد قصته الخاصة، وأسراره الخاصة، وهمومه الخاصة. لكن في الواقع – وعلى ما أظن – لم يكن الهدف الفعلي من كل هذا البحث، أن يقدم لنا مروان عبد العال سيرا متنوعة، ولا أن يقدم جغرافيات مختلفة، بل كان الكاتب يبحث في نهاية الأمر عن نفسه، بمعنى أنه كان يبحث عن الإنساني فيه، بعيدا عن هذا الجندي المجهول، عن الحجر الذي اعتراه إن صح القول، كان يبحث أيضا عن الوطن، لا أي وطن بالطبع، حتى وإن كنّا نستشف أن الرواية تجري في مكان معين ومحدد (غزة بالطبع

. ثم كانت كلمة نقدية للدكتور طارق عبود، قال فيها: "الواقف هنا هو أنا الجنديُّ المجهول، ولدتُ في الخمسينات، ولم يكن في فمي ملعقةٌ من ذهب، إنما بيدي بندقية. أشير بإصبع يدي الأخرى إلى الشمال، سأظل الجنديَّ الشاهد على ما يجري في البيت وحولِه وخلفِه، أشاهد الاستعراض الساخر عن بطل تنكري جاثم على ركبتيه، يخلع قناعه عند قدمي الجندي الذي تحت جلدي، ابتلعَ كل الحكايات،ومع ذلك يظل اسمه مجهولًا، وكذلك صفته وعنوانه، يوم يصير معلومًا عليه أن يتنحى. 17" تفتح صفحاتِ الكتاب، تبدأ الحكاية، وتطوى لك الأرض، لتتحلل من قيود الزمان والمكان، تستحيل طيفًا، كمشةً من رحيق، ومشتلًا من ورد ، في بقعة من فلسطين التي يحملك الكاتب إليها لتعيش تفاصيلها كأحد قاطنيها، والشهودِ على عذابها ومقاومتها وصبرها. تصبح كأحد أبنائها، تخاف مثلُهُم، وتضع أصبعيك في أذنيك من هول الصوت الذي يخترق الجدارَ، ورأسك معًا. تدور في أزقة غزة هاشم، وتنزل الى أنفاقها، تصبح على تماس مع الأرض، الأرض التي هي من فوق غيرها من تحت، يدفعك السرد الى ان تعانقها وتخاصرَها كحبيبة تخاف أن تفلتَ من بين أصابعك، في حلمٍ ربيعيّ جميل. ينزاحُ الزمن في الرواية ويتشظى، فيُصاب بعدوى الشتات، تحضرُ أيام الانتفاضة الأولى، وما بعد الاندحار الإسرائيلي، وهو زمن الخلاف في غزة، فيصوّر الرواي واقعًا إنسانيًا مكبّلًا بقيود سياسية وعقدية متنوعة. ثم يهوي إلى زمن الثورة الأول. وانتهت الندوة بدراسة نقدية للأستاذ سلمان زين الدين، حيث قال: يتخذ مروان عبد العال "60 مليون زهرة" روايته السابعة، "دار الفارابي"، من الواقعية السحرية إطاراً لتفكيك الواقع الفلسطيني، هو واقع معروف للقاصي و الداني، ومطروق من الرواية العربية عامة، والفلسطينية بشكل خاص، و تتمظهر مفرداته، على المستوى الإسرائيلي، بالعدوان، والقتل، والقمع، والاعتقال، والتهجير، ونسف البيوت، والإذلال، ومصادرة الأرزاق، وإقفال المعابر...، وتتمظر، على المستوى الفلسطيني، بالمقاومة، والتضحية، والاستشهاد، وابتكار وسائل الصمود، والصراع بين الإخوة، و العجز عن اجتراح الحلول ... على أن ما يختلف فيه مروان عبد العال عن الآخرين هو أنه يفكك هذا الواقع في إطار تغلب عليه الواقعية السحرية، و لعل غرابة الواقع و مأساويته، منذ حوالي سبعة عقود، على الأقل، تجعل الإطار المختار مناسباً للواقع المفرض. خاتماً كلامه، بالقول: تلعب الرواية دورها في إضاءة الواقع واستشراف المستقبل، وهل للأدب من دورٍ بعد؟ وختم الندوة الكاتب مروان عبدالعال برسالة شكر لكل من الأساتذة الكبار الذين أضفوا على الرواية رونقاً خلاباً، وكذلك للسادة الحضور، من سياسيين وأدباء وكتاب وشعراء، وإعلاميين، قائلاً: لقد أضاف حضوركم للمولود الجديد رونقاً وعطراً وجمالاً، والتحدي أن نكون هنا، ونحتفي بالكلمة في زمن وأد الكلمات، والأفكار، والثورات، والإنسان، والأوطان كي لا تنتصرالجاهلية، لنردد قول كافكا: " أن نكتب يعني أن نهجر معسكر الجهلة"، وأشعر بشموخ النص بمشاركة الأساتذة الأفاضل الأصدقاء: إيلدا وسلمان ود. طارق واسكندر. كلماتكم النقية والنقدية أعتبرها مدداً وسنداً وزاداً.. وبعد انتهاء الندوة، تم توقيع الرواية وسط حشد من الشخصيات الثقافية والسياسية والمهتمين والأصدقاء والإعلاميين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كنفاني المثقف يستعيد نفسه

قراءة انطباعية في رواية جفرا والبحث في البقاء

قلم أخضر